بقلم : علي الأنصاري

صباح ثلاثاء ممطر ، وبارد في الرباط، الطريق السيار نحو مطار محمد الخامس لازال لم يستعد حيويته المعهودة، العربات قليلة، مما سهل، واختصر المسافة بين الرباط والمطار الدولي.

 كان الحديث السائد في الطريق، عملية باردو في تونس العاصمة وافشال المغرب بالأمس لخلية اخرى ارهابية  ،كفاءة المغاربة في هدا المجال اصبح العالم كله يشهد بها، المجموعة الارهابية استطاعت ادخال اسلحة ، و تنوي تحويل المغرب الى" ولاية المغرب الاقصى ،سمو انفسهم " احفاد يوسف بن تاشفين" تم تتبعها لما يقارب الخمسة اشهر ،حسب عبد الحق الخيام مسوؤل مركز التحقيقات القضائية المحدث مؤخرا في المغرب، بهدف تتبع الخلايا الارهابية والجريمة المنظمة والاختطاف وتهريب المخدرات.

 الخامسة صباحا مطار الدار البيضاء بدأ في الاستيقاظ  بعد  راحة ليلية قصيرة،  اجراءات امنية خفيفة جدا وسريعة، اغلب المتوجهين الى تونس هدا الصباح من الجمعيات المدنية المشاركة في المنتدى الاجتماعي العالمي الذي تحتضنه تونس للمرة الثانية على التوالي.

 هناك ايضا، بعض العائلات التونسية العائدة الى بلدها بعد رحلة سياحية، اكادير ومراكش، يبدو انها المدن المفضلة بالنسبة لهم، قارنت بين المغرب وتركيا، كبلدين سياحيين، النتيجة كانت بالإجماع لصالح تركيا جمالا وأسعارا.

 الصالة الدولية حفاة

 قد تتقبل في زمن كهذا ما لم تكن تتقبله، كأن تلج الصالة الدولية ،وأنت حاف القدميين،  دلك كان احد المستجدات الامنية في مطار محمد الخامس،  الاحدية كما الامتعة، بدورها يجب ان تجتاز جهاز "سكانير" بسلام، علق احد الظرفاء وهو يخلع نعلية "هدا ما جلبته لنا داع...........ش"

 رحلة ممتعة

كانت تلك اخر عبارة ختمت بها المضيفة كلامها بعد تذكير المسافرين  بإجراءات السلامة، علمنا ان ما يفضلنا عن تونس ألجريحة ساعتين  وربع من الطيران، مطار تونس قرطاج يعج هدا الصباح بالبشر من كل الجنسيات، الاجراءات الامنية في قرطاج عادية جدا رغم ما عاشته تونس قبل ايام.

 تستقبلك جميلات تونس وهن يعرضن عليك الاعتماد في اتصالاتك على شركة معينه، شريحة هاتف مجانية لا تتطلب  سوى تزويد  وكالة الشركة بصورة من جواز سفرك، سائقي سيارات التاكسي يعرضون خدماتهم ، بعض المستقبلين يبحثون عن شخصيات وضيوف خاصيين  وكلاء شركات تاجير السيارت يقدمون بعض الامتيازات، الكل يريد استغلال فرصة المنتدي لتحقيق بعض الرواج، الفنادق والنزل ممتلئة عن اخرها.

 وفود من كل الدول، تشاهد في  باحة المطار بعض المثقفين العروبيين، والاسلاموعروبيين، الدين اعتدنا على رؤيتهم في القنوات الفضائية ، يحللون الوضع في عالم العربي، وفد فلسطين يستقبل بالورود، شباب يعتمرون قبعات بوب مارلي، بعض الوفود النقابية، ألات موسيقية، منشورات واعلام ولافتات مطلبية وتنديدية، صور تشي غيفارا والخميني ، وطبعا شكري بلعيد وعبد الناصر والرئيس السابق لفنزويلا.

 اتاي كوبتشينو

 في انتظار صديق تونسي اصر  بكرمه المعهود على استقبالي في المطار، كنت في حاجة ماسة الى كأس اتاي الاخضر، ادمان موروث  يعود ربما لألاف السنيين، دخلت في تفاوض مع شاب  يعمل في مقهى كونتشينو حول الاتاي تفهم الامر وتفهمت بدوري استحالت تلبية طلبي واكتفيت بكيس من الاتاي الاخضر  في كأس من الماء الساخن،  انتظرت لبعض الوقت لعله يشفي ادماني الموروث، كان دلك مستحيلا.

 هاهو دا جلول

 وصل جلول فرحا ،مرحبا، معتدرا على التأخر، بسرعة وضعنا التاكسي في شارع الحبييب بورقيبة ، وسط العاصمة لم يتغير، حيوية كبيرة للتوانسة، المقاهي  والأسواق مزدحمة، شباب اختاروا الجلوس  امام المسرح البلدي احد علامات الشارع الرئيسي،  يتجاذبون اطراف الحديث، بناية استعمارية جميلة في حاجة الى ترميم لإعادة الرونق لها، علق عليها، اعلان عن احتضانها لسهرة لاغاني تونسية قديمة، جلول يقول بأن حكومة النهضة بدلا من ترميم البناية، كانت تنوي هدمها، لكن الجمعيات المدنية تصدت لها.

