زنقة 20

الحريزي.. كذبة أوفقير للتغطية على مؤامرة لا يُعرف عنها الكثير أدى محمد الحريزي ثمن نزاهته وصدقه غاليا، لقد تمت تصفيته بكل برودة بعد أن اختطف من فاس ثم من طنجة بعد مرور أقل من سنة على اعتلاء الملك الحسن الثاني عرش البلاد. جريمته أنه رفض خيانة وغدر بنبركة، أستاذ الراحل الحسن الثاني، فكان مصيره التصفية الجسدية من طرف رجال الدليمي، تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير سنة 1962. واقعة اختفاء ميشيل الحريزي وعائلته، ودواعي تصفيته في ظروف غامضة ما زالت تنتظر الشجاعة للكشف عن تفاصيلها. فمن هو الحريزي، ولماذا اغتيل؟

اسمه، لقبه ومشواره
ميشيل الحريزي. قد يكون هذا الاسم غريبا، لكن حامله أحد المغاربة المسلمين ورفاق درب المهدي بنبركة مع فجر الاستقلال. ارتبط اسم "ميشيل" بالحريزي في مساره التعليمي وتفوقه على أقرانه، في وقت لم يكن يحظى بالتعليم إلا قلة من المغاربة، سيما التعليم الجامعي العالي. وظل لقب الحريزي شاهدا على ارتباط حامله بأرضه وإيمانه بواجب خدمة وطنه.
اسمه محمد بن الجيلالي الحريزي، وقد أطلق عليه الفرنسيون اسم "ميشيل" لأنه كان من أوائل أبناء سيدي قاسم الذين حظوا بقسط وافر من التعليم في مغرب كانت تسود فيه الأمية، وذلك لتمييزه عن "الأهالي".
تكلفت به الحركة الوطنية بعد فقدان والديه، وأشرفت على تعليمه، وارتبط بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وظل قريبا من المهدي بنبركة وأحد رفاق دربه رغم تعيينه بوزارة الداخلية في بداية مشواره، وفور عودته إلى الوطن التحق بصفوف المقاومة.  
ظل محسوبا على المقاومة وتألق بين أقرانه، إذ كان من القلائل آنذاك الذين حصلوا على الإجازة في القانون بالديار الفرنسية. وكان الحريزي من المثقفين المنضوين تحت لواء الحركة التقدمية، إلا أنه سرعان ما تم إدماجه في آليات الإدارة آنذاك، وكلفه أوفقير بجملة من المهام المطبوعة بالشبهات في نظر الكثيرين وقتئذ.
حسب المقاوم عبد الجليل البوصيري، قامت الحركة الوطنية بالتكفل بالطفل اليتيم، وسهّل له ثلة من الوطنيين بمدينتي سيدي قاسم والقنيطرة سبل تعليمه إلى أن حصل على الإجازة في العلوم السياسية بالديار الفرنسية، وكان من المغاربة القلائل جدا الحاصلين على مثل هذه الشهادة وقتها.
تزوج محمد الحريزي من مواطنة سويسرية تدعى "إيريكا"، أنجبت له بنتا كان عمرها لا يتجاوز ثلاث سنوات لحظة اختطافه.

