طابو فلوس الأحزاب.. شكُون كيشدها وفين كاتمشي وعلاش ماكيهدروش عليها؟؟
أين تذهب الأموال الوفيرة التي تمنح للأحزاب السياسية ؟ وهل تستفيد أجهزتها المحلية ومنخرطوها والمواطنون من حسنات ضخ ملايين الدراهم في خزائنها ؟ وما هي حصة التأطير وإشراك المواطنين في العمل السياسي ؟
أزيد من 49 مليون درهم، هي قيمة الدعم الذي تلقته الأحزاب السياسية من خزائن الدولة، كما كشف ذلك التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، استفادت منها ثمانية أحزاب سياسية هي على التوالي وحسب قيمة الدعم الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الحركة الشعبية، العدالة والتنمية، الاتحاد الاشتراكي، الاتحاد الدستوري وفي الأخير حزب التقدم والاشتراكية. أحزاب ضمن 35 حزبا مغربيا مؤسسا، تقتسم فيما بينها غلة الدعم، وتستفيد منه لقاء مشاركتها في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
وتحدد المادة 28 من الباب الرابع الخاص بقانون الأحزاب، شروط استفادة الأحزاب السياسية من الدعم، وطرقه، إذ تورد المادة ذاتها نوعية المصادر المالية للأحزاب، أولها واجبات المنخرطين ثم التبرعات النقدية والعينية (على ألا تتجاوز 100 ألف درهم)، ثم يأتي دعم الدولة الذي يوزع بين الأحزاب بناء على عدد المقاعد المحصل عليها في البرلمان، ومجموع الأصوات التي جمعها كل حزب خلال الانتخابات التشريعية العامة، كما تبين ذلك المادة 29 من نفس الباب.
وتقيد الأحزاب السياسية الحاصلة على دعم بمجموعة من الضوابط التي يفترض منها احترامها، واتباعها للمحافظة على صنبور الدعم العمومي، أهمها إخضاع ماليتها لرقابة المجلس الأعلى للحسابات، مع الالتزام بتقديم جميع الوثائق والمستندات المتعلقة بحساباتها إلى نفس المجلس، ويحرم كل حزب أخل بأحد الشروط المتضمنة في المواد (36 37 38 39 و40 ).
ولم يحدد صراحة قانون الأحزاب الحالي، بدقة، المجالات التي يجب أن توجه إليها الأحزاب السياسية المدعومة الأموال التي تتحصل عليها من الدولة، واكتفى بالإشارة في مادته 29 إلى أن الأموال المقدمة هي "للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها".
ويطرح هنا سؤال عريض حول أهمية الدعم من عدمه إذا كان يوجه لأحزاب لا تقدم قيمة مضافة داخل المجتمع، باستثناء المرور الموسمي خلال الانتخابات، أو إطلاق التصريحات من خلال الإعلام العمومي والخاص.
وما يفرض الوقوف طويلا أمام أرقام الدعم بالدرهم، هو إمكانية الأحزاب اليوم تغطية مصاريف تدبيرها ذاتيا.
أحزاب لا تحتاج للدعم
أحزاب لا تحتاج للدعم. قد يظهر الحكم قاسيا إلى حد ما، لكن عند الغوص في مالية الأحزاب السياسية، وحجم المقرات والممتلكات العينية التي ورثتها قيادة عن قيادة، بالإضافة إلى مساهمات الأعضاء المنخرطين في الحزب عن طريق البطائق وكذا مساهمات النواب البرلمانيين ووزراء الأحزاب المشاركة في الحكومة، تجد أن الدعم العمومي ليس سوى اعتراف بالوجود السياسي والتنظيمي، وكي لا تكون الأحكام "هلامية" ودون وجه حق، نضع هنا تحت مجهر التدقيق الحزب الأغلبي والقائد للائتلاف الحكومي الحالي. إذ نجد أن حزب العدالة والتنمية يستفيد من عائدات المساهمات المقدمة شهريا من طرف برلمانييه ووزرائه والتي تصل إلى أزيد من 800 ألف درهم، تضخ بموجب القوانين الداخلية للحزب في خزينته، عبر استخلاص 7000 درهم كمساهمة نقدية يقدمها كل برلماني ضمن مقعده باسم "المصباح"، ويجود الوزراء، كما سبق أن كشف رئيس الحكومة في لقاء حواري سابق، بـ20 في المائة من راتبهم أي ما قيمته تقريبا 12 ألف درهم. 80 مليون سنتيم في الشهر تعطي حسابيا 960 مليون سنتيم سنويا، دون احتساب عائدات بطائق الانخراط.
