زنقة 20 . إيلاف

ظهرت استراتيجيات احتجاجية جديدة في المغرب تمثلت في مجاهرة بعض المغربيين بعدم فخرهم بالانتماء لبلدهم، وتفضيلهم الهجرة إلى أي بلد آخر، بسبب شعورهم بالحرمان ونقص الكرامة النابعين من غياب المساواة في توزيع الثروات الوطنية.


ظل تاريخ الاحتجاج الاجتماعي في المغرب مرتبطًا بالتظاهر في المدن الكبرى، حيث العمال ونسب مهمة من المثقفين. وكان الفخر بالانتماء للوطن يعزز هذه الاحتجاجات في زمن تنامت فيه قيم الهوية والانتماء.

إلا أنه خلال السنوات الأخيرة الماضية، وصلت حمى الاحتجاجات إلى العديد من القرى المغربية التي اعتبرت في عداد الأمكنة المنسية، وأتت معززة بأشكالها النضالية المميزة لإثارة انتباه الدولة، قد تكون بالتهديد بالهجرة نحو الجزائر أو التنصل من الجنسية المغربية وطلب جنسية بلد آخر، حتى ولو كانت الجمهورية العربية الصحراوية نكاية في الحكومة والدولة، فيما فضل آخرون الرمي ببطائق هوياتهم أمام المقرات الحكومية احتجاجًا.

ويعتقد ناشطون حقوقيون وباحثون في علم الاجتماع أن أشكال الاحتجاج الجديدة التي تمس الانتماء مسألة طبيعية تشهدها الكثير من دول العالم، وأنها تدخل ضمن الاحتجاج المرتبط باستراتيجيات نضالية.

حق في التعبير

يرى الناشط الصديق كبوري أن أشكال الاحتجاج الجديدة في المغرب، والتي تمس الانتماء للوطن، مسألة طبيعية، وموجودة أيضًا في العديد من دول العالم. وأضاف كبوري لـ"إيلاف": "بالنسبة إلى المغرب، انتقلت الاحتجاجات من المدن الكبرى إلى الهوامش، إذ أن الهامش أو ما يسمى هامش الهامش هو الذي يحتج، لذلك شاهدنا عدة احتجاجات في مناطق بعيدة، في المغرب العميق في مناطق سيدي إفني في الجنوب، وبوعرفة في الجنوب الشرقي، وبني بوعياش في الشمال، ومدن ورزازات زاكورة".

وتتنامى في الكثير من المناطق القروية البعيدة احتجاجات ذات طبيعة اجتماعية، إذ لا يجد بعض المحتجين حرجًا في إعلان رفضهم للهوية المغربية، والتهديد باللجوء إلى بلد آخر، ما دام بلده لا يوفر له كرامة العيش.

وأوضح كبوري لـ"إيلاف": "يدخل الاحتجاج ضمن الحق في التعبير والرأي، إلا أنه أحيانًا يمكن أن يلجأ المواطن إلى أشكال لا تخلو من تصعيد، من بينها إحراق الشهادات العليا بالنسبة للعاطلين، أو الاستغناء عن البطاقة الوطنية والإلقاء بها أمام مقرات السلطات المحلية، أو اللجوء إلى بلد أجنبي".

أضاف: "إنه إحساس المواطن بأنه محروم من صفة المواطنة، التي تضمن له كرامته وحقوقه، مثلما تطالبه بواجباته، وعندما تنتفي هذه الصفة، أو يحس المواطن بأنها لم تعد تنفعه في شيء، قد يفعل أي شيء حتى ولو كان اللجوء إلى إسرائيل".

استراتيجية نضالية

من جهة أخرى، يرى الباحث في علم الاجتماع أحمد بنحوكا أن أشكال الاحتجاج الجديدة التي تمس الانتماء مرتبطة باستراتيجيات نضالية، ناتجة عن ثلاثة عوامل هي الحرمان النسبي ونقص الكرامة وتنامي الوعي.

وأوضح بنحوكا لـ"إيلاف" أن الحرمان النسبي هو الشعور بنقص الكرامة وباللامساواة واللاعدل، حيث تجابه هذه المجموعات الدولة التي تفضل توزيع النعم على فئات اجتماعية أخرى.

أضاف: "عندما يقارن الافراد وضعياتهم مع الوضعيات الاجتماعية للفئات الأخرى ينتج عنه نوع من الاحتجاج ومن نقد الواقع من أجل تغييره، وهي استراتيجية نضالية تعمل وفقها الفئات الاجتماعية التي تعتبر نفسها مهمشة، والتي تنظر إلى وضعها السوسيو اقتصادي الذاتي بأنه أدنى من وضع المجموعات الاجتماعية الأخرى، وتنخرط في أشكال احتجاجية جديدة".

وتابع قائلًا: "عندما نهدد بالتنصل من الهوية الوطنية، أو بالهجرة إلى الجزائر، أو المطالبة بجنسية أخرى، فهذا لا يعني أن ظروف عيش هذه الفئات الاجتماعية ستكون بخير في دولة مغايرة، ولكنها استراتيجية نضالية تهدف إلى الضغط أكثر على عنصر أساسي في الدولة المتمثل في المعطى السكاني، الذي يشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر تشكيل الدولة".

لا يفخرون بوطنيتهم

يعتقد بنحوكا أن المجموعات الاجتماعية تلجأ إلى التنصل من الهوية محاولة دفع الدولة إلى إعادة النظر في ظروف عيش تلك المجموعات الاجتماعية، وأوضح: "حينما تقوم مجموعة اجتماعية معينة بالاحتجاج ضد السلطة حول مشاكل متعلقة مثلًا بالأرض أو بغلاء المعيشة، وتحتل الشارع العام أو تهدد باللجوء إلى بلد آخر، فإن هذه المجموعة تود أن توصل رسالة إلى الدولة كونها لا تتمتع بالكرامة المنصوص عليها في النصوص القانونية، على أرض الواقع، فمسألة الكرامة موزعة اجتماعيًا بشكل متفاوت".

وأكد أن الإحساس باللاكرامة وبالحرمان النسبي هو الذي يجعل الأفراد يفكرون في أشكال احتجاجية جديدة. وأضاف متسائلًا: "وهناك تنامي الوعي، إذ ماذا يعني الانتماء الوطني بالنسبة إلى شخص محروم من الأكل والعيش ومن الوضع الاجتماعي اللائق به؟"

وأشار إلى أن مجموعة من الدراسات الاجتماعية الأخيرة حول المغرب لاحظت أن الافتخار بالوطنية عند المغربيين بدأ يقل رويدًا رويدًاـ "وهنا تكمن مجموعة من العوامل المسؤولة علينا تحليلها وتدقيقها".

عدم الكرامة

يقدم بنحوكا مثالًا هو ناشطو حركة 20 فبراير الاحتجاجية. يقول: "50 في المئة منهم لا يفتخرون بمغربيتهم، ونلاحظ أن ذلك يرتبط ارتباطًا دالًا من الناحية الإحصائية مع تطور نوع من القيم تسمى القيم ما بعد المادية".

وأوضح أن التحولات القيمية التي وقعت على مستوى وعي المواطن المغربي والوعي بالسلطة وبسجلات الوعي المتعلقة بالعلاقات التراتبية مع رموز السلطة، تعطي أشكال احتجاج جديدة,
وأكد على أن المغرب ما زال مقبلًا على احتجاجات جديدة، "فهذه ليست إلا البداية، لأن المغرب يشهد تحولات قيمية كبيرة إضافة إلى التفاوتات الاجتماعية التي تنتج الحرمان النسبي الذي يمنح الإحساس بعدم الكرامة".