مدرسة للا خديجة المالكي "سيرة" للتدريس
بقلم : ذ .حفيظ زرزان
صنف ناذر الوجود هي السيدة خديجة ، التي نالت من اسم السيدة خديجة أم المومنين رضي الله عنها الشيء الكثير ، تأسيا وحضنا ومحبة ودثارا .
عاشت في عز الاعتقالات ، السجون والترهيب سنوات الحسن الثاني ،و اختارت هذه المرأة الشريفة العفيفة أن تعيش في كنف أكبر معارض سياسي للفساد والاستبداد بالمعنى الحديث للكلمة ، وكانت خير سند ، حين عرف الرجل ناصحا للملوك بجبروتهم وطغيانهم أيام السبعينات والثمانيات لمن عاشها وعرف خطورتها .
صبرت السيدة ،احتسبت ،عانت ،احتضنت وآوت دعوة العدل والإحسان في بيتها ، في قلبها ، صانتها وبذلت النفس والنفيس ، لتخدم المشروع في أشد المحن والإحن ، وما أدراك ما البدايات التأسيسية والناس في عز سنوات الجمر والرصاص .
كانت قليلة الكلام والظهور، إلا من حوار وحيد يتيم وآخر مصور ، كشفت فيه عن جزء من حياة الإمام رحمه الله تعالى ، ولقائها به أول عهدها ، لم تدع يوما لنفسها أو طلبت جاها ولا رياسة، بل كانت قمة في التربية ونكران الذات والإقبال على المطلوب المحبوب ، فقد كانت سيدة وهبت نفسها لله ولدعوته ،خادمة صموتة كلها حياء ووقارلا تغيب ابتسامتها حتى بعد رحيل الزوج "الحدث الجلل " والجرح الغائر في قلبها تجاهه وكتمت كمدها وتفتت كبدها ، وانتدبت عمرها لتذكر الله وتطلب وجهه الكريم وأحبت الإمام بصدق وتجرد وكانت تحب أن يقال لها "الفقيرة" وثبتت على العهد ، وابك أنت على زمن يتسابق فيه الناس إلى الفخفخة والألقاب والأعتاب والظهور .
يقول عنها المقربون أنها كانت صوامة قوامة ، ذاكرة ، تالية لكتاب الله فكانت حافظة للب الرسالة ملتزمة بما كان الرجل يحث عليه ويدعو له ليل نهار .
و أستسمح السيد عيسى أشرقي أن أنقل عنه شهادة عاشها وسمعها ونقلها عنها ، في آخر عهدها بالدنيا في ليلة الأحد 24 جمادى الأولى 1436 هجرية، الموافق ل 15 مارس 2015 ميلادية، حين قصدها للزيارة رفقة ثلة من المومنين ، قالت بأدب شديد وحياء جم : ""لقد أفرحتموني بهذه الزيارة!!! الله يجازيكم ويكرمكم!!! مرحبا بكم! مرحبا بكم!" هذه كلماتها الأولى بعد رد التحية.
التفت إليها أحد المؤمنين، وسألها بأدب أن تهدي للحاضرين من "أبنائها" نصيحة باعتبارها قضت عمرا مديدا في صحبة المرشد الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله. فأجابت بسكون ووقار: "الصلاة! الصلاة في المسجد، بل في الصف الأول، وذكر الله دائما، والاستعداد للآخرة. لقد كان سيدي عبد السلام دائما يوصي بالآخرة ثم الآخرة. كان يقول لنا لنفترض أنكم تمتعتم بهذه الدنيا، وأخذتم ما تريدون من حظوظها، وماذا بعد؟ إنه الموت! فما قيمة حياة يتبعها موت. عليكم بذكر الله، والعمل لآخرتكم. لقد أعطى الله ما أعطى لمرشدكم رحمه الله في الدنيا، نسأل الله أن يعطيه في الآخرة".
لاإله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، في عز انشغالات الناس وجريهم وراء الدنيا وملذاتها، كانت توصي الناس بالآخرة.
ولمن يعرف نساء "اليوم".
لا مجال للمقارنة، فالبون شاسع جدا مابين "مهاجرة" بما هي قيم تنضح بالبذل والمحبة والعطاء الدائم والصبر المتواصل والاحتساب لله وبين نساء أكثر همهن الدنيا وما يتصل بها.
إن الواقف على هذه السيرة وهذه المدرسة المتفردة ، حق له أن يدعو إلى تدريسها للأجيال ، وما أحوجنا إلى هذه النماذج ، إلى مصابيح الطريق تضيء لنا عالما مظلما مفتونا مهووسا بغير الله .
ما أحوجنا إلى مدرسة "الأم" للتربية على معاني المحبة والوفاء، أكثر من أي وقت آخر، ورحم الله حافظ إبراهيم حين قال:
الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا أعـددت شعبا طيب الأعــراق
الأم روض إن تعهــده الحيـــا بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق
الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق
عزائي كلم كتبته هذه الليلة وصغته بدمع جار على سيدة لم أوف حقها ولم أعرف قدرها ...
رحم الله السيدة للا خديجة المالكي زوج الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمهما الله جميعا ، ورزق الأسرة الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه ، آمين .