ويتضح أن جل الأحزاب، تفرض على ممثليها داخل البرلمان، والمستوزرين باسمها، المساهمة بقدر مالي من أجرتهم الشهرية، وإن لم ينص على ذلك صراحة في قوانينها الداخلية، أو يصرح بها خلال عرض الوضعية المالية على المجلس الأعلى، وخلال تقديم التقارير المالية داخل مؤتمراتها الوطنية.
وبذلك تكون الأحزاب المغربية وخاصة الثمانية الأولى الأكثر تمثيلية تحت قبة الغرفتين، من هذه الناحية، متمتعة بنوع من الإشباع المالي الذاتي، اللهم إذا استثنينا وحسب معطيات كشفتها قيادات من شبيبة الحركة الشعبية، فضلت عدم ذكر اسمها، أكدت من خلالها أن ممثلي حزب "السنبلة" في السلطتين التشريعية والتنفيذية "ما كيعطو حتى ريال للحزب" على حد تعبير مصادرنا.
هذا في ما يخص الدعم المالي المستمر طيلة السنة. أما في ما يخص التدبير التنظيمي والإداري الذي تتكلف به قيادات الأحزاب السياسية، فينحصر في شقين، الأول مرتبط بالتنظيمات المحلية، وغالبا ما يكون هنا الرابط بين القاعدة والقيادة مناسبتين: خلال فترة الانتخابات واختيار الأسماء التي ستنال التزكية للترشيح باسم الحزب، وقبيل انعقاد المؤتمرات الوطنية وما تفرضه شروط الانتداب من حضور إجباري لممثلين عن المكاتب السياسية والأمانات العامة للأحزاب. أما الشق الثاني فهو دورات الأجهزة التقريرية لكل حزب، وتختلف مسمياتها بين (مجلس وطني، لجنة إدارية، لجنة مركزية وغيرها)، وغالبا ما تعقد داخل المقرات المركزية للأحزاب، ويتكلف عضو الجهاز بتغطية مصاريف إقامته وتنقله وفي بعض الأحيان حسب المعطيات المتوفرة تكون وجبات الأكل خاضعة لمنطق المساهمات. وتأتي المؤتمرات ضمن الشق الثاني، إذ تخضع بدورها لنفس المنطق، مع تغيير في الجهة التي تتكلف بالأكل والمبيت. ولإيضاح هذا الجانب، سنسلط الضوء عليه من خلال آخر وأقرب مؤتمر وطني عقد وهو الخاص بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث فرض حزب الوردة مساهمة مادية قيمتها 100 درهم عن كل مؤتمر مع إلزامية أداء مستحقات بطائق الانخراط للسنوات الفاصلة بين المؤتمرين، أي أن المؤتمرين ضمنوا للجنة التحضيرية المشرفة على التنظيم، مبلغ 170 ألف درهم بناء على عدد المنتدبين الذين كانوا قرابة 1700، وهو ما منح تغطية لابأس بها لمختلف مصاريف الأكل والإيواء والنسخ وغيرها من حاجيات تنظيم محطة تنظيمية من هذا النوع، تدخل في إطار مصاريف التدبير التي تدعم بها الدولة الأحزاب.
وفي الجانب الآخر، هناك المحطتان الانتخابيتان الرئيسيتان في الدورة السياسية عند الأحزاب، الاستحقاقات الجماعية والتشريعية، والتي يحصلون خلالها على دعم لتمويل حملاتهم الانتخابية، هذا الدعم يبقى دائما غير مفهوم، بطبيعة الأشخاص الذين يضفرون بالتزكية، هؤلاء أي المرشحون، يمولون حملتهم بأنفسهم ويطبعون الملصقات من مالهم الخاص، ويؤدون أجور المتعاونين خلال الحملة والمراقبين، وهي تجارب عاشها جل المغاربة مع أحد المشرحين بأحيائهم. أكثر من ذلك، فالمرشحون وخاصة الأعيان منهم، يساهمون لقاء التزكية التي يحصلون عليها بقدر مهم من المال لدعم حملة الحزب الذي منحه رمزه.
