زنقة 20
بقلم: عبد الرحيم أريري
رغم أن المداد الذي كتبت به مواد دستور 2011 لم يجف بعد، فإن الواقع يظهر اليوم أن هناك حاجة قصوى لإجراء استفتاء دستوري عاجل لإدراج باب أغفله المشرع الدستوري، ألا وهو «باب ما جاء في ما قاله لي الملك». فمنذ تعيين عبد الإلاه بنكيران رئيسا للحكومة، وهذا الأخير يقصف المغاربة بقاموس طاعن في المخزنة، ويمطر المغاربة بقاموس طافح بالهلوسة. إذ في كل يوم يحرص بنكيران على ربط أقواله وأفعاله بالملك.

«فالملك قال لي» و«الملك شفت معاه» و«الملك راضي علي» و«الملك عاجبو الحال معانا» و«الملك بارك لنا خطواتنا» و«الملك إلى سمح لي راني ملكي أكثر منو» و«الملك فوق راسنا» و«الملك ما عمرو غضب منا» و«الملك راشقة ليه علينا» و«الملك عزيز علينا» و«ما عمرني ندير شي حاجة تقلق الملك» و«الملك هاذاك اختصاصه وهو اللي عارفو» و«الملك متشبث بنا» و«الملك كيشجعنا»...

إن هذا اللغو الفاضح لعبد الإلاه بنكيران في استغلال اسم الملك يحتاج من الأطباء النفسانيين الانكباب على دراسة هذه الظاهرة، التي إن لم يجرؤوا على الإعلان بأنها حالة مرضية، فلي اليقين أنهم لن يترددوا في اعتبارها حالة غير مفهومة، لكونها ظاهرة تقترب من الهلوسة.

إن بنكيران بدل أن يتحصن بدستور واضح صوت عليه المغاربة بأغلبية كاسحة، نجده يتكلم بلغة غير مفهومة، وكأنه ما زال يشك في أنه عين رئيسا للحكومة.. وبدل أن يحرص على تنزيل الدستور تنزيلا سليما ومحترما للسقف الزمني المحدد، نراه يلهي المغاربة بخطاب مغرق في خلط الهواجس.

فالدستور أطر العلاقة بين السلط كلها، والملك يتمتع بسلطات واضحة ويمارسها بكل وضوح ومسؤولية، تعلق الأمر بسلطاته الدينية أو المدنية أو العسكرية أو الديبلوماسية، بينما رئيس الحكومة سقط رهينة التردد والهلوسة والتبرير الساقط في الميوعة. فالبلاد تعرف مشاكل جمة اقتصاديا واجتماعيا، وكان بنكيران يظن أن «العصيدة باردة»، لكن لما وصل حزبه إلى الحكم وترأس مقاليد الحكومة اكتشف بنكيران عجزه وفشله في ابتداع الحلول والارتقاء بالمغرب نحو الأحسن، لدرجة أن عباس الفاسي ورث من إدريس جطو مغربا مصنفا في الرتبة 123 عالميا فأنزله إلى المرتبة 126. وبنكيران بدل أن يصحح تركة عباس الفاسي، إذا به يهوي بالمغرب إلى أسفل سافلين، ليحتل في الأسبوع الماضي المرتبة 130 هذه السنة في السلم الأممي للتنمية البشرية.

هذه الكوارث التي أصابت المغرب لم يجد لها بنكيران من جواب سوى «قال لي الملك».. وهي سياسة ألفناها في العهد الماضي، إلا أن هذه الألفة كان لها ما يبررها، ألا وهو غياب دستور ذي سقف عال يسمح للوزراء الأولين ولباقي المسؤولين الحكوميين آنذاك بالتحرك، مما كان يعطي شرعية لوزير في عهد المرحوم الحسن الثاني أن يستهل خطبه بقولته الشهيرة: «لقد صيفطني صاحب الجلالة». لكن ما هو المبرر الذي يجعل عبد الإلاه بنكيران يستنسخ روح هذه القولة الآن؟

هناك، في ظني، مبرر واحد، ألا وهو عدم جرأة عبد الإلاه بنكيران في القول: «لقد أخجلني يا صاحب الجلالة احترامك للدستور.. وبالمقابل خذلتك يا صاحب الجلالة.. بعدم تنزيل الدستور. فأنا لست في مستوى تدبير المرحلة حاليا، وأنا لست من عيار ثقيل لأتحمل وعاء دستوريا جديدا، ولهذا أنا أقدم لك استقالتي يا صاحب الجلالة لإجراء انتخابات سابقة لأوانها لاختيار رئيس حكومة جديد قادر على ابتكار حلول لمشاكل المغاربة».


افتتاحية العدد511 
الخميس 21 مارس 2013