مُول المظل .. حين مُسخت الشجرة و حولها "التوفيق" الى مظلة
زنقة 20 . وكالات
يحلو لوزير الاوقاف والشؤون الاسلامية "أحمد التوفيق أن يبدأ خطاباته و ندواته و بعض من "دروسه" الرمضانية بالأية التالية : "«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، في الوقت الدي يعتبر التوفيق أن هذه الآية مؤسسة لموضوع البيعة، يرى المفسرون أن سياقها هو ما أمر الله به من حكم بالعدل.
"بعض طقوس حفلات البيعة يجب ان تراجع كالمبالغة في الانحناء والمرور أفواجا أمام الملك" حسب "عبد العزيز أفتاتي" برلماني حزب العدالة والتنمية الذي اضاف في تصريح لإذاعة هولندا العالمية "الاحترام للملك يجب أن يكون بانحناءة رمزية فقط واستغرب لأشخاص يبالغون في الركوع مع ان احدا لم يطلب منهم ذلك". ودعى أيضا الى تجديد الطقوس وعصرنتها وأشار الى ان احترام الملك لا يلزم التقيد بكل هذه الضوابط التي تعرفها حفلة الولاء.
وتأتي هذه التصريحات على عقب الجدل الذي افرزه احتفال المغرب هذه السنة بالذكرى الـ 13 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش. وتأتي احتفالات هذه السنة في ظرفية خاصة على رأسها الربيع العربي الذي أدى الى وصول المعارضة الاسلامية الممثلة في حزب العدالة والتنمية للحكم. وقد سبق لبعض قياديه من بينهم وزراء حاليين قد وقعوا بيانا تضمن مجموعة من مطالب الإصلاح تحت عنوان “التغيير الذي نريد” تم توجيهها إلى الملك في مارس 2011. وكان من بين المطالب ”إلغاء كافة المراسم والطقوس المخزنية التي اعتبروها مهينة وحاطة من الكرامة.
الطقوس
تأخد طقوس تقديم الولاء بعدا بروتوكوليا صارما يتجلى في حضور بعض اعضاء البرلمان والسلطة التنفيذية من وزراء وعمال ومنتخبين محليين ويفرض على الحضور لبس الجلباب الابيض المغربي التقليدي. و يرتدي الملك جلبابا أبيض و يمتطي صهوة حصان مع مظلة كبيرة يستظل بها يحملها احد الخدم. ثم تتقدم أفواج من المدعويين في صفوف متراصة لتأدية التحية للملك عبر انحناءات كبيرة ومتتالية تشبه الانحناء للركوع في الصلاة. ويطلق الحاجب صيحات عالية يدعوا فيها الله بنصر الملك ويعبر فيها عن رضى الملك على المبايعين.
البيعة
شبه احمد التوفيق وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية في محاضرة ألقاها أمام الملك في إطار "الدروس الرمضانية" التي يرأسها بيعة الملك ببيعة الرضوان وقال في تصريح لقناة فرنسا 24 ان البيعة هي الأساس في عيد العرش حيث تجدد البيعة كصيغة تعاقدية بين حاكم مسلم وبين امته.
أثار تشبيه هذه الطقوس ببيعة الرضوان جدلا كبيرا في المغرب. حيث اعربت جماعة العدل و الاحسان المعارضة انه لا يجوز توظيف النصوص الشرعية من أجل "تبرير طقوس مخزنية مغرقة في التخلف والإهانة للكرامة الآدمية". وصرح في وقت سابق الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الدكتور أحمد الريسوني ان التشبيه بين بيعة النبي وطقوس البيعة في المغرب لا أساس له واستغرب لتكرار هذه الطقوس. وأضاف عبد العزيز أفتاتي احد موقعي بيان الإصلاح إن الوزير حر في رأيه ولا يلزمه إلا هو.
الجدال
وقد انتقل الجدال الى وسائل التواصل الاجتماعي حيث ظهرت مؤخرا مجموعة على الفايسبوك تحت عنوان : "مجموعة الرافضين للتركيع في حفلات الولاء والبيعة". وجاء في تقديم المجموعة ان السلطة تهين المواطنين المغاربة بإصرارها الغريب على تلك الطقوس الماضية المغرقة في الاستبداد. وتضم الصفحة صحافيين ومدونين وناشطين جمعويين.
