زنقة 20 . إيلاف

عاد موضوع السلفية الجهادية في المغرب، بعد إصدار وثيقة سياسية من قبل قيادات سلفية في السجون تقبل فيها بالدولة المدنية والحريات الفردية كاختيار سياسي، وهو ما اعتبر مراجعة لافتة من هذا التيار، وإن كانت تحتاج اثباتًا.


اعتبر مراقبون في المغرب صدور الوثيقة، التي أطلق عليها "الميثاق السياسي للجنة الوطنية للمصالحة والمراجعة"، محاولة من السلفيين لطمأنة الدولة.

ويجمع باحثون في الحركات الإسلامية حول حق السلفيين في ممارسة العمل السياسي المدني، إلا أنهم يختلفون في مدى مصداقية مراجعاتهم الفكرية التي أوصلتهم إلى حد تبني الدولة المدنية والحريات الفردية التي اعتبرت جوهر الخلاف مع التيارات الإسلامية.

أية مراجعات؟

يرى الباحث في قضايا الإسلام السياسي سامر أبو القاسم أن المراجعات الفكرية للسلفيين ليست وليدة اليوم، خصوصًا في ما يتعلق بإقرارهم بالدولة المدنية والحريات الفردية.

وقال الباحث لـ"إيلاف": "لقد سمعنا مرارًا بأن هؤلاء قد قاموا بمراجعات فكرية، إلا أننا لا نعرف مضامين ومستويات تلك المراجعات الفكرية التي يمكن أن نقف عندها وبالدقة المطلوبة؟ وأين وقعت المراجعات أساسًا؟ وأين كان الخلل؟

يضيف: "كباحث، لا يمكنني إلا أن أفرح، على اعتبار أن هؤلاء سيصبحون فاعلين ومكونًا أساسيًا من مكونات الحقل السياسي أو الحقل الديني الدعوي."

وأوضح أبو القاسم: "ليس من المفروض فينا أن نفش ما في صدور هؤلاء لكي نطلع ونعرف ما تختزنه، كما أنه لا يمكننا أن نفتح أدمغتهم كي نعرف هل هذا وقع  فعلاً أم لا؟ هي مهمة ليست موكولة إلينا، لكن المشكل ليس هنا."

واعتبر أن المشكل يكمن أساسًا في ما يتردّد عن وجود مراجعات، وأن ثمة موقفًا أو فكرة أو رأيًا معينًا لدى السلفية الجهادية، إذ لا يكاد يمر وقت قصير، حتى نلاحظ الأشخاص الذين كانوا متورطين في أحداث الدار البيضاء الإرهابية لـ 16 آيار/مايو في العام 2003، وكانت إدانتهم على اعتبارهم متورطين فيها، سرعان ما نفاجأ بأنهم مقبلون على عمليات أخرى كذلك، ومتورطون في شبكات أخرى، ويتجهون إلى دول أخرى بنفس المواقف والآراء".

يتابع: "هذه الممارسات لم تعد تعبر عن موقف أو عن اتجاه أو ميل نحو التطرف أو الغلو، بل الأكثر من ذلك، إن الأمر أصبح يتعلق بسلوك وممارسة هي على الطرف النقيض من أية مراجعة كانت."

مراجعات أم تقية؟

يتساءل سامر أبو القاسم إن كانت مراجعات السلفيين "تدخل في إطار مبدأ التقية"، ويرى أنّ انخراط السلفيين في العمليات الجهادية داخل جماعات وشبكات يتم الكشف عنها بين الفينة والأخرى، أو انخراطهم في أعمال خارج المغرب في دول أخرى يبين عدم وجود مراجعات حقيقية.

قال: "ينبغي أن يؤخذ أمر هذه المراجعات بحذر شديد جدًا، وهنا تبدأ تساورنا الشكوك، فهي تبدو أقرب إلى مبدأ التقية أكثر من كونها مراجعات فكرية ودينية وثقافية".

 ورأى أن أيًا من الفاعلين في المغرب، سواء كانوا سياسيين أو فاعلين دينيين في المجال الدعوي، لا يلغي حق هؤلاء في الوجود.
 
