إطفائيُو الحكومة و شعٌالين لعوافي. شكون هُما وما هي أدوارهم؟؟
"شي يكوي أوشي يبخ"، مثل مغربي يستعمل غالبا تجاه جسم واحد، يتفق من حيث الاستراتجية ويختلف إلى حد ما حول التدابير التفصيلية والتكتيكات للوصول إليها، وذلك بغية الحفاظ على قاعدة أوسع من الجمهور الداعم والمؤيد، رغم تصريف مواقف قد لا تروق شريحة واسعة منه، إذ تقسم الأدوار داخل الدولة أو الحكومة أو الحزب، وحتى العائلة، باتفاق مسبق يحاك لتصريف الأفعال والمواقف ونقيضها من داخل نفس الجسم، وهو خط سياسي عادة ما تنهجه الأحزاب السياسية المدبرة للسلطة داخل مختلف الأنظمة، لسحب البساط من تحت أرجل معارضيها، وبعث الاطمئنان في صفوف أتباعها، وإن تضاربت مواقف وتصريحات التنظيم السياسي مع ما يصرفه على أرض الواقع.
داخل الحكومة المغربية الحالية، المشكلة من أربعة أحزاب، ثلاثة منها تعبر عن اليمين وواحد من أسرة اليسار، لا مجال لإسقاط منطق "الكويان والبخان" على تناقضاتها وخرجات كل فريق داخلها. فحرب التصريحات منذ تعيين التشكيلة الوزارية الحالية لم تنطفئ، وتزداد حدتها يوم بعد يوم، خاصة مع وصول شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال، إذ ما فتئ منذ اعتلائه كرسي قيادة الميزان يهدد بالتعديل الحكومي، ويلوح بإمكانية نزوله عند أقرب محطة، لتستمر الحكومة المغربية بناقص واحد، أو لن تستمر.
وتصل حدة التجاذب بين "الحلفاء الأعداء" إلى حد المزايدة بالاستقرار العام والسير العادي لمؤسسات الدولة، وما يعمق جراح الائتلاف الحكومي الهوة العميقة بين بعض الوزراء وأحزابهم.
وأمام هذا الوضع الضبابي، يظهر بين الفينة والأخرى صنفان من الزعماء والسياسيين داخل الفريق الحكومي، الأول يشدد ويعمل جاهدا للإبقاء على الألفة بين الأحزاب الأربعة لأبعد مدى ممكن، والثاني يصنف ضمن خانة "شعالين العوافي"، بقصد أو بغير قصد، إذ تؤجج مبادراتهم الصراع وتدفع بالأوضاع للانفجار.
إطفائيو لهيب الخلافات
عند الحديث عن الخلافات داخل حكومة عبد الإله بنكيران، والصراع الحامي الوطيس بينه وبين أمين عام الاستقلال، حميد شباط، يظهر اسم بارز يحاول جاهدا الدخول بالخيط البيض بين الرجلين، ويساهم بتصريحاته، لدى وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة، ليقول إن ما يحصل لا يتجاوز سقف اختلافات بسيطة.
الرجل هو نبيل بنعبد الله، وزير الإسكان والتعمير وأمين عام التقدم والاشتراكية، والذي كشف في لقاء سابق لمكتب حزبه السياسي، منتصف الشهر الجاري، أنه التقى شباط، وحاول إقناعه بضرورة الجلوس إلى طاولة النقاش والتشاور مع مكونات الأغلبية في أقرب وقت، مبديا للأخير إيمانه بجدية ومشروعية الخوض في النقاط التي ضمنها حزب الاستقلال في مذكرته والتي رفعها إلى رئيس الحكومة، بل قال إنها تتضمن عدة أفكار واقتراحات يتقاسمها التقدم والاشتراكية مع حزب الاستقلال.
بنعبد الله "مكيقلق حد"، ففي لقاء عقد يوم 15 يناير من السنة الجارية بالرباط صرح أن "رئيس الحكومة فوق كل اعتبار"، وشدد خلال مساءلته في نفس اللقاء أن التنزيل الديمقراطي للدستور يعني كافة فرقاء الأغلبية والمعارضة، ولا يهم رئيس الحكومة وحده، وهو ما منحه "لقب الحليف الحقيقي" من طرف رئيسه في الحكومة عبد الإله بنكيران.