الظرف العام للجريمة
بين 1956 و1960 ظل الوضع غير مستقر بالمغرب، ولم تستطع الحركات السياسية، التي ناضلت من أجل الاستقلال، ولا السلطات، التحكم فيه. وفي نهاية 1959 كان المغرب يجتاز مرحلة غليان ومواجهة حادة بين الملكية وحركة المقاومة.
تعرض محمد الحويزي إلى اختطافين اثنين، الأول بمفرده، والثاني بمعية زوجته السويسرية "إريكا"، وطفلتهما التي لم يكن عمرها تجاوز بعد الربيع الثالث.
كان ضحية اختفاء قسري أول مرة يوم 17 دجنبر 1959 بالعاصمة العلمية للمملكة، مدينة فاس. قبل يومين من اختطافه، كان كل من عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري (الفقيه) قد تعرضا للاعتقال. آنذاك كان الجهاز الأمني الذي يقع تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير يرغب في منع المهدي بنبركة من إلقاء محاضرة تعبوية مقرّرة بجامعة القرويين لفائدة طلبتها، وبحضور تلاميذ ثانوية مولاي إدريس بفاس.
وعلى خلفية هذه الأحداث، وبعدما عانق عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري من جديد الحرية بعد محنة الاعتقال، فإن الحريزي سيلقى حتفه من وراء حجاب ودون علم أحد.
لقد فكّر الجنرال محمد أوفقير وتوابعه في مخطط استدراج محمد الحريزي إلى خيانة رفيقه المهدي بنبركة، واستخدام اعترافه وشهادته المفبركة قصد التخلص منه بطريقة تبدو "قانونية" وفي واضحة النهار.
لقد كان بنبركة ألد أعداء الجنرال محمد أوفقير. وفي نهاية خمسينات القرن الماضي، ولأن محمد الحريزي كان مقربا من بنبركة ويرافقه باستمرار، أراد أوفقير الوصول إلى عدوه للنيل منه عبر رفيقه وبواسطته.
بعد اختطاف الحريزي من مدينة فاس، تمّ اقتياده إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط، ورغم تعذيبه الوحشي لم يخضع لرغبة الجنرال وتوابعه. بعد ذلك تكلف أحمد الدليمي بهذا الملف، علما أنه يعرف جيدا محمد الحريزي، المنحدر هو كذلك من مدينة سيدي قاسم حيث قضى طفولته. آنذاك كان الدليمي في بداية طور صقل خبراته كعميل للجهاز المخابراتي.
بعد اختطافه من فاس، اقتيد الحريزي إلى معسكر مولاي إسماعيل بالرباط، وهناك حاول أوفقير أن يفرض عليه الخضوع لرغبته الرامية إلى اتهام المهدي بنبركة بإعداد انقلاب ضد الملكية، وذلك باستعماله كشاهد إثبات للإقرار بالتهمة الخطيرة للتخلص من العدو الأول، لكن رفيق بنبركة رفض الانصياع، فكان لزاما عليه أن يواجه رجال الجنرال، وعلى رأسهم أحمد الدليمي، حديث الالتحاق بالمخابرات وقتئذ.
أما الاختطاف الثاني فقد تمّ بمدينة طنجة رفقة الزوجة والابنة.
بعد الاختطاف، تحركت الزوجة "إيريكا" وقدمت والدتها بالديار السويسرية شكاية ضد الجنرال أوفقير، ولتهدئة الأجواء طلب هذا الأخير من الدليمي "فبركة" سيناريو هروب محمد الحريزي ومغادرته المغرب بمعية زوجته وابنته، بعد سنتين من الاعتقال التعسفي دون وجه حق.
كان مصيره سيظل مجهولا منذ اختطافه الأول لو لم تكن زوجته السويسرية أقامت الدنيا ولم تقعدها للكشف عن مصير زوجها، إذ ضغطت سفارة سويسرا، فكان لزاما البحث عن مخرج لوضع حد للانتقادات الدبلوماسية، فكان أن اقترب الضابط العلام، أحد أبناء سيدي قاسم، من الحريزي، وهو في زنزانته في غضون سنته الثانية، ووعده بمساعدته على الفرار وتمكينه من الوثائق اللازمة لمغادرة المغرب. وكان العلام هذا تربطه علاقة قرابة بأحمد الدليمي.
في شتاء 1960، اقتيدت عائلة الحريزي إلى فيلا بحي السويسي بعد تهريبه من المعتقل، وهناك استقبلهم الدليمي وهو يبتسم، متظاهرا بأن أوفقير هو الذي كان وراء الاختطاف، وسمح لمحمد الحريزي بالاتصال بأصدقائه المقربين، وذاع خبره في الأوساط السياسية.
وبعد أيام تسلم جوازات سفر مزورة، ثم اقتيد رفقة عائلته إلى مدينة طنجة لمغادرة المغرب. وهناك قام الزوجان بالاتصال هاتفيا بذويهم بكل حرية، كما تمكنا من مكالمة أصدقائهما بالخارج لإخبارهم بأن العائلة على أهبة الاستعداد لمغادرة المغرب.. آنذاك اعتقد الكثيرون أن عائلة الحريزي غادرت فعلا المغرب.
لما انكشف أمر الاختطاف، طلب الجنرال أوفقير من تلميذه الدليمي التخطيط لفبركة هروب الحريزي وعائلته من التراب المغربي. وضمن هذا المخطط، تقرب أحد معارف الدليمي من الحريزي وشرع في محاولة إقناعه بقبول اقتراح الجنرال ليضع حدا لمحنته، وبعد إصراره على الرفض غيّر مبعوث الدليمي لهجته وأوهمه بمساعدته على الهروب.
وبعد سنتين من الاعتقال التعسفي قضاها بين "دار المقري" وثكنة مولاي إسماعيل، أطلق سراحه وأودعوه بإحدى الفيلات قبل اقتياده إلى مدينة طنجة. وهذا جزء من الخطة القاضية بالترويج للجوء الحريزي وعائلته إلى خارج المملكة بعد هروبه من المعتقل. وعندما حلّ هذا الأخير بمدينة طنجة قام "الكوميسير" الطيب باعتقاله وسلّمه إلى عناصر "الكاب 1" كما كان متفقا عليه.
كما تحركت والدة "إيريكا"، زوجة محمد الحريزي، بقوّة بالديار السويسرية، بعد أن فقدت آثار أسرة ابنتها، وعملت المصالح الأمنية السويسرية على إصدار أمر بحث، إلا أن مسار البحث والتقصي توقف بسرعة البرق، لأن السلطات المغربية ظلت تنفي تعرض الحريزي وعائلته للاختطاف والاعتقال.
وفي 18 أكتوبر 1976، أصدرت جريدة 'لا تروبين دو جينيف" مقالا جاء فيه أن نائب أحمد الدليمي، القائم على الأمن الوطني وقتئذ، رشيد السكيرج، كشف عن معطيات جديدة في قضية اختفاء محمد الحريزي وعائلته، علما أن "الكوميسير" السكيرج سبق له وأن كان كذلك نائبا للجنرال محمد أوفقير.
لقد أقرّ السكيرج أن محمد الحريزي تعرض للاختطاف والتعذيب الوحشي قصد إرغامه على الاتفاق على الاعتراف بالإعداد لمؤامرة ضد ولي العهد، الأمير مولاي الحسن ( الملك الحسن الثاني)، وهذا بهدف توريط المهدي بنبركة الذي أضحى مزعجا في عيون الأجهزة الأمنية والمخابراتية تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير وقتئذ.