وأوضح": "كان يتم الدفاع عن حقهم في الوجود وفي التعبير، ولكن ينبغي أن نأخذ الأمر بنوع من الحيطة والحذر الشديدين لأن الأمر يتعلق بدولة، إذ إننا لا نناقش هنا أمرًا يتعلق بفرد أو شخصين، وإنما مسألة تتعلق بأمن واستقرار شعب ودولة، لأن ما وقع في الأحداث الإرهابية لـ16 آيار/مايو 2003، أو أحداث إرهابية أخرى، هو زعزعة لكيان المجتمع المغربي بكامله، بكل مكوناته، إن النزوع نحو التطرف والغلو يهدد المجتمع بكامله."

ويرى أبو القاسم إن أردنا البحث عن كيفية التعامل مع هؤلاء، يتم عبر تحصين الحق في الامن والاستقرار وبعدم الاستهانة بهذه المصلحة العالية التي يستفيد منها المغربيون جميعهم.

ويرى الباحث أنه لو كانت هناك مراجعة فكرية اليوم، وجب فهم مضمون الدولة المدنية، "لأن هذا شعار كبير نوعًا ما".

ويتساءل: هل أن هذه الجماعات حاليًا هي مجرد شبكات مرتبطة بعمليات ذات طبيعة إجرامية مثلما وقع في السابق، أم أنها جماعات تعبر عن فكرة ومشروع؟ وهل هي تؤمن بالاشتغال عبر الآليات الديمقراطية التي يشتغل عليها الفاعلون السياسيون في المغرب؟ هل حدث تغيير في موقف هذه الجماعات من المؤسسات (الملكية، الحكومة، البرلمان.. )؟

وأوضح قائلاً: "إن القانون ومصادره وكيفية التعاطي معه ومع مستجدات العصر ومع الانفتاح على المنظومة الكونية سواء الحقوقية أو القانونية وغيرها، كلها قضايا تحتاج من هؤلاء مواقف واضحة، وإلا فإن كل ما تم الإعلان عنه سيبقى فقط شعارًا فارغاً من أي محتوى".

ويؤكد على ضرورة أن يبين السلفيون عن مواقف "واضحة وتفصيلية والتي تعبر فعلاً على أنهم أصبحوا فعلا يؤمنون بمنطق الدولة المدنية."

سلفيون يرفضون الوثيقة

من جهة أخرى، يرى الباحث في العلوم السياسية والمهتم بحركات الإسلام السياسي محمد ضريف أن مراجعات السلفيين اليوم ليست سابقة.

وقال لـ"إيلاف": "بين الفينة والأخرى كانت تصدر بعض البيانات وبعض المواقف التي يعبر عنها شيوخ السلفية المعتقلون أو سلفيون آخرون لا يتصدرون المشيخة، من خلالها كانت هنالك تعبيرات وإشارات إلى تغيير مواقفهم."

في هذا السياق، أشار الباحث إلى رسالة أحد شيوخ السلفية الجهادية وهو أبي حفص المعنونة بـ"أنصفونا"، والتي يمكن اعتبارها نوعًا من التعبير عن المواقف الرافضة للعنف، وأيضاً رسالة الفيزازي التي كان قد وجهها إلى الشباب الإسلامي في مدينة هامبورغ في ألمانيا.

 يتابع ضريف: "علينا أن نذكر أن هؤلاء السلفيين، حتى أثناء محاكمتهم كانوا يصرون على أنهم ضد العنف وليسوا مناهضين لثوابت الدولة ولا ضد النظام الملكي."
 
وأشار إلى ضرورة استحضار التطورات والمتعلقة ببداية إحداث نوع من الانفراج في علاقة شيوخ السلفية مع السلطة "ولو أنه ظل جزئيًا" بدءًا بتمتيع بعض شيوخ السلفية الجهادية بالعفو الملكي.

وفي 14 نيسان/أبريل من العام 2011 استفاد من العفو الملكي شيوخ السلفية محمد الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي قبل أن يصدر عفو آخر بمناسبة المولد النبوي في كانون الثاني/يناير 2012 استفاد منه ثلاثة من شيوخ السلفية الجهادية هم أبو حفص وحسن الكتاني وعمر الحدوشي.