ويقال إن انخراط الرجل في لعب دور الإطفائي، وتمسكه الشديد بالحكومة، وغضه الطرف إلى أبعد حدود عن اتهامات شباط لرفيقه في وزارة الصحة، الحسين الوردي، على الهواء مباشرة، نابع من قناعته أن لا أحد سيمنح عدد المقاعد التي يتوفر عليها حاليا كحزب أغلبي، بالمقارنة مع حجم تمثيليته داخل البرلمان، وهو موقف سبق أن عبر عنه عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم الاستقلال.
اسم آخر يبرز عند الخلافات ليهدئ. فمنذ تقلده المسؤولية الوزارية، وقعت له حادثة سير واحدة لم تتكرر، دخل فيها في مواجهة مع مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، بعد أن أطلق هذا الأخير تصريحات من مراكش مست بسمعة السياحة المغربية.
هو الوزير الحركي لحسن حداد، الذي يربط دائما مطلب التعديل الحكومي بالإرادة الملكية، انطلاقا مما تمنحه فصول الدستور للملك محمد سادس من أحقية منفردة في تعديل التشكيلة الوزارية، يقول حداد في تصريحات صحفية سابقة.
ويناشد حداد، في كل مناسبة تطرح فيها مسألة الخلاف بين الاستقلال والعدالة والتنمية، كافة الأحزاب المشكلة للأغلبية انتظار نتائج الانتخابات الجماعية لتقييم تجربة التحالف الحالي، والتفكير في إجراء تغيير داخل الوزراء الممثلين لأحزابهم، وكذا طبيعة الميثاق الذي يجمع بين الأحزاب الأربعة حسب ما ستسفر عنه اختيارات المواطنين عند الاستحقاقات القريبة.
وفي المقابل، يعتبر لحسن حداد مطالب شباط عادية، ويضع النهج الذي يشتغل به الاستقلال حاليا تجاه الحكومة في خانة رؤية القيادة الجديدة للحزب، وتثبيت خط اختياراتها الداخلية. ولا يكف وزير السياحة عن التأكيد على تمسك شباط بالحكومة، لأنه لم يصدر يوما عنه أي رغبة في الانسحاب منها.
ويستحق عبد العزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، وأحد القياديين القريبين من قلب بنكيران، أن يكون أحد أفراد فريق الإطفائيين، إذ يتذكر الجميع كيف تحول القيادي الشاب إلى ناطق رسمي باسم مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية، والتي قال حينها إنها تشبه "فريق كرة القدم"، وكان يعطي بعد كل تنبؤ بالأسماء أو حديث عن الخلافات والصراع تطمينات وتكذيبا للأخبار الرائجة في الصحافة.
كل خطوات الرباح تظهر محسوبة بالميليمتر، وتكمل ما بدأه قبل الاستوزار، فمبادراته تتبرم الصراعات المباشرة، سواء داخل الأغلبية، أو عند تجاوبه مع أسئلة فرق المعارضة تحت قبة البرلمان، مهما بلغت درجة حرجها، وكل القريبين منه يتابعون كيف لا يفوت الفرصة عند لقائه بالصحفيين لمعاتبتهم، بل يعاتب بعضهم مباشرة على ترويج خلافات من نسج الخيال.
هذه بعض من الأسماء التي تمسك بالنواجذ على الائتلاف، وتوجه صباح مساء خرطوم إطفاء زاده التصريحات ومبادرات الوساطة لرأب الصدع كلما اتسعت رقعته، فما حال الفريق الآخر؟
"شعالين العوافي"
أمام فريق يحاول بجهد ضمان استمرار الحكومة، ينتصب فريق آخر يكبد فريق بنكيران خسائر معنوية، ويهز صورة الألفة التي تجمع الأحزاب الأربعة، بل منهم من وجّه له توبيخا متكررا من رئيس الحكومة شخصيا لاتخاذه قرارات منفردة كادت تعصف بالحكومة.