باب سعدون

 بعد تناول وجبة من الكسكوس ، أضافت لها الهريسة التونسية طعم خاص، كنا في حاجة لها في الجو البارد والممطر، بدأت الرحلة نحو باب سعدون حيث ستنطلق المسيرة الكبرى  تحت شعار : لا للارهاب، بمشاركة كل الوفود المشاركة في المنتدى العالمي الاجتماعي،مشينا نحن الاربعة  لمسافة طويلة، تعبنا من المشي،  في كل مرة يقول لنا صديقنا التونسي اقتربنا، لكننا نلاحظ بأنه يطمئننا ويصبرنا، باب سعدون لازال بعيدا.

 عبر ازقة مدينة تونس، تلاحظ تلك القواسم المشتركة بين المغارب، بنية تحتية في حاجة الى اعادة تأهيل، ازقة ضيقة، محلات تجارية صغيرة، تحاول ابتلاع معطلة البطالة التي تطل علينا من كل جنبات المدينة، شباب في مقتبل العمر في جنبات الازقة يراقبون المارة في انتظار المستقبل،  بعضهم اختار مغالبة هدا الواقع بأعمال بسيطة في  المقاهي المتراصة ومطاعم الاكلات الشعبية.

  وصلنا اخيرا لباب سعدون، مقدمة المسيرة تبتعد ببضع امتارعنا،  شارع   الواسع والمودي الى مبنى البرلمان ومتحف باردو تمت محاصرته بقوات الامن من كل الجوانب، أعلام تونس والجزائر وجمهورية الوهم تكتسح الشارع، المجتمع المدني التونسي يعبر عن رفضه للارهاب.

 العلم الامازيغي جداب

  خالد الزراري رئيس الكونغرس، مبتل الثياب، يقطر ماءا بسبب الأمطار التي تبشرالتوانسة بموسم فلاحي جيد  حسب احدهم ، يبحث رئيس منظمة الامازيغ العالمية، عن اصدقاءه من فعاليات الحركة الامازيغية، لا احد، استل علمه دو الالون الثلاث، اصطف الى جانبه صديقه الامازيغي التونسي واحدى مسؤوليات منظمته، اخد يردد" تمازيغت تلا تلا".

 بعد دقائق، جدبت شعاراته بعضا من اعضاء الوفد الجزائري، الدين اختاروا شعار :اتحاد مغاربي واحد، لكن بدولة زائدة رسمت خريطتها في الجنوب المغربي على  القميص الدي يلبسه كافة اعضاء الوفد.

 في كل مرة كان احد اعضاء مسيرة الجزائر ينسل عن  مجموعته، ليسلم على  الثلاثي الامازيغي، ويسأل "من  اي الامازيغ انتم"يجيبهم زراري "انا وهادي من المغرب، والاخ تونسي" فادا بالسائل يردد " آ امازيغ ن المروك"  ويعود  من حيث اتى،  بعد فترة  انضم لمسيرة الأمازيغ عنصر رابع، شاوي جزائري .

 في نهاية المسيرة انضم  مزاب غرداية  بملابسهم التقليدية الى الامازيغ، امام متحف باردو، التحق القبائلون ، وتقاطر المشاركون في المسيرة ، للاستفسار عن الامازيغية واخد الصور التذكارية ، بدأت تظهر ملامح بعض المغاربة، الدين يبدو انهم كانوا مشتتين عكس العديد من وفود الدول المغاربية.

  مركب فرحات حشاد الجامعي

 جمهور كبير يتوق للكرامة بكل اللغات،اغلبه من الشباب اختار في صباح ثاني ايام المنتدى، ارتياد المركب العلمي للتعبير عن انشغالاته الحياتية، كان صباحا مشمشا، في باب المركب جدب الطوارق بملابسهم التقليدية  ومسيقاهم المميزة الزوار من كل الجنسيات، فرقة من العوينات واباري وغات بالجنوب الغربي لليبيا، اختارت هدا الاسلوب لتقول للعالم "نحن هنا ولا علاقة لنا بالارهاب".

في الجهة المقابلة، نصبت احدى الجمعيات التابعة للبوليساريو خيمة كبيرة، اعلام ومنتوجات محلية،  الموسيقية الحسانية تصدع وتجدب الزوار، مغني الفرقة يختتم كل اغنية يغنيها بتحية لكل البلدان العربية ويدعو للوحدة العربية وتحيا الجمهورية....... ربما هدا هو الهدف.

 فرق تقليدية جزائرية من مزاب وطوارق الجنوب والقبائل، وتونسية من كل المناطق، عرس تونسي تقليدي كان محل استحسان وحماس الشباب، فرقة من موسيقى الراب، شيعة البحرين اختاروا نغمات على العود والكاريكاتور للتعبير عن رفضهم لسحب الجنسية منهم.

 جمعيات  تنموية لبيع المنتجات المحلية تؤسس فضاء المنتدى، الاعلام الجديد حاضر كوسيلة لنشر الوعي والاحتجاج السلمي، حضور قوي للايرانيين والسوريين والفلسطينيين، الفرنسيين في مقدمة الاجانب الاوربيين.