بعد اخفاق الاسلاميين .. الربيع يحل ضيفاً على الحكومات المُلتحية
زنقة 20
بقلم : عقل عبد الله
خلال كلمة له أمام جمع من المستثمرين في لندن يرسم رئيس جمعية لادارة الاعمال والمشروعات تدعمها الحكومة، وأحد قيادات «الاخوان المسلمين» في مصر، حسن مالك، ملامح الرؤية الاسلامية للازدهار الاقتصادي في مصر، ويقول انها ترتكز كلياً على الاستثمار المسؤول والاخلاقي. ويضيف ان هذه الرؤية لنموذج اسلامي للانتعاش الاقتصادي تتضمن التوازن الحقيقي بين مصلحة الفرد والمصلحة الوطنية الشاملة للبلد، وإعطاء أولوية للتنمية الاجتماعية، والتزام رجال الاعمال والتجار بميثاق أخلاقي ينطلق من شعار «رأسمالية مع اهتمام بالفقراء».
وتعيش مصر وتونس نهضة اقتصادية واجتماعية متعثرة، لأنها تعاني نقصاً كبيراً في التمويل والخبرة في صفوف وكوادر القادة الإسلاميين الذين يتولون زمام السلطة في البلدين.
وأطلق الاسلاميون في البلدين الوعود المتكررة للتغيير والازدهار الاقتصادي، بعد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية خلال الاضطرابات التي وقعت في العامين الماضيين. وعلى الرغم من هذه الوعود فإن الإسلاميين الذين لم يثبتوا قدرتهم على الوفاء بها، حيث إنهم بدأوا يكتشفون أن إدارة شؤون الحكم أمر أصعب بكثير من قتال الأنظمة الاستبدادية، لاسيما حينما يتعلق الأمر بالاقتصاد. كما بدأ يتجلى للكثيرين ايضاً أن النظريات التي تتحدث عما يمكن أن يقدمه الإسلام في المجال الاقتصادي محدود في الممارسة الفعلية إلى حد ما.
ويعاني الإسلاميون، الذين كافحوا من أجل تعزيز مكاسبهم السياسية والمنخرطون في صراعات السلطة، تراجع الثقة بهم، فالعديد من المظالم التي اشعلت الغضب الشعبي لاتزال قائمة، إن لم يكن ازدادت سوءاً، والفقراء ازدادوا فقراً، ومجتمع المال والأعمال تعصف به حالة من الإحباط.
كما أثار الاسلاميون في كثير من الحالات قلقاً متزايداً بشان هجرة المهنيين والمتعلمين وذوي المؤهلات العلمية بسبب مخاوفهم من أيديولوجية «الاخوان المسلمين» والحكومة، والتي ساعدت في انتشار ازمة الثقة والمخاوف الى قطاع السياحة، الذي يتطلب أجواء من الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والتحرر من كثير من القيود.
وعند الحديث عن المصاعب الاقتصادية التي تعانيها مصر، يلفت النظر تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وانخفاض الاحتياطيات الأجنبية لمستويات أقل من الحد الأدنى المطلوب للاستيراد لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية واستمرار أعمال العنف، ما يعيق ظهور استثمارات جديدة. ويعيش 25٪ من المصريين تحت خط الفقر مقارنة بـ20٪ في 2010. ومنذ توليه الحكم يصارع الرئيس المصري محمد مرسي، المنتخب ديمقراطياً، للحفاظ على قيمة العملة المصرية التي فقدت 8٪ مقابل الدولار الاميركي منذ ديسمبر الماضي. وأما بالنسبة للوضع في تونس، فهي تواجه مصاعب اقتصادية منذ بدء فترة التحول الديمقراطي عقب الاطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فالشباب العاطلون عن العمل الذين كانوا القوة المحركة للثورة مازالوا يشعرون بالاستياء من أوضاعهم، وان تغييراً لم يطرأ عليها ويصبون غضبهم على الحكومة.