ويتربع على عرش "شعالين لعوافي" وزير التعليم العالي، لحسن الداودي، الذي اتخذ في زمن قياسي ثلاثة قرارات منفردة، إحداها كادت تدفع وزير الصحة للاستقالة، عندما تراجع عن قرار منع الأطباء الأساتذة عن العمل بالمصحات الخاصة، وهو الأمر الذي جر عليه عتابا شديد اللهجة من طرف رئيسه، عبد الإله بنكيران. والثانية كانت ستتسبب في إشعال الجامعات والمعاهد المغربية، بعدما كشف الداودي، بشكل منفرد، عن نيته إلغاء مجانية التعليم وولوج بعض الجامعات والمعاهد، مما اضطر معه الحكومة إلى إصدار توضيح في الموضوع ونفيها ما جاء على لسان الوزير، وأخرى تطاولت على اختصاصات رئيس الحكومة عندما قرر إلغاء المباريات الخاصة بعمداء جامعات ومدراء عدد من المدارس والمعاهد العليا، وهي المباريات التي تمت في عهد حكومة عباس الفاسي. وبرر الداودي قراره هذا بأن المباريات تمت في ظل الدستور القديم، حيث كانت التعيينات في مواقع المسؤولية بالمؤسسات الجامعية والمدارس والمعاهد العليا تعود إلى اختصاصات الملك، قبل أن تؤول إلى رئيس الحكومة بعد الدستور الجديد.
القرار المفاجأة كان سيجر على الحكومة ويلات لن تنتهي، وهو ما دفع بنكيران مرة أخرى إلى التدخل لتصحيح الوضع، مع تأكيده على أن قرار الداودي يخصه وحده، ولم يتصل به لأخذ رأيه.
"خروجي من الحكومة بيد الله وبيد الملك".. هذا الحديث يعني أن مغادرة المنصب الوزاري سيكون بخيارين لا ثالث لهما. الكلام هنا صدر عن وزير التربية الوطنية، محمد الوفا، السفير السابق في عدة دول وابن مدينة مراكش، الذي جرت عليه تصريحاته وفلتات لسانه العديد من الانتقادات، وحولته إلى مادة دسمة للتنكيت وإعادة ترديد مقولته الشهيرة عند كل مناسبة (والله باباه أوباما ما عندو بحال هاذ المدرسة).
الوفا يعد اليوم الحلقة الأضعف في الحكومة، فرغم انطلاقته القوية وقرارته التي تحجبها "تنكيتاته" المستمرة، يدخل هو الآخر في فريق إشعال لهيب الخلافات داخل الأغلبية، بل غدا اليوم أبرز المرشحين لترك حقيبة التعليم لغيره، وهو ما يفسر تقربه مؤخرا أكثر فأكثر من رئيس الحكومة، كي يصد عنه ولو قليلا مكينة حصد شباط داخل الاستقلال لكل من يخالف توجهه الجديد داخل حزب الميزان. ويؤثر الوفا بخطواته هذه على إمكانية التقارب بين الأمينين العامين المتناطحين في الساحة الإعلامية، إذ يرى قياديون في الاستقلال تقرب الوفا من بنكيران إساءة للمؤسسة الحزبية، وانفصالا عن اختياراتها وشكل مشاركتها في الحكومة الذي حددته بالتفصيل المذكرة المطلبية للاستقلال.
وجوه من خارج الحكومة
ليس وحدهم الوزراء من يستحقون "شرف" الانتماء لأحد الفريقين، فخارج الائتلاف الحكومي تتحرك أسماء منها من تشعل لهيب الشقاق بين أحزاب الأغلبية، وهي الغالبة، وأخرى تحاول إطفاءه.
وعند ذكر هؤلاء وجب الحديث عن حميد شباط، الذي تحول إلى شبح يجر كل يوم الحكومة إلى مقصلة النهاية، وإلى جانبه صقور العدالة والتنمية، بينهم عبد الله بوانو، الذي لا يفوت فرصة لمهاجمة الداخلية وانتقاد وزيرها، وكذا عبد العزيز أفتاتي، صاحب التصريحات النارية تجاه الجميع ابتداء من الفن مرورا بأحوال السياسة ووصولا إلى طائرات الركاب، ونزهة الصقلي، المترصدة لخليفتها بسيمة الحقاوي عند كل قرار ومبادرة.
وفي الأخير لرئيس الحكومة نصيبه من التموقع داخل مصاف الإطفائيين أو "شعالين العوافي"، ويبدو أن حديثه كل مرة في الجلسات الشهرية التي يجيب خلالها عن أسئلة البرلمانيين، وبتجاهله لمذكرة الاستقلال، سيزكي إلى حدود اليوم التحاقه بالفريق الثاني .
عَن مجلَة "مغرب اليَوم".