دعم واستقالة تجاه المواطن
خلال الاطلاع على مختلف التقارير الأدبية المقدمة من طرف الأحزاب السياسية، داخل مؤتمراتها الوطنية، تحتاج لمجهر دقيق كي تجد بين أنشطته السنوية وبين فترة انعقاد المؤتمر، محطات تعنى بتأطير المواطن وإشراكه في الحياة السياسية.
"تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم. وهي بهذه الصفة، تساهم في نشر التربية السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي". هذا ما تنص عليه المادة 2 من قانون الأحزاب السياسية، فهل تلتزم هذه الأخيرة بما هو موضوع على عاتقها؟
الجواب عند إدارات مراكز الاستقبال الممركز في ما بين محوري الدار البيضاء والرباط، وكذا نوعية اللقاءات التي تحتضنها المقرات المركزية للأحزاب.
فإذا أخذنا مركز التخييم الهرهورة، الذي يعد وجهة لمختلف الأنشطة التأطيرية الوطنية والدولية، نجد وبناء على معطيات دقيقة، أن حزبا سياسيا واحدا من خارج البرلمان هو من زراه خلال السنوات الأربع الأخيرة، والمناسبة كانت مؤتمره الوطني، أما الأحزاب وشبيبتها فلم تسجل أي حضور بغرض التكوين أو النقاش لإفراز شيء ما يخص شؤون السياسة، باستثناء فترة الصيف، التي تسجل فيها شبيبة العدالة والتنمية حضورها المستمر بالمركز، وهذا حديث آخر، لأن منحته تضمنها بشكل مباشر وزارة الشباب والرياضة.
فضاء آخر لا يعترف سوى بالمحطات التنظيمية من حجم المؤتمرات، والمجالس الوطنية، وهو قصر المؤتمرات بالصخيرات الذي شهد مؤخرا ولادة قيادة شباط لحزب الاستقلال.
أما المركز الدولي لبوزنيقة فيعرف ترددا (إلى حد ما) على فضاءاته من طرف شباب الأحزاب السياسية، لتنظيم دورات تواصلية نادرة، تعرف وتيرة مرتفعة خلال فترة الخريف والربيع.
وتفضل الأحزاب السياسية الغير ممثلة في البرلمان، وخاصة منها المحسوبة على اليسار الجذري، اللجوء إلى المراكز الخاصة، وتكون وتيرة تنظيمها للندوات الفكرية وللقاءات التأطيرية أكثر مما تنظمه الأحزاب الكبرى من حيث التمثيلية في البرلمان، رغم ضعف إمكانية الأولى.
وبالنسبة للمقرات الحزبية، فخلال زيارة قامت بها "مغرب اليوم" لبعضها بالرباط، وطرحها لأسئلة على بعض من شباب الأحزاب، فلسان الحال يقول: إنها مفتوحة لعقد الاجتماعات لا غير.
حامـــيها.....
أورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الاختلالات التي شابت تعاطي الأحزاب السياسية المرخص لها مع المجلس، عبر الحسابات السنوية المدلى بها، إذ أن 18 حزبا فقط أدلت بحساباتها السنوية إلى المجلس من أصل 35، ومن بين الأحزاب التي أدلت بحساباتها ّ15 فقط حسب ما جاء في التقرير مشهود بصحته من طرف خبير محاسب.
ورصد المجلس نفقات غير مبررة تقدر إجماليا بـ28.5 مليون درهم، أي بنسبة 32 في المائة من مجموع هذه النفقات، كما حصر التقرير المبلغ الإجمالي للنفقات المبررة بوثائق صحيحة وقانونية في 61 مليون درهم، أي بنسبة 68 في المائة من مجموع النفقات المصرح بها، التي وصلت كما صرحت الأحزاب بذلك، برسم سنة 2010 إلى ما مجموعه أزيد من 89 مليون درهم.