تراجع القصر؟
يبدو أن الضغط بدأ يعطي ثماره وان القصر يسير في اتجاه التخفيف من الطقوس رويدا رويدا. وقد لوحظ في حفل الاستقبال الذي نظم في القصر الملكي بالرباط بمناسبة الذكرى 13 لعيد العرش، أن معظم المغاربة الذين تقدموا للسلام على الملك اكتفوا بتقبيل كتفه بل وكان يسحب يده بسرعة من الذين هموا بتقبيلها. ولكن بدا في المقابل أن هذا الطقس ظل ساريا على العسكريين. ولم يدرج لحد الان حفل الولاء ضمن الأجندة الخاصة باحتفالات عيد العرش رغم أنه دائما طقسا مركزيا في هذه المناسبات منذ عهد حكم الحسن الثاني. وقد تضاربت تأويلات هذا الصمت بين الباحثين وعلى صفحات المواقع الاجتماعية بين رأي يذهب الى تعليق الحفل و رأي يذهب الى تأجيله مع التخفيف من الطقوس.
البيعة.. تجديد للعقد السياسي أم تراجع عن الدستور؟
والجدل حول البيعة وطقوسها في المغرب مفتوح على وجهتي نظر: رأي أول يعبر عنه ناشطو حركة 20 فبراير وعدد من الشخصيات السياسية داخل الأحزاب وخارجها دعا إلى أن يشمل مسار التحديث الذي تشهده البلاد تقاليد وطقوس البيعة في اتجاه تحديث العلاقة بين الملك والشعب. في المقابل تقوم وجهة النظر الثانية على اعتبار أن حفل البيعة والولاء وتفاصيله تحمل دلالات سياسية وحضارية عميقة لا يسع الدستور الجديد إلى إلغائها أو إعادة النظر فيها.
ويعكس "بيان الكرامة" الذي وقعه عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية والمدنية في المغرب وجهة النظر الأولى، حيث دعا أصحابه إلى "إصدار قرار رسمي، يضع حدا للطقوس المصاحبة للبيعة و"التي تتنافى مع قيم المواطنة وتلحق أضرارا جسيمة بسمعة البلاد".
وقال البيان "إن البروتوكول "المخزني" من انحناء وركوع وتقبيل لأيدي الملك وأفراد أسرته لا معنى له غير إهانة كرامة المغاربة بهذه الممارسات التي ترجع إلى عهود غابرة".
وأكد البيان على أن "التعاقد بين الشعب والدولة يأخذ في البلدان الديمقراطية شكل دستور ديمقراطي يزكيه الشعب عبر استفتاء حر ونزيه، بما يجعل منه عقدا يؤسس لشرعية النظام والدولة. وهي الطريقة الوحيدة لإثبات الروابط بين المواطن و الدولة، في إطار من احترام كرامة المواطنين والمواطنات، بعيدا عن طقوس الإذلال والطاعة التي تتضمنها المناسبة السنوية لهذه الطقوس ببلادنا".
أما وجهة النظر الثانية فقد تم التعبير عنها من داخل الأوساط الرسمية، أبرزها ما كتبه المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية خليل الهاشمي الإدريسي الذي اعتبر "أن سوء الفهم من قبل البعض لدستور أول يوليو 2011 أدى بهم إلى الاعتقاد بأن تعديلا يمكن أن يؤثر على عقد البيعة الذي يشكل في رمزيته وجوهره أساسا للملكية المغربية. إن الأمر هنا يتعلق بخطأ في التحليل يمكن أن يخفي وراءه. في بعض الأحيان. خلفيات. أو استراتيجيات سياسوية حتى وإن كانت تغني النقاش الديمقراطي. فإنها لا تعني مصلحة الأمة في شيء".
بدوره اعتبر أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة بن كيران أن البيعة وطقوسها "تجديد من لدن المغاربة للبيعة التي في عنقهم إزاء الملك باعتبارها عقدا سياسيا ودينيا شاملا"، مشيرا في تصريح للقناة الأولى المغربية في أعقاب حفل الولاء بالرباط إلى أن الأمر يتعلق ب "عقد سياسي واجتماعي وروحي وديني ورباني وسماوي متكامل" وأن "المغرب يعيش في نظام سياسي عصري لكنه مشمول بنظام ديني وروحي متكامل ورثناه عن أجدادنا، والذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم".
