صراع الأحذية .. بين الحذاء البغدادي و بُوسان صباط ميدلت
زنقة 20
أحمد تامر
من عجائب الطبيعة وغرائبها في الالفية الثالثة ان جعلت فرقا شاسعا وتمييزا كبيرا بين الاحذية التي تقي قدم الانسان وتحميه من كل ماهو خارجي وتزين هندامه. وقد ظهر هذا الفرق جليا بين سباط بغدادي وآخر ميدلتي. واوجه الاختلاف والتباعد كبيرة مهنيا واقتصاديا. وحتى من جهة مردودية كل منهما!! فالحذاء العراقي البغدادي جر صاحبه الى الشهرة وجعل منه بطلا وادخله عالم النجومية التاريخية من بابها الواسع. حتى وان كلف صاحبه قضاء فترة معينة رهن الاعتقال قبل وبعد المحاكمة.
انه حذاء الصحافي العراقي الذي خلع فردة السباط من احدى قدميه وبجرأة قل نظيرها ارسلها بكل ما أوتي من قوة في تجاه رئيس اعظم دولة, الى السيد بوش الابن وهو منهمك في القاء كلمته بضيافة اهل بغداد. الحاكمين والمساندين للخطوات البوشية , وانطلق الحذاء كالسهم صوب وجهته التي اختارها صاحبها دون تردد وكأنه يشاطره نفس الاحاسيس, كيف لا والحذاء ابن دجلة والفرات. صناعة وشراء و لولا اتقان السيد بوش فن المراوغة. سياسيا واخلاقيا وفي اصعب اللحظات وأحرجها لنجحت مهمة فردة السباط البغدادي العراقي.
لكن العبرة بالخواتم وخاتمة هذه المهمة هي المذلة. والاهانة لمن صوبت في وجهه الرمية بالحذاء. او ربما ان تلك الفردة فكرت وهي في طريقها الي هدفها انها ستهان وستدخل التاريخ لقيامها بهذه المهمة التي تمس كرامتها وهنا استحضر قول احد الشعراء حين انشد فقال: قوم اذا ضرب الحذاء بهم صاح الحذاء اي ذنب اضرب, والمعنى واضح. ان الحذاء من الممكن ان يعتبر نفسه قد مسته الاهانة اذا استعمل كوسيلة لضرب قوم. يعتبرهم الحذاء اقل منه جاها. الا ان هذا الحذاء البغدادي العراقي تسبب لصاحبه ومالكه في شهرة كبيرة,حيث منذ لحظة وقوع الحدث تهافتت عليه كبريات المحطات التلفزية والاذاعية.
وصوبت نحوه ونحو عائلته عدسات الصور بين الكاميرات. لأنه خلق الحدث. وشعر العراقيون الاحرار ومعهم العرب والاخيار بالنخوة الغرة والكرامة والشهامة. وازدادت قيمة هذا الحذاء معنويا وحتي ماديا لو فكر هذا الصحافي العراقي بيعه بالمزاد العلني. في مقابل كل هذا يعيش حذاء مغربي و بالتحديد بمدينة ميدلت في نخوة يسبقها لمعان وبريق ساطع على محياه من كثرة المسح والتنظيف وفسح المجال له للمرور بعد تنقية الطريق من كل شيء حتى البشر. الا انه ذات صباح تمرد هذا الحذاء على صاحبه ولم يعد يقبل او يكتفي بالمسح والصقل واللمع بمواد خاصة قد تكون مستوردة خصيصا لهذا الحذاء من السوق الاوروبية أو من الصين الشعبية والشينوا بل طالب وبكل الحاح تقبيله. لا لشيء الا لتعظيم وتحليل صاحبه نائب وكيل الملك بمدينة ميدلت. وبهذا سيكون ساعتها هذا السباط قد اعتلى ارقى المراتب عالميا. فتقبيل الاحذية "السبابيط" قد مر في عصور العبودية والرق.
واذا كان الحذاء البغدادي قد رفع صاحبه وعلا من شأنه, فإن حذاء نائب وكيل الملك بميدلت قد نزل بصاحبه الى الدرك الاسفل من الانحطاط الاخلاقي. في وقت كثرت فيه منظمات وجمعيات ومصحات خاصة للرفق بالحيوانات, فبالاحرى بني البشر الذين مازالت بعض النفوس المريضة بحب السلطة والترفع عن باقي البشر مستمرة في غيها, واذا كانت المنابر الاعلامية والمحطات التلفزية والاذاعية والدولية قد حولت وجهتها نحو الصحافي العراقي وقت وقوع الحدث. فإن المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وعموم الناس من سكان مدينة ميدلت قد التفوا حول ذلك العامل بورشة ميكانيكية لا حول ولا قوة له سوى اجرته التي يقتات منها.
وساندته وجعلت من الاهانة التي تعرض لها بعد ارغام صاحب السباط على تقبيل سباطه قضية انسانية لا يمكن التساهل معها مادامت تحط من كرامة انسان ذنبه الوحيد. وضعه الاجتماعي الذي اعتمد عليه نائب وكيل الملك في المس بكرامته والحط منهما, فما لبتت هذه الواقعة التي تجسد الحقد والكراهية في نفوس بعض المسؤولين ان انتشرت وبلغت هي الاخرى محطات تلفزية دولية في مقدمتها. قناة الجزيرة.وقنوات اخرى, لكن الصورة معكوسة فاضحة لأبشع انواع استخدام الشطط, انها مقارنة غريبة. بين حذائين بعيدين عن بعضهما البعض في المسافة وفي الهدف, فأيهما الافضل في نظركم؟؟