المحنة الأكبر والجريمة الأفظع
توهمت عائلة الحريزي أنها على وشك النجاة من الجحيم، إلا أن رجال الكوميسير الطيب، نائب الدليمي، سيقومون باعتقال عائلة الحريزي وتسليمها لعناصر "الكاب 1". وبعد أيام تحركت والدة "إيريكا" من جديد، فتم إصدار مذكرة بحث دولية من طرف الشرطة السويسرية، والتي ظلت بدون مفعول مادامت السلطات المغربية قد تنكرت لاختفاء الحريزي وعائلته على ترابها الوطني، وادعت أنه غادر المغرب بمعية زوجته وابنته.
اقتيدت العائلة إلى فيلا بحي السويسي (رقم 9) بزنقة مولاي إدريس، وهناك تمت تصفيتها بكل برودة سنة 1962، ثلاث سنوات قبل اختطاف المهدي بنبركة من مقهى "ليز". كما قيل إن الرفات دفنت بأرض المعتقل السري سيء السمعة "دار المقري" (النقطة الثابتة رقم  3 في عرف رجال "الكاب 1").

السكيرج يكشف المستور
رشيد سكيرج، رئيس مصلحة الاستعلامات العامة تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير، من الأشخاص القلائل جدا الذين سلطوا بعض الضوء على قصة محمد الحريزي، إذ صرح لمجلة "نوفيل أوبسرفاتور"، في منتصف أكتوبر 1966، أن "الحريزي وأسرته أعيدوا إلى الرباط بعد فبركة سيناريو الهروب"، وأضاف: "تكلف الدليمي بتصفية العائلة، حيث قدم محمد للأسود لافتراسه، في حين قتل الزوجة "إيريكا" وطفلتها".
لقد ظل رشيد سكيرج على علاقة بالحركة الوطنية، والتحق بصفوف الأمن بأمر من المهدي بنبركة منذ الأيام الأولى للاستقلال، وكلفه بمراقبة ما يجري في الأوساط الأمنية.
برزت قضية محمد الحريزي من جديد بعد أن نشرت جريدة "لاتريبون دوجنيف" في 18 أكتوبر 1976 مقالا جاء فيه "أن سكيرج، نائب مدير الأمن المغربي ( وهو الدليمي وقتئذ) أدلى بتصريحات خطيرة عن قضية اختطاف عائلة الحريزي، مفادها أن هذا الأخير اختطف وتعرض للتعذيب لاستدراجه للاعتراف بالإعداد لانقلاب يقوده المهدي بنبركة ضد الملكية".

