حاملي السِيدا.. قصص وخبايات الخلايا النائمة للجنس القاتل أين ينشطون؟ كيف يعيشون؟ وأشياء أخرى
زنقة 20
"الموت المجاني" تمنحه ببرودة دم "خلايا نائمة" تنقل داء فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" إما بجهل أو عن سبق إصرار وترصد، أو بتواطؤ مع مصالح صحية تمنح شواهد عدم الإصابة بالداء مقابل ثمن زهيد لا يغطي تكلفة جرعة واحدة من وصفة العلاج.
أجساد تحمل دماء أفقدت الجسم مناعته المكتسبة، تنشط في صمت لتفتك، إما تحت غطاء اللذة أو تقاسم أدوات التخدير، بالغير، وقد يكون الجرم بعقد زاوج شرعي أخفى أحد الشريكين عند استخلاصه حمله لـ"فيروس" حيّر أجيالا متعاقبة من الخبراء والمختبرات الطبية.
اخترنا التسلل ومعايشة حاملي "السيدا" الذين يمكن أن ينقلوه للغير دون أن يرف لهم جفن من الداخل، وتساءلت: "أين ينشطون؟ هل يتلقون العلاج؟ هل يستعملون العازل الطبي خلال علاقتهم الجنسية؟ هل سبق أن نقلوا "السيدا" لشريك جنسي عن سبق إصرار؟ ما دور الجمعيات التي تعنى بالحد من انتشار "السيدا" في المغرب؟ وكيف تشتغل في أوساط هؤلاء، خاصة ممتهنات ومثليي الجنس؟ وهل يؤطر الطب النفسي المرضى كي لا يتحولوا إلى ألغام متنقلة تمنح الموت مجانا لكل من تقاسم معها فراش اللذة؟
هي حقائق صادمة وقصص وتجارب واقعية، وشهادات حية لممتهنات ومثليي الجنس يحملون "فيروس السيدا" وافقوا على ممارسة الجنس دون إبلاغ شركائهم بحملهم للمرض.
نقل "الفيروس" عمدا
في البدء طرقنا باب إحدى الجمعيات الأولى التي أسست في المغرب للاعتناء ومتابعة وكشف وباء "السيدا" في المغرب، وطرحنا سؤال: "هل يمكن أن ينقل حامل "الفيروس" الداء عمدا؟" على مولاي أحمد الدوريدي، المنسق الوطني لجمعية محاربة "السيدا" "l'ALCS"، فكان جوابه بالنفي، دون أن ينكر تسجيل حالات نادرة تصرح في اتصالها مع جمعيته أنها كانت ضحية علاقة جنسية غير محمية، مما سبب لها الإصابة بالداء والنظر إلى ناقل "الفيروس" كعدو قام بذلك عمدا.
ويميز الدوريدي، في حديثه لـ"مغرب اليوم"، بين حاملي "الفيروس" المتعايشين معه، وبينهم أطباء، رياضيون، محامون، أساتذة... وغيرهم، وعينة أخرى ترفض كشف إصابتها بـ"السيدا" قد تكون من نفس الفئات الاجتماعية المذكورة، لكن بنسبة أقل. الفئة الأولى، يضيف متحدثنا، تمتلك حداً أدنى من الوعي بالمرض، وتتبع حصصها من الأدوية بشكل منتظم، كما تتردد على جمعية محاربة "السيدا" والمصحات والمستشفيات لإجراء فحوصات دورية، دون أن تغفل في علاقاتها الجنسية استعمال العازل الطبي، كما تصرح بذلك في حلقات التواصل التي تنظمها جمعية محاربة "السيدا" مع المرضى بشكل مستمر، يقول الدوريدي.
الجواب لم يكن مقنعا في بحثنا عن حقيقة انتشار الوباء في أوساط المغاربة في صمت، فأعدنا طرحه على نفس المصدر بطريقة أخرى: "هل سبق وأن سجلتم تناقل الوباء في أوساط فئة معينة، مثلا المومسات، وتزايد الحالات في نفس المحيط؟". "هذا موضوع آخر"، يجيب الدوريدي، إذ يصعب حصر عدد ممتهنات الجنس اللاتي يحملن "الفيروس"، كما أنهن يمارسن نشاطا يعد مصدر رزقهن، وهذا لا يبرر إعفاءهن من استعمال العازل الطبي، يوضح نفس المصدر، لكن هناك فئة من زبنائهن يرفضون استعمال "العازل".