وتطرح مسألة تصرف الأحزاب في ماليتها من طرف القيادات إشكالات متعددة ترافق طيلة فترتها القيادية، وتكون الخلافات حول المالية وطرق الصرف في الغالب عنوانا لصراعات سياسية، تطفو معها اتهامات بنهب الأموال واستغلالها في سفريات مبينة على الولاءات وتوجيهها لخدمة تيار معين ضد آخر، لكن وباستثناء معطيات قليلة تبقى كل هذه التهم وغيرها غير مقرونة بدلائل مادية، قد يكون عدم وجودها، كما صرح أحد القادة الحزبيين لـ"مغرب اليوم"، بتربية عامة وأصول نشأ عليها المغربي والمغربية في علاقتهما مع جدلية المسؤولية والمحاسبة، التي تنبني غالبا على ترك الأمور على حالها يقول القيادي.
لكن تنفجر بين الفينة والأخرى خلافات حول مالية أحد الأحزاب تصل إلى حد المطالبة بتدخل القضاء، وهو ما حصل مؤخرا داخل التنظيم الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بمدينة الدار البيضاء، الذي وضع مجموعة من مناضليه طلبا لدى الفرع الجهوي للمجلس الأعلى للحسابات بالدار البيضاء لإحالته على إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، يرغب من خلاله واضعو الطلب فتح تحقيق، وافتحاص مالية الحزب جهويا، نظرا لاختفاء مبلغ 80 مليون سنتيم كان قد رصدها المكتب السياسي للجرار لدعم تنظيم نشاط خاص بالإعداد للدستور، كما جاء في الرسالة التي تتوفر "مغرب اليوم" على نسخة منها.
ويتهم أعضاء الأصالة والمعاصرة بالعاصمة الاقتصادية الواضعين لطلب فتح التحقيق على طاولة المجلس الأعلى، رفاقهم بالاستفادة من المبلغ المذكور لأغراض شخصية دائما حسب ما جاء في نص الرسالة.
هذا الحادث يعيد بدوره إلى الأذهان ارتباط "الفضائح المالية" داخل الأحزاب السياسية بالمحطات التنظيمية لتجديد المكاتب المسيرة، فما قيل داخل جهة الدار البيضاء لحزب الأصالة والمعاصرة، جاء قبيل انعقاد المؤتمر الجهوي لنفس الحزب.
نفس الشيء يقال عن الاتحاد الاشتراكي بعد مؤتمره الأخير، وقيل بعد صعود شباط على رأس الاستقلال إذ هدد بجرد ممتلكات الحزب وافتحاص ماليته، الشيء الذي رأى فيه متتبعون مزايدات سياسية تجاه تيار آل الفاسي.
متى تستقيم المعادلة؟
ينتظر العديد من المغاربة، اليوم إكمال وعود تطبيق مجموعة من الأحكام تتماشى مع وعود الإصلاح المؤطرة بدستور فاتح يوليوز الذي تشتغل من داخله مؤسسات الدولة، وينتظرون سن قوانين تنظيمة ترقى بالمفهوم الروحي لمقاربة المسؤولية والمحاسبة، وفق مبدأ المساواة في حالة الإخلال بالركن الأول من المقاربة.
ومن بين هاته القوانين، وحسب ما أظهره تقرير المجلس الأعلى للحسابات في الشق المتعلق بمالية الأحزاب، قانون يحدد طبيعة ضخ أموال الدولة في خزينة الأحزاب السياسة، ومعايير الاستفادة منها، على ألا تقتصر على الشق المتعلق بعدد الأصوات والمقاعد المحصل عليها فقط، بل ترتبط بالإضافة إلى ما سبق بفعالية الحزب السياسي طيلة دورته الانتخابية في أوساط المجتمع، وتأطيره لمختلف فئاته، حتى يتحول الحزب من كائن تنظيمي، انتخابي، إعلامي، برلماني، وحكومي، إلى إطار حي فاعل في المجتمع، يساعد مؤسسات الدولة على تأطير الحياة العامة للمواطنين، والرقي بفكرهم، وإفراز النخب لصناعة منحى تصاعدي إيجابي تجاه مستقبل المغاربة.
عن مجلة مغرب اليوم