انفراج في العلاقة مع الحُكم

وأضاف الباحث: "كانت الأفكار تتطور داخل السجن في اتجاه أن المغرب قد يعرف انفراجًا في العلاقة بين السلفيين المعتقلين والسلطات، وكان هناك حديث عن إمكانية إصدار عفو شامل بمناسبة يوم 11 كانون الثاني/يناير الأخير لكن لا شيء من ذلك تحقق، وكان السلفيون من داخل السجون قد طالبوا بالتعبير وتوضيح مواقفهم."

وأشار إلى الوثيقة الأخيرة التي يعبر فيها بعض السلفيين عن قبولهم بالدولة المدنية والحريات الفردية، موضحًا "أن هذه الوثيقة التي أعدها هؤلاء السلفيون المعتقلون وهم حوالي 300 معتقل بالخصوص بلعيرج وحسن الخطاب، تواجه بنوع من الرفض من قبل سلفيين آخرين مازالوا أيضًا معتقلين."

وأوضح: "البيانات التي أصدرها بعض السلفيين من خارج السجن، ممن كان معتقلاً وأكمل مدة محكوميته، وهؤلاء السلفيون شكلوا جماعة أو تنظيمًا إسمه الحركة السلفية المغربية من أجل الإصلاح في آذار/مارس 2011، وكان من بين البيانات الأولى التي أصدروها في آذار/مارس 2011 بلاغ، يتبنون فيه ضرورة الدفاع عن الحريات العامة والفردية بما فيها حرية الاعتقاد وكان هذا موقفًا لافتًا، لأن الكل كان يعتبر أن السلفيين غير متساهلين ومختلفين عنهم في مجال العقيدة."

ويخلص ضريف إلى القول: "ينبغي أن نضع هذه الوثيقة في سياقها، وهي المراجعات والرغبة في الانخراط في مسلسل المصالحة بين السلطات والسلفيين، خاصة وأن هناك من يعتقد بأن فترة التأزم التي طبعت هذه العلاقة بين السلطة والسلفيين أصبحت متجاوزة وأن السلفيين في مجموعة من الدول العربية يشكلون الآن أحزابًا، وهم مؤسسات تشريعية كحالة مصر مثلاً."

اشكال ثقة

في ما يتعلق بالتخوفات من السلفيين التي يبديها البعض ووجوب التعامل الحذر معهم خاصة مع وجود سلفيين عاودوا الانخراط في الجماعات الإرهابية مباشرة بعد خروجهم من السجون، قال ضريف: "لماذا نترك القاعدة ونركز على الاستثناء؟ لدينا عدد كبير من الذين استفادوا من العفو الملكي أو الذين أكملوا محكومياتهم وغادروا السجون، من سجلت في حقهم حالات العودة هم قلة، وبالتالي إذا كنا سنتعامل مع القضية بشكل موضوعي ينبغي الرجوع إلى سلوك الأكثرية التي انخرطت في المجتمع ولا تطرح إشكالات، لا أن نركز على حالات محدودة لنقول إنّ كل السلفيين متهمون لا يمكن أن نثق فيهم."

وأكد أن الذين يدافعون عن الديمقراطية ينبغي أن يدافعوا عن حرية وحق الآخرين في اعتناق أو تبني الأفكار التي يؤمنون بها.

وقال: "هناك جهات تريد أن تجرد السلفيين من هوياتهم، بمعنى أنه لا ثقة في السلفي وعليه أن يتخلى عن أفكاره، وربما عليه أن يغيّر شكله كاملاً وحتى طريقة لباسه وأن يتخلى عن لحيته."

أضاف: "بوضوح، هناك دائمًا اتفاق على الشعارات في ما يتعلق بالدولة المدنيّة، ولكن عندما نمر إلى مرحلة الدخول في التفاصيل تحدث الأزمة، فالشيطان يكمن في التفاصيل."

واستشهد في هذا السياق بما جاء في حوار للملك محمد السادس في العام 2005 خص به صحيفة "إيل باييس" الإسبانية، صرح فيه أن المغرب لن يكون أبدًا دولة علمانية.