زنقة 20

اختطاف الجنازات ليس سوى اختبار لموقف السلطة وليس سوى مسألة لجس نبض المجتمع من طرف هؤلاء السلفيين. إذ أن هدفهم الأسمى ليس هو نقل الخلاف الفقهي حول الدفن إلى المقابر بقدر ما هو الرغبة في خلخلة بنيات التدين المغربي وتقويضها ليتم تعويضها ببني سلفية مشرقية تؤطر المجتمع ككل

إذا كان إكرام الميت هو دفنه، فإن هذا الإكرام تحول إلى احتقار في المدة الأخيرة. فلا الشرطي أصبح يقف لتقديم التحية العسكرية للميت الذي يشيع إلى مثواه الأخير. ولا السائقون أصبحوا يعطون حق الأسبقية في شوارع مدننا لسيارة نقل الأموات والوقوف دقيقة صمت تقديرا للميت الذي يوجد بداخل هذه السيارة. ولا السلطات المحلية والمنتخبة تحرص على أن تكون المقابر مسيجة ونظيفة ومهيأة لاستقبال الميت ليدفن في ظروف آدمية وملائمة لتعاليم ديننا الإسلامي. ولا الحكومة رصدت الاعتمادات اللازمة لشراء الوعاء العقاري لتخصيصه لفتح مقابر جديدة بالعديد من المدن التي تشكو حاليا ندرة في العقار المرصود للدفن.
في ظل هذه التواطؤات الصامتة بين مختلف مكونات المجتمع، تسلل السلفيون إلى المقابر لتوجيه طعنة غادرة إلى أموات المغاربة عبر زرع ميليشيات في المقابر بالمغرب لاختطاف الجنازات عبر إلزام أهل الميت بعدم تشييع هذا الأخير بقراءة الذكر وسورة يس، وذلك بتدخلاتهم العنيفة لإجبار ذوي الهالك بتشييع الميت بالصمت.
هذا السلوك خلق الفتنة ونتجت عنه صراعات وخصومات، وفي أحسن الأحوال اضطرار أهل الميت إلى الرضوخ خوفا من تلطيخ السمعة (سمعة عدم الدفن المبكر، وسمعة الشجار في مراسيم الدفن).
المثير في الأمر ليس هو بروز ميليشيات سلفية تحمل معاول لنسف تقاليد المغاربة التي توارثوها عبر قرون، بل هو الصمت المطبق للسلطات العمومية عن التدخل لحماية التدين المغربي من جهة وحماية حق المواطن في تشييع الميت وفق الطقوس المغربية من جهة ثانية. ثم، وهذا هو الأفظع، عجز السلطات عن اعتماد الخطط الموازية لتجفيف منابع هذا التيار المتشدد.
إذ مازالت الدولة تتبنى سلوكا غبيا في الإعلام العمومي ولم تفلح في توظيفه لاستدعاء العلماء البارزين والمتمكنين ومحاورة الباحثين المتخصصين في الشأن الديني لطمأنة المتلقي ولجعل المغربي يفتخر بطقوسه وعاداته وتدينه، بدل أن يبقى تائها فاقدا للبوصلة، إن لم نقل أن يبقى فريسة سهلة بيد السلفيين.
مراقبون  ذهبوا أبعد من ذلك، إذ اعتبروا تطاول السلفيين على الجنازة باختطافها وتجريد الميت من آخر ما تبقى له من كرامة ليس سوى مقدمة للمرور إلى السرعة القصوى.
«إن اختطاف الجنازات -والكلام لأحد هؤلاء المراقبين- ليس سوى اختبار لموقف السلطة وليس سوى مسألة لجس نبض المجتمع من طرف هؤلاء السلفيين. إذ أن هدفهم الأسمى ليس هو نقل الخلاف الفقهي حول الدفن إلى المقابر بقدر ما هو الرغبة في خلخلة بنيات التدين المغربي وتقويضها ليتم تعويضها ببني سلفية مشرقية تؤطر المجتمع ككل».
وإذا تحقق ذلك لن يبقى أمام أي مغربي سوى أن يكثر من الدعاء لله سبحانه وتعالى لتكون وفاته ببلد آخر قادر على ضمان تشييعه وفق الطقوس المغربية مادامت الدولة عاجزة عن ضمان هذا الحق للمغاربة. عن الوطن الآن.