وعن الوضعية النفسية التي يصبح عليها الحامل لـ"الفيروس القاتل" ومدى إمكانية تحوله لـ"كائن منتقم" ينقله إلى غيره، بدافع انغلاق سبل الحياة به، وتوقفه عن ممارسة حياته الطبيعية، وانتقامه المتكرر بنفس الطريقة التي انتقل إليه المرض بها، يقول الدوريدي: "في هذه الحالة نتحدث عن مرضى نفسيين مختلين أصيبوا بـ"الفيروس" أو تحولوا إلى هذه الحالة بفعل الإصابة"، وللحد من احتمال وقوع مثل هذه الحالات، يؤكد الدوريدي أن جمعية محاربة "السيدا" تقدم بشكل مستمر الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى الذين يقصدونها، إذ يعرضون على أخصائية في الطب النفسي تقدم خدماتها من داخل الجمعية.
حوادث نقل "السيدا"
المكان قرب قنصلية إيطاليا في مدينة الدار البيضاء، وقت الظهيرة، قبل قرابة شهر ونصف من اليوم، شابة تمسك بشاب بقوة وتصرخ في وجهه، تلطم خديها وتصيح بأعلى صوتها المختلط بحشرجة الإحساس بالندم والحقد كما بدا واضحا عليها.
الشابة توجه اتهامات متكررة بكل العبارات التي مكنها قاموسها اللغوي منها، هي ليست جريمة سرقة أو محاولة للتحرش، بل عملية من نوع آخر، تم من خلالها نقل داء فقدان المناعة المكتسبة للشابة من الشاب الذي عاشرته جنسيا كما كانت تصرح بذلك جهارا.
الشاب لا ينفي واقعة نقل الفيروس للشابة، يجيبها ببرودة دم "راك تخلصتي"، مشهد صادم أخرج للعلن واقعة قد تتكرر في اليوم ألف مرة فوق أسرة أعدت للجنس الرخيص، بطلاها شريكان لا يحميان ما تحت السرة لتجنب تسلل "الفيروس" الفتاك.
لم تكن هذه الواقعة وحدها شاهدة على حقائق مغيبة، وعالم تحيط به أسوار شاهقة من الصمت. وخلال بداية السنة الجارية، تم ضبط أزيد من 30 مومسا في قرية "بومية" نواحي مدينة ميدلت يمارسن مهنة الجنس، دون أن يقمن في العديد من العلاقات بين مختلف الشركاء باستعمال العازل الطبي.
وقد صادف انفجار الملف في القرية وجود "مغرب اليوم" بالقرب من مكان الحدث خلال إنجاز تحقيق عن "المناجم السرية" بالمنطقة. وحسب شهادات من مصادر محلية وجمعوية تقطن بـ"بومية"، فإن النبأ هز مجموعة من الأسر، خاصة "المداشر" المجاورة للقرية، إذ هجرت النسوة اللائي يشككن في نشاطات أزواجهن الجنسية فراش الزوجية، وتم تمشيط القرية والبحث عن كل من تحوم حولها شكوك حملها للداء. نفس المصادر أكدت لـ"مغرب اليوم" أن المومسات المتهمات بحمل الداء أغلبهن، حسب "اعترافات حميمية" يرويها الرجال في ما بينهم، لا يستعملن العازل الطبي خلال ممارسة الجنس.
وبعيدا عن "عالم الأحرار والطلقاء في الأرض"، تخرج من داخل أسوار السجون المغربية، التي تحتضن خلف قضبانها نسبة 2.5 في المائة من حالة الإصابة المعلنة في المغرب، إلى العلن. أنباء تفيد بتنقل "الفيروس" بين النزلاء بفعل الاعتداءات الجنسية، وهو ما سبق أن كشفته "مغرب اليوم" حين تطرقها لقضية "سجن خنيفرة" الذي آوى لفترة طويلة سجينا (م. ب) محكوما بالمؤبد كان يعلن إصابته بـ"السيدا" للعموم، دون أن يتوقف عن اعتداءاته الجنسية على النزلاء بنفس السجن أو يتم عزله من طرف إدارته، قبل أن يتم نقل (م. ب) إلى سجن آسفي، ويعيد فعلته "الشنيعة" على سجين أحرق نفسه بعد حادث الاعتداء الجنسي عليه من طرف (م.ب)، حسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"مغرب اليوم".
وسط مستنقعات تفريخ الداء
كان من اللازم، خلال إعداد ملف التحقيق، النزول إلى شوارع الدار البيضاء، خاصة المعروفة بنشاط بائعات الجنس على أرصفتها. فما إن تدق الساعات الأولى من الليل حتى تخرج "أسراب" من المومسات يتصيدن المارة وأصحاب السيارات الباحثين عن "لذة الأرصفة".