الإسلاميون.. البيعة أم الدستور؟
الإسلاميون المغاربة ليسوا تيارا سياسيا واحدا، على الرغم من اتفاقهم في كثير من أمور الدين والإيديولوجيا. فحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الائتلافية الحالية ينأى بنفسه عن الجدل الدائر حول البيعة والدستور والملكية، في مسعى منه لحفظ ود العلاقة مع عاهل البلاد وضمان استقرار الأغلبية الحكومية التي يقودها.
والحزب لا يخرج في نهجه هذا عن التقليد الذي مضى فيه منذ انطلاق الاحتجاجات الأولى لحركة 20 فبراير، حيث رفض الخروج في المظاهرات واختار أن "يصلح الدولة والمجتمع" باتفاق مع المؤسسات القائمة ودون إثارة أي مشاكل مع الملكية.
بيد أن قواعد الحزب لا تخلو من بعض الأصوات التي لا تتردد في التعبير عن مواقفها المنتقدة لما يحيط بالبيعة من طقوس منها القيادي في الحزب عبد العالي حامي الدين الذي يرى "أن المغرب دولة مؤسسات تمثل الديمقراطية والإرادة الحرة، وأن الوثيقة الدستورية في المغرب هي في الواقع البيعة، وأنها ليست فوق الدستور ولا تحته بل هي الدستور نفسه".
كما يمكن الإشارة إلى ما نقلته صحيفة "أخبار اليوم" المغربية من موقف أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، الذي انتقد تشبيه وزير الأوقاف للبيعة في المغرب ببيعة الرضوان..
أما جماعة العدل والإحسان التي تخوض حرب كر وفر دائمة مع السلطات المغربية، فلا تخفي انتقاداتها في كل فرصة سانحة للمؤسسة الملكية ولطقوس البيعة.
بيد أن انتقادات الإسلاميين المغاربة تكاد تصب جلها حول الطقوس المحيطة بالبيعة، مع احتجاج ينهل من المشروعية الدينية يمضي إلى المقارنة بين الانحناء للملك والركوع لله..
بين البيعة والدولة الحديثة
ويعتبر د.عز الدين العلام أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية أن الحديث اليوم عن البيعة والولاء والطقوس المرتبطة بها، كما درجت الدولة المغربية على ممارستها، طبيعي على اعتبار أنه بات من الصعب على الدول اليوم أن تظل دولا منكفئة على ذاتها أمام الانتشار الواسع لمفاهيم الحق والمواطنة.
ويرى العلام أن البيعة التي تعتبر مصطلحا إسلاميا قديما، ترتبط ارتباطا قويا بالولاء والخضوع الكامل، وهو ما يعكس الأساس الديني للمفهوم الذي يجعل طاعة السلطان من الواجبات الدينية.
والبيعة بمفهومها هذا تتناقض مع الدولة الحديثة والعقد الاجتماعي كما نظر لها رواد الفكر السياسي الحديث، وذلك لسبب بسيط هو أن الدولة الحديثة في تكوينها ومسارها وآلياتها دولة لا دينية، وهذا لا يعني أنها تعادي الدين بل تقوم على أساس الانتماء الوطني وليس الانتماء الديني، كما يفسر ذلك المفكر جون بودان.
كما أن البيعة، يضيف العلام، بأساسها الديني تتناقض مع مفهوم العقد أو التعاقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، وذلك لأن البيعة والولاء يلغيان أهم حق في التعاقد الاجتماعي كما فسره جون لوك وهو حق المقاومة إذا خرجت الدولة عن التعاقد الاجتماعي.
وانتقد أستاذ العلوم السياسية ما اعتبره نقصا يشوب التحليل السياسي في المغرب، هو غياب مقاربات الطقوس والرموز مقابل الحضور الكبير لتحليل المضمون والقوانين، وذلك بالنظر للأهمية التي تحملها الطقوس والرموز في السياسة المغرب.
وخلص العلام إلى أن الجدل الذي يعيشه المغرب اليوم حول البيعة وطقوسها يبطن مسألة هامة هي الانتقال إلى الدولة الحديثة ودولة المؤسسات في سياق انتقال سياسي قد يسمح بالقول إن هناك أشياء سادت بالأمس وبدأت في الاختفاء اليوم..