في عيدك الأممي …عفوا أيّتها المرأة
بقلم : لحسن أمقران
بحلول الثامن من مارس من كل سنة، يتربّع موضوع المرأة على عرش النقاشات العمومية فيغزو الفضاءات الاعلامية والجمعوية، وهو أمر أضحى يهدد هذا الملف أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن المناسبة اصبحت فرصة لبعض الأطراف للمزايدات السياسية والصراعات الأيديولوجية مما قد يفرغ حقوق المرأة من محتواها الحقوقي إلى تدافعات قد تؤخر إحقاق الإنصاف.
ان الحديث المناسباتي عن المرأة في الثامن مارس وتجاهلها الفعلي عبر السنة إهانة لشخص المرأة وقمة للتهميش والتمييز، جميل أن نستحضر المرأة في هذا التاريخ لنقف على ما تحقق وما لم يتحقق للمرأة، لقراءة ونقد سلوكنا تجاه المرأة، لكن الأجمل ألا ننساها أو نتناساها في غيره من الأيام، فالمرأة في الواقع ليست في حاجة الى يوم عالمي فقط، بل هي في حاجة الى انصاف عالمي طول السنة، انصاف ينتصر لها أمام حواجز الثقافات التي يتقاسمها التسلط الذكوري والتأويل المحافظ للنصوص الدينية، ثم أمام ترسبات التاريخ المتحجرة وأمام "بضعنة" وتشييء العولمة المتوحشة.
ان المرأة مدعوة إلى تجاوز خطاب المظلومية من جهة، ثم تجاوز العقلية التوسلية التي تنتظر من الآخر أن يغير وضعها الاعتباري من جهة ثانية، إن المرأة هي المدعوة بالأساس الى قيادة معركة التحرر واثبات الذات، وما على الرجل الا أن يشجعها ويكف عن عرقلة طموحها ونجاحاتها تحت أي ذريعة كيفما كانت، صحيح أن حدة الحجر والدونية قد تراجعت مقارنة بما سلف من الأزمان نظرا لظروف موضوعية شتى، الا أن ذلك لا يعني أن أوضاع المرأة بألف خير، فشتان بين المرأة هنا في العالم النامي والمرأة هناك في الدول المتقدمة، وشتان بين المرأة في القرى والمرأة في الحواضر.
ان الخطابات الرنانة حول المناصفة والقضاء على كل اشكال التمييز والتي تقر بها النصوص القانونية على اختلافها في غياب بنية تحتية حقيقية، يخفي في ثناياه واقعا مريرا ملؤه عنجهية العقلية الذكورية وتسلطها، فمن التأويل غير الموضوعي لفكرة "القوامة" التي يفسرها بعض أقطاب الفكر الديني بشكل مغرض موغل في التعصب الذكوري، إلى جعل المرأة مجرد ديكور أو صورة يريد أن يؤثث بها المكان لتمويه العامة أن هناك إنصاف ومقاربة للنوع، إلى تصور أكثر تطرفا يعتبر المرأة "بضاعة" فاتنة توظّف في الاشهار عند الطرف الآخر، كلها أوضاع تجعل المرأة مفعولا به ومادة مستهلكة وهي العاجزة عن فرض تصور أكثر إنصافا ينتصر لحق الذات في رسم كينونة لها بدل استهلاك تصورات الآخر دعما أو نقدا.
من جانب آخر، ان من يطلع على منطوق النصوص من معاهدات أممية واتفاقيات دولية في المستوى الاول، ثم التشريعات القطرية من دساتير ونصوص قانونية ومذكرات في المستوى الثاني، سيحسب أن المرأة قد تحقق لها الانصاف بشكل شمولي في عالمنا. لكن من لا يستطيع أحد انكاره أن الممارسة أقل بكثير من الشعارات التي ترفعها هذه الوثائق التي لا تعدو أن تكون مجرد أسمال رثة نوظفها لنواري عورة واقع المرأة المر والذي يجب إعادة التفكير فيه بشكل أكثر جدية .
مرة أخرى، وعدوة إلى المغرب، مؤسف أن نقر أن الحركة النسائية حركة نخبوية، ومن المفروض على الحركات النسائية التي تنشط بالحواضر الكبرى أن تكف عن المتاجرة بآلام المرأة، فإشراك المرأة القروية مسألة لا يستقيم بدونها النضال ولايدرك الواقع الحقيقي لمعاناة المرأة، فالمرأة في الارياف تعاني أكثر من نظيرتها في المدينة، فكل الظواهر الخطيرة الماسة بحقوق المرأة والحاطة من كرامتها مما نسمع عنه في الإعلام جزء يسير ويسير جدا مما يقع في المغرب العميق، حيث يظل من "العيب" و"الفضيحة" أن تكشف المرأة عن "أسرار" بيتها. والحال هذه، يجب الأخذ بيدها والتركيز على آلامها وآمالها في رسم خطوات النضال، يجب ان تخاطب المرأة القروية بمستواها الثقافي المتواضع وبما تفهم، أن يتم التقرب منها أكثر ونيل ثقتها لتبوح بأمور قد لا تتصورها مناضلات القاعات المكيفة. وسيبقى إكساب المرأة في الهامش ثقافة الحق والواجب ثم المرافعة القانونية التحدي الأكبر أمام العمل الحقوقي بصيغة المؤنث
لن أدع الفرصة تمر دون أن أشد على يد المرأة المغربية بحرارة، رمز الصمود والكرامة، رمز التحدي والأصالة، تلك المرأة القروية في أعالي الأطلس وتخوم الصحراء التي أنصفها الماضي أكثر من الحاضر، تلك التي يصورها لنا الاعلام اليوم في صورة بدوية لا تتقن غير الانجاب والأعمال المنزلية الشاقة، متناسيا أن من نسائنا رائدات في شتى المجالات.
لقد آن الأوان أن تتحمل المرأة مسؤوليتها وتنتفض من أجل كرامتها، فتكدّ وتجدّ وترسم مستقبلها بكل ثباث، ولنا من نماذج يحتفظ التاريخ لهن بوشمهن لذاكرته خير مثال، كلهن نساء نجحن في شق طريقهن الى الذاكرة الجماعية وولوج التاريخ من بابه الواسع.
لنسائل أنفسنا لحظة: هل فعلا نريد إنصاف المرأة؟ سأزعم وأقول وبكل حسرة أننا بعيدون كل البعد عن الانصاف المنشود والواجب للمرأة، في ظل التمييز، في ظل العنف الزوجي، في ظل التحرش، في ظل الاغتصاب، في ظل التضييق، في ظل الحصار، في ظل التزويج القسري، تلك المناهج التي نتبناها تجاه المرأة في البيت، في الشارع، في العمل، في مؤسسات التربية وفي وسائل إعلامنا.
في الأخير، أهنئ كل نساء العالم بعيدهن الأممي، وأخص المرأة المغربية على ثباتها وتضحياتها خصوصا في سهل وجبل المغرب العميق، وكل عام وأنتن بحقوقكن متمتعات.