زنقة أكادير.. هنا عدد المومسات لم يعد يتجاوز بضع نسوة يفترشن أبواب العمارات والمحلات التجارية، أغلبهن زحفت التجاعيد إلى وجوههن، عين أخرى تنشط داخل الزنقة تعرض إنجاز خدمات داخل البيوت يقول البعض إنها غطاء لبيع الجنس.
توجهنا بالسؤال إلى إحدى "المحترفات"، كما يصفهن العارفون بأسرار زنقة أكادير: "واش كتستعملوا العازل الطبي؟"، "وشكون أنت لي كتسول.. سير تلعب". نحاول مرة أخرى: "راه بغينا غير نعرفو واش كديرو الحماية لراسكم أو لغيركم صافي؟"، فتجيب السيدة بعصبية أكثرة حدة: "راه قلت ليك شكون أنت؟". نركز السؤال أكثر للبحث عن ضالتنا: "أنا بغيت نعرف غير واش كين فيكم لي كتمشي للجمعية ديال محاربة "السيدا؟"، "شوف حنا ديمن الجلدة معنا أو التحليلة راه كنديروها حيث ولات فابور.. سير خلني نترزق الله".
لم ننزل أيدينا أو نكف عن البحث داخل مستنقعات تفريخ الداء، وغيرنا المكان بعد نصيحة أسداها لنا صديق شغله تقديم خدمات إنسانية واجتماعية لـ"شعب الليل"، الصديق قال في مكالمة هاتفية معه: "راه فيت ليا تكلمت مع شي شابات من هدوك لي كتقلب عليهم، أو راه ممكن تلقاهم حدا "توين سانتر"، وبالضبط قرب إقامة الزرقطوني". كانت النصيحة خيطا للوصول إلى نقطة أخرى بشارع "الزرقطوني" تتجمع فيها محترفات اقتناص الزبائن على الرصيف، طلبنا من الصديق ضرب موعد مع إحدى اللاتي نبحث عنهن، فكان الجواب إيجابيا.
الساعة تشير إلى التاسعة ليلا، يرن الهاتف ليظهر رقم الصديق الخاص بالخدمة. لعلها أخبار قد تفرض التوجه بأقصى سرعة إلى الموقع المحدد سلفا، يقول الصديق بعد "ألو": "راه الكائنات التي تبحث عنها لن تتحرك إلا بعد الساعة الحادية عشرة ليلا، واش ممكن تصبر؟"، أجيب: "ماشي مشكل غير عيط ليا ديك الساعة".
تمر دقائق ويرن الهاتف مرة أخرى، يوجه لي الصديق دعوة بصيغة الأمر للالتحاق بالمكان المعلوم بأقصى سرعة، أستقل سيارة أجرة صغيرة من مدار "مرس السلطان"، أتيه عند النزول، فلم تمنحني ضبابية الرؤية بفعل قطرات المطر التي تساقطت ليلتها إمكانية تمييز مكان الموعد بالضبط، يرن الهاتف لأتلقى تحديدا دقيقا، وهو في مكان خفي إلى حد ما عن أعين "البوليس" في زقاق مجاور لإقامة "الزرقطوني".
ألقي التحية بلطف، تبادلني إياها شابة في عقدها الثالث كما يبدو من تقاسيم وجهها النحيف، تجلس على عتبة محل تجاري واجهاته الأمامية زجاج، تمدد رجليها إلى الأمام في جلسة مريحة وكأن الإسفلت الذي تفترشه أريكة قطنية مريحة.. يكسو أسنانها الأمامية اللون الأصفر، ويبدو أنها لم تكترث أو لم تتابع نشرة الطقس، لأن ملابسها لا تحميها من زخات المطر الرقيقة التي تخترق الثياب... تمسك خديجة، كما سمت نفسها وأقسمت أنه الاسم الحقيقي ولا تخاف كشفه لأي كان، بسيجارة شارفت على الانتهاء وكوب بلاستيكي عبأته بالقهوة السوداء.
خديجة قالت إنها من "أيت ورير" نواحي مراكش، تمتهن "الجنس" لأنها لم تجد ما تسد به رمق عيشها في مدينة لا تعترف بمن أصاب الهزال جيوبهم. تؤكد في شهادة صادمة أنها "كدير 24 باس (علاقة جنسية) حتى 30 باس في الليلة"، وفيما إذا كانت تستعمل العازل الطبي، تنفي ذلك إطلاقا، وتجيب بتعبير غريب: "راه اللحم تخوا والمرض كيجيبو غير البراني"، "لكن "السيدا" لا تفرق بين "البراني" وولد البلاد"، تقول "مغرب اليوم". فتزيد من هول الصدمة بالقول: "ها هو فينا المرض كاع واش غدي نكولها لكلشي، اللي بغا الجلدة يديرها، وراه كين فيهم لي كتجبديها ليه منين تيفرقوها علينا أو مكيبغيش يديرها.. هو ممسوقش أو أنا نتسوق باش نقطع رزقي".