التخلص من جيش التحرير
أقرّ المقاوم محمد بن حمو، في شرحه لتفاصيل حل جيش التحرير، أنه عندما  اجمتع قادة هذا الجيش مع ولي العهد، في منزل أحرضان، كان عدد أفراد جيش التحرير لا يتجاوز 3000 فرد، غير أنه عندما تم تشكيله في الصحراء وصل عدد جنوده إلى 12 ألف فرد، مع احتساب جيش التحرير بالمغرب الشرقي الذي كان يضم 4000 جندي تقريبا.
وكان هذا الجيش، الذي يقوده محمد الفكيكي بوراس، يساند بقوة وحماس كبيرين الثورة الجزائرية. أما جيش التحرير في الجنوب فكان يقوده محمد بن حمو المسفيوي، وكانت قيادته على المستوى السياسي تتكون من  محمد بنسعيد أيت يدر وعمر المسفيوي، وكاتب القيادة العليا هو محمد باهي.
انعقد الاجتماع في بيت المحجوبي أحرضان، لأنه كان حينها عاملا على الرباط، كما كان على علاقة وثيقة بقادة جيش التحرير، بحكم أن غالبيتهم كانت تنحدر من منطقة زمور الخاضعة لتراب نفوذه كعامل. ووقع الاجتماع في بيته بحضور ولي العهد وإدريس المحمدي، وزير الداخلية.
آنذاك كان الملك الراحل محمد الخامس يقول باستمرار: "إنني لا أريد مشاكل مع جيش التحرير"، لكن كان هناك مخطط يحاك في السر ضد جيش التحرير وأعضائه، إلى أن تم حله ببويزكارن يوم 3 مارس 1959.
 آنذاك قرّر المقاوم محمد بن حمو، رفقة بعض قادة جيش التحرير ( 180 متمردا تقريبا) الصعود إلى جبال الأطلس للتعبير عن رغبتهم في استكمال تحرير الصحراء ورفض تسليم السلاح قبل بلوغ هذا الهدف. قاموا بهذه الخطوة لإثارة الرأي العام الوطني والدولي، وإثارة انتباه الملك الراحل محمد الخامس إلى المؤامرة التي كانت تحاك ضد استمرار جيش التحرير بالجنوب. كما اتخذ هذا القرار للتعبير عن التضامن مع المقاومين الذين ألقي عليهم القبض، ومنهم الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وسعيد بونعيلات ومحمد منصور والبوعزاوي بن الرداد وبوشعيب الناصري والهاشمي المتوكل وآخرون، وأيضا احتجاجا على ما كان يتعرض له المقاومون من تصفيات.
ويذهب المقاوم محمد بن حمو إلى القول إن تصفية المقاومين وأعضاء جيش التحرير ورموزهما المقاومة، كانت وفق مخطط محبوك وضع ملامحه "أندري لوي دي بوا" الذي كان واليا للأمن في باريس، وقد وضع هذا المسؤول الفرنسي مخططا لتصفية جيش التحرير وتصفية المقاومين، خاصة وأن الظروف السياسية بالبلاد، كانت تغلي آنذاك، إذ وقع الانشقاق داخل حزب الاستقلال بقيادة بنبركة والفقيه البصري وتكوين الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال. لقد كان هناك مخطط مدروس مفاده أن أي شخص يتبنى ويحمل أفكارا ثورية يجب أن يزاح من الطريق.