ويُستشفّ مما يحدث من تخبط اقتصادي في البلدين أن هناك انعدام خبرة لدى الإسلاميين في البلدين. إن طرح التساؤلات مستمر بشأن ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية التي قضى قادتها سنوات عدة في السجن تمتلك الكوادر لإدارة المؤسسات الحكومية، وهذا يزيد من حالة الغموض التي تخيف المستثمرين. وفي كلا البلدين فشلت الحكومة في مواجهة التزايد في معدل البطالة في صفوف الشباب الغاضب ، إذ إن 25٪ من الشباب المصري بين 18-20 عاماً عاطلون عن العمل، بينما ارتفعت نسبة البطالة في تونس عما كانت عليه قبل اندلاع ثورة الياسمين في 2011، إذ بلغت 50٪ في صفوف الشباب الخريجين. ويحلو للإسلاميين في العالم العربي عادة الاستشهاد بتركيا نموذجاً يمكن الاقتداء به للازدهار الاقتصادي بفضل السياسات الناجحة لحكومة رجب طيب أردوغان، ذات التوجهات الاسلامية، لكن خبراء نبهوا الى ان مقارنة تركيا بالدول العربية قد ينطوي على تضليل. وفي المغرب حيث تتولى حكومة اسلامية الحكم بعد التعديلات الدستورية التي اوقفت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وحالت دون اندلاع ثورة، ما ساعد في وضع الاقتصاد المغربي على طريق النمو والاستقرار، على الرغم من تراجع الانتاج الزراعي بسبب موجة الجفاف الذي ضرب مناطق زراعية مغربية واسعة، بينما تابعت الحكومة اصلاحاتها الاقتصادية. ويقول طارق عثمان المحلل والخبير المصري في شؤون الاقتصاد السياسي: «عملت قطاعات متقدمة من الاسلام السياسي على تطوير تفكيرها، على مدى العقد الماضي، ليس في القضايا السياسية فحسب، بل في مسائل الاقتصاد السياسي كذلك، وهذا يعني استكشاف وجهات نظر وآراء بشأن مشكلات العجز المنتظم في الموازنة، والقدرات على المنافسة الوطنية، وخطط التنمية الكلية، لكن المشكلات باقية ومستمرة، فليست هناك شخصية او جهة عربية للاسلام السياسي لديها الخبرة الحقيقية، وتطبق خطط تنمية كلية لاقتصاد سياسي تتضمن اصلاحات هيكلية خلال مرحلة انتقالية».
ولو افترضنا ان حكومات في غاية الكفاءة تحكم مصر وتونس، فهذا لن يعفيها من التعرض للضغوط الكبيرة للتصدي لمطالب شعبية. لاسيما حينما يكون الشعب قادراً على استعراض عضلات قوته من خلال التظاهر في الميادين العامة، وتنفيذ الاضرابات. ويقول أحد المسؤولين في الحكومة المصرية إن الحكومة لقيت معاملة ظالمة وغير مقبولة من جانب قوى سياسية معارضة وتيارات شعبية، على الرغم من ايجادها عدداً لا بأس به من الوظائف وفرص العمل، حيث يرى الشعب ان شيئاً لم يتغير خلال عامين، ولم تتمكن الحكومة من كسب ثقة الناس واقناعهم بأن الافضل قادم.
ومما لا شك فيه ان نقص الاجماع السياسي وتأثيره السلبي في الاقتصاد سيكلف الاسلاميين حينما يتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع، لاسيما اذا ما اعدنا الى الاذهان ما قاله المصريون من أن قضية البطالة وتوفير فرص العمل هي أهم القضايا التي يتعين على الحكومة مواجهتها.
فما يريده الناس عادة من الثورات محاربة الفساد، وتطبيق المساواة وتكافؤ الفرص في الوظائف وفرص العمل، لكن الاستقطاب السياسي يحول دون تحقيق الاجماع الذي يسهم بشكل رئيس في دفع الاقتصاد نحو النمو.