في لحظة خاطفة، وفي خضم طرح الأسئلة على جليستنا، تصل رفيقة لها ضخمة الجسد مهرولة، وتخاطبنا صارخة: "نوضو البوليس.. نوضي يا بنت... راه غدي يجمعوك أنت وياه".. لم أستحضر للحظة أني صحفي أقوم بمهامي لحظتها، فأعطيت ساقيَّ للريح محاولا الاحتفاظ بشاهدة على نشاط العالم الذي يحوي نساء تغذي المستنقعات المفرخة للوباء.
أحمل "السيدا" وأمارس الجنس
لم يكن من السهل انتزاع شهادة حية يقر فيها أحدهم أو إحداهن بممارسته أو ممارستها للجنس دون عازل طبي، وهو أو هي على علم بحمله أو حملها لـ"فيروس السيدا". قصدنا إحدى الجمعيات التي تهتم بالمرضى الحاملين لـ"السيدا" وتقدم لهم الدعم الاجتماعي والنفسي، بالإضافة إلى بعض المساعدات الغذائية والأدوية، بحثا عن أجوبة مقنعة وواضحة داخل مكتب الجمعية في الطابق الرابع بحي "المستشفيات" بالبيضاء.. استضافنا بحفاوة "ليونل"، فرنسي قدم إلى المغرب منذ أربعة أشهر ويشغل مهمة المدير الإداري للجمعية. استقبلنا رفقة بهيجة، المساعدة الاجتماعية للمرضى بنفس الجمعية، بمقدمات قصيرة عن هويتي وموضوع الملف الذي نشتغل عليه، طرحت نفس الأسئلة التي سبق وأن وجهتها إلى المنسق الوطني لجمعية محاربة "السيدا". هنا كانت الإجابات واضحة وأكثر جرأة، تحدثت لنا بهيجة دون تحديد الهويات عن مومسات يمارسن الجنس باستمرار ومنهن من لا تستعمل العازل الطبي، إما برغبة أو لرفض الزبون للعملية الجنسية باستعمال "البريزرفاتيف".
وأضافت بهيجة، في معرض تزويدها لنا بالمعطيات، أن شابا مثلياً يتردد على الجمعية كان قد أعلن لهم في السابق أنه أقام علاقات جنسية متعددة غير محمية رغم معرفته بنوعية المرض الذي يحمله. وخلال الأخذ والرد، دخل علينا شاب آخر في مقتبل العمر، يظهر من خلال نبرة حديثه وطريقة مشيته وتحركاته أنه مثلي، وهي المعلومة التي أكدها جليساي، معلومة أضيفت إليها أخرى هي أن الشاب حامل لـ"فيروس السيدا".
دون مقدمات هذه المرة، طلبت من المساعدة الاجتماعية أن تتوجه إليه بغرض طرح إمكانية تقديمه لشهادة عن قصة إصابته بالمرض، وهل نقله لغيره بوعي أو غير وعي؟. توجهت نحوه بهيجة وهي غير متأكدة من إمكانية قبوله للطلب، وهو ما كان بالفعل بعد عودتها إلى المكتب الذي كنا نجلس حوله، قائلة: "قال ليك مريض ويلاه خرج من عملية أو ما فيه ما يتكلم"، طلبت منها مرة أخرى التوجه إليه بنفسي، وزكى الفرنسي "ليونل" مقترحي أمام تحفظ شديد للمساعدة الاجتماعية والخوف من رد فعل قد يكون عنيفا للشاب تجاهي.
توجهت رفقة "ليونيل" نحو بهو معد لتدخين السجائر داخل مقر الجمعية، هناك كان يجلس الشاب رفقة آخرين، توجهت بالسؤال إليهم حول نتيجة مباراة "الرجاء والنادي المكناسي" الأخيرة، لم تكن المحاولة موفقة، يبدو أن الشاب فطن للحلية التي كنت أعدها كي أفتح معه نقاشا جانبيا يمهد لبيت القصيد. غيّر الشاب مكان جلوسه إلى صالة تحتوي منتوجات للصناعة التقليدية قيل لي إن مرضى تحتضنهم الجمعية هم من صنعوها.