المخطط الدنيء
إن الفكرة الرئيسية تنبني على فبركة متابعة ضد عناصر من المعارضة، مقاومين وأعضاء جيش التحرير، بدعوى تخطيطهم لاغتيال ولي العهد آنذاك مولاي الحسن.
ومن مشاهد هذا السيناريو ما نشرته صحيفة "لي فار" (Les PHARES) من أن أحد أعضاء المقاومة المعروفين اتجه إلى مصالح الدرك الملكي للتبليغ وكشف خيوط مؤامرة في طور الإعداد ضد شخص ولي العهد ومحاولة اغتياله، هذا دون أن يفوته تحديد تاريخ ومكان تنفيذ المؤامرة. والغريب في الأمر أنه لم يتم الكشف عن هوية واسم المقاوم الذي كشف المستور في أي مرحلة من التحقيق أو المحاكمة.
في هذه الفترة ( 29 فبراير 1960) أعلن محمد بلعربي العلوي عن استقالته من مجلس الوصاية (مجلس العرش). وتزامنت هذه الاستقالة مع الإعلان الرسمي عن حلّ جيش التحرير، وكان بلعربي العلوي قد صرّح في لقاء مع صحيفة "الرأي العام"، في 10 مارس من نفس السنة، بتنديده بالمؤامرة المفبركة ضد المقاومين، معلنا أنه كان من الأولى تصفية المصالح الاستعمارية ببلادنا.
لقد كان اعتقال محمد البصري وعبد الرحمان اليوسفي الخطوة الأولى على درب المخطط. لقد بدأت انطلاقة المخطط السريعة باختطاف محمد الحريزي، وتلا ذلك نازلة اختطاف واعتقال عناصر من جيش التحرير ناشطين بالصحراء (الساقية الحمراء ووادي الذهب) وبمنطقة تافيلالت. وقد تم استغلال أجواء وظروف حدوث زلزال مدينة أكادير في 29 فبراير 1960 لتصفية جيش التحرير بالجنوب بعد القضاء على جيش التحرير بالشمال، هذا في وقت كان هذا الجيش على وشك تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني.
إن المتهمين الذين تمّ اختيارهم هم حسن صافي الدين، وعبد الله الصنهاجي، ومحمد منصور، والتهامي نعمان، وأحمد بنسعيد، ومحمد الذهبي، وبوشعيب الدكالي، ومحمد السكوري، والهاشمي المتوكل، والجيلالي حيدر، والرداد بوعزاوي، وعبد الرحمان الزيات، وامبارك الوردي، وعمر بنسعيد، وسعيد بونعيلات... وغيرهم، وكلهم مقاومون وأعضاء جيش التحرير في مختلف جهات المملكة، بعضهم سيتم الإفراج عنهم، والاحتفاظ بالباقي.
وقد اهتمت الصحافة الفرنسية بهذا المخطط، وساهمت في كشف جملة من جوانبه الخفية. فقد نشرت اليومية الفرنسية "ليبراسيون"، في 21 مارس 1960، مقالة جاء فيها أن الأشخاص الاثنى عشر المعتقلين بين 14 و26 فبراير وُجّهت إليهم تهم ثقيلة وخطيرة لمحاولة إقناع الملك الراحل محمد الخامس بأن هناك تخطيطا لاغتيال ولي عهده. وقد أجمع إعلاميو فرنسا على القول إن الأمر كان مفبركا بغية الإطاحة بالحكومة الوطنية التي كان يترأسها عبد الله إبراهيم، وذلك رغم أنها بلورت تصورا واضحا للتصدي للمشاكل القائمة وحلها، وقد بدأت بوادر نجاحها في هذه المهمة تتأكد للعيان.
ومن نتائج هذا المخطط المفبرك وقوع جملة من الأحداث ولّدها الغضب في صفوف المقاومين وأعضاء جيش التحرير المخلصين، ومنها نازلة إطلاق النار على "كوميسير" ببني ملال من طرف القائد البشير قبل صعوده إلى الجبل بمعية ثلة من رفاقه من أعضاء جيش التحرير. وهذا ما قام به كذلك الشافعي والبشير لمتاعي وحسن الروداني، الذين لقوا حتفهم بعد أن طوّقهم رجال الدرك.
ولمّا لاحظ  مفبركو المخطط أن الرياح هبّت في اتجاه لم تشتهه سفنهم، قرّروا التراجع وعمدوا إلى إخبار الملك الراحل محمد الخامس أن الاتهامات الموجهة للمعتقلين عارية من الصحة. آنذاك أحضر الملك الراحل وزيره في العدل ووجّه له سؤالا مباشرا: "هل فعلا تمّ كشف مخطط يستهدف حياة ولي العهد؟". وكان جواب الوزير واضحا لا غبار عليه: "لا وجود لمثل هذا المخطط على الإطلاق". لذا قرّر الملك الراحل إيقاف المتابعة جملة وتفصيلا، وبحلول عيد الأضحى، الذي وافق يوم 3 يونيو 1960، أصدر الملك الراحل عفوه الشامل على كافة المتابعين في هذه النازلة.

رفات محمد الحريزي
يعتقد أن جثة الحريزي دُفنت بالمعتقل السري بمعية من لقوا حتفهم في ضيافة "الكاب 1". ومن المعلوم أنه تم التخلص من الرفات بعد أن انفضحت الأمور. وفي هذا الصدد أقرّ أحمد البخاري، العميل السابق بجهاز "الكاب 1"، قائلا: "في يوليوز عام 2001  قمت بجولة في حي السويسي بالرباط، قريباً من المعتقل السري الشهير "دار المقري"، وقد لاحظت في ذلك اليوم أن أعمال البناء كانت قد انطلقت على وجه الاستعجال لزيادة علو السور المحيط به، وكانت هناك في نفس الوقت خلف السور أعمال الحفر والتنقيب من أجل تقوية سمك الأرض في عدة مواقع لتطهيرها، وبطبيعة الحال لجمع بقايا العظام البشرية، وخلال أسابيع قليلة اختفت إلى الأبد آثار الجثث المدفونة في ذلك المعتقل بين 1960 و1973".

عَن مَجَلٌة مَغرِب اليَوم