أتوجه هذه المرة للشاب بسؤال مباشر: "قالو ليا راك يلاه خرجتي من عملية مالك ياك لباس؟"، يجيب لأتنفس مع كلماته الصعداء: "درت عملية على البواسر"، أجلس قربه لأطلب منه بشكل مباشر الحديث عن مرضه.
كان الشاب في غاية اللطف وهو يجيب عن الأسئلة، وقد تخرج حديثا من معهد للمهن الفندقية، عمره 21 سنة، تفاعل كما روى ذلك لـ"مغرب اليوم" مع حملة تحسيسية شاهدها على التلفاز تدعو إلى القيام بفحوصات طبية، توجه في اليوم الموالي إلى مكتب أعد بالمحطة الطرقية لمدينته لغرض إجراء الفحوصات والتحاليل حول داء "السيدا".
المهدي وافق على البوح باسمه، دون ذكر أصوله، صدم عندما ناوله الطبيب رقم هاتفه وطلب منه الاتصال به شخصيا بعد إجرائه لتلك التحليلات، قال إنه لم يستطع بعدها قيادة دراجته النارية، واكتفى بدفعها وهو يفكر في مصيره، بعد الاتصال بالطبيب ضرب له موعدا لمعاينته، وسلمه، يضيف المهدي، ظرفا طلب منه عدم فتحه وتسليمه إلى المصالح الطبية بمدينة الدار البيضاء مباشرة، لم يصبر المهدي وفتح الظرف، ليجد أن نتائج التحليلات إيجابية وتؤكد إصابته بـ"الفيروس".
يعترف المهدي دون خجل أنه التقط الداء من علاقة جنسية جمعته برجل مثله، بل أكثر من ذلك كان جوابه صادما عندما سألناه: "هل أقمت علاقة جنسية دون حماية وأنت حامل للداء؟". في البدء صرح أنه لم يعد يمارس الجنس من الدبر لأن العملية التي أجراها لم تعد تسمح له بذلك، وبعدها اعترف أنه مارس الجنس على صديق له مثلي دون أن يستعمل العازل الطبي.
ويضيف المهدي في روايته أنه اتصل، بعد أن أنّبه ضميره، بصديقه الضحية ليخبره بالنبأ الفاجعة: "ألو.. ما بغيتش نزيد نخبي عليك راه فيا السيدا"، كلمات كانت ردة فعل صديقه عليها إقفال الخط في وجهه وإرسال رسالة قصيرة سرد المهدي فحواها حرفيا لنا: "جرحتيني بكلامك سير الله يخلصك"، يجيب صديق المهدي.
ليس وحده المهدي من يمارس الجنس دون عازل طبي وهو حامل للداء، فداخل الجمعية نفسها استمعنا لتفاصيل عن شبكة من المومسات تركز نشاطها داخل مقهى بحي "المعاريف"، تتكون من عدة نساء حاملات للفيروس، ثلاثة منهن كشفن إصابتهن للجمعية ويترددن لتلقي العلاجات والمساعدات، والأخريات يرفضن إجراء الفحوصات الطبية.
الخطير في قضية نسوة مقهى "المعاريف" هو أنهن يمارسن الجنس غالبا بشكل جماعي مع الزبناء، وكانت واحدة منهن في البدء هي من تحمل "الفيروس" وصرحت بذلك، وهو ما يعزز فرضية نقله لزبناء متعددين وإلى رفيقاتها في الحرفة.
سهام، 40 سنة، وهو اسم مستعار لإحدى النسوة المصابات بـ"السيدا" داخل المجموعة المذكورة، واسمها الحقيقي هو( لـ)، تصرح أنها تذهب مع الرجال وهي محملة بعوازل طبية تمنحها الجمعية مجانا، لكنها تخفي مرضها، ولا تتردد في ممارسة الجنس مع الزبون إن هو رفض استعمال العازل الطبي، دون أن تنبهه إلى خطورة ما ينتظره بعض انقضاء دقائق النشوة.
وفي نفس المقهى، يتردد شخص أجنبي الجنسية، يعرفه الجميع بمعاشرته الجنسية المتعددة مع "المرابطات" من النسوة الممتهنات للجنس بذلك الموقع، ودائما يفضل أخذ ثلاثة أو أربعة منهن لممارسة الجنس الجماعي، عملية تتم هي الأخرى في صمت ينتقل معها الوباء الفتاك بين الأجساد، دون تدخل لوقف زحف داء فقدان المناعة المكتسبة على المغاربة.
التحقيق لـمجلة مغرب اليوم.