زنقة 20

زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المملكة المغربية استمرت يومين (الأربعاء والخميس)، وشهدت برنامجا مكثفا شمل مختلف المجالات التي تربط بين المغرب وفرنسا.

وتأتي هذه الزيارة، حسب المراقبين، في سياق شديد الحساسية بالنسبة للبلدين، ففرنسا تعيش أزمة اقتصادية خانقة وتشن حربا في مالي على ما يسمى بالقاعدة في المغرب العربي، أما المغرب فيريد حلا مستعجلا لقضيته الأولى وهي الصحراء، وأيضا يطلب مزيدا من الدعم الاقتصادي والسياسي من فرنسا التي ظلت دائما الشريك الأول له.

زيارة متأخرة.. لكن حاسمة

"اشتراكي في الإليزي"، هذه العبارة كانت هي التعبير الأمثل للقلق الذي شعرت به السلطات المغربية بعد إعلان انتخاب فرنسوا هولاند ووصوله إلى قصر الرئاسة بدل نيكولا ساركوزي الذي كان يعتبر صديقا للنظام المغربي.

وكرد على هذا الوضع قام الملك محمد السادس بزيارة سريعة مباشرة بعد انتخاب هولاند، إلى فرنسا في محاولة للتأكد من مواقفه حول القضايا الحساسة للرباط مثل الصحراء الغربية والدعم الاقتصادي الفرنسي والأوربي عموما.

وبعد الزيارة الملكية السريعة توقع الجميع أن يقوم الرئيس الفرنسي بالمثل، كما يشرح لموقع "راديو سوا" عبد الفتاح البلعمشي رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية، خاصة أن التقاليد جرت أن تكون الرباط هي الوجهة الاولى لأي وافد جديد على قصر الإليزي.

هذه التوقعات لم تتحقق كما يضيف البلعمشي، فقد قرر هولاند أن تكون الجزائر العاصمة هي محطته الأولى. ويفسر الباحث في مجال العلاقات الدولية هذا الامر بكون الرئيس الفرنسي كان منشغلا منذ أيامه الأولى بملف الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء وبالأزمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تعيشها فرنسا ومعها كل دول الاتحاد الاوربي، والجزائر بعلاقاتها الواسعة بدول الساحل والصحراء ومواردها النفطية الضخمة كانت لها الأولوية في أجندة هولاند.

وبعد التدخل في مالي وطرد المقاتلين الجهاديين منها، تمت برمجة زيارة الرباط من أجل تباحث الملفات العالقة بين فرنسا والمغرب، خاصة مواصلة الحرب على الإرهاب والتعاون الاقتصادي وأيضا ملف الصحراء الغربية.

حل قضية الصحراء.. ضرورة عاجلة

تنفست الرباط الصعداء بعدما ألقى الرئيس الفرنسي كلمة أمام البرلمان المغربي، رحب فيها بما وصفه بأنه "خطوات حاسمة" يخطوها المغرب تجاه الديمقراطية، مؤكدا على "الطابع المستعجل" لإيجاد حل متفاوض عليه لنزاع الصحراء الغربية.

وقال هولاند، حسبما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، إن المغرب "يقوم كل يوم بخطوات حاسمة تجاه الديمقراطية"، مشيدا باهتمام المغرب بضمان "وحدته الترابية" على أساس "الاعتراف بتنوعه"، مؤكدا أن واجب فرنسا هو مواكبته على هذا الطريق.

واعتبر هولاند خلال حديثه عن "هذا النزاع الذي ينتظر حله منذ أكثر من ثلاثين سنة"، أن "أزمة الساحل جعلت إيجاد حل لإنهاء الوضع القائم (في الصحراء) أكثر استعجالا".

وأفاد هولاند بخصوص المقترح المغربي "أقولها لكم هنا ومرة أخرى، إن مشروع الحكم الذاتي الموسع المقترح من طرف المغرب في 2007 هو قاعدة ومنطلق جدي وذو مصداقية في أفق حل متفاوض عليه".

شراكة اقتصادية لتجاوز الأزمة

زيارة الرئيس الفرنسي حملت أيضا دعما اقتصاديا للشركات المغربية، فقد تم توقيع حوالى 30 اتفاقية بين الطرفين بلغت قيمتها 300 مليون يورو خاصة في مجال النقل، وتعهد هولاند بالعمل على حث رجال الأعمال الفرنسيين على الاستثمار أكثر في المغرب لاسترجاع مكانة الصدارة في العلاقات التجارية مع المغرب بعد ان فقدت هذه المكانة لصالح اسبانيا.

وصرح هولاند لإذاعة "ميدي 1 تي في" أن المغرب يعتبر الشريك الأول لفرنسا، لكن فرنسا ليست المصدر الأول لهذا البلد وعلى الشركات الفرنسية أن تعمل أكثر لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين أكثر.

وعرض هولاند أمام مديري الشركات المغربية والفرنسية، فكرة موسعة عن "الترحيل المشترك" للخدمات التي تجمع بين الشركات المغربية والفرنسية في عدة مجالات، وتساهم في خلق وظائف لفائدة الطرفين إذ تعمل في المغرب 800 شركة فرنسية تساهم في تشغيل 200 ألف مغربي.

ويقول الباحث عبد الفتاح البلعمشي لموقع "راديو سوا" إن الفرنسيين كانوا متخوفين على مصالحهم الاقتصادية من صعود الإسلاميين إلى الحكم في المغرب لكن الزمن أثبت ألا شيء تغير في العمق، وأن العلاقات بين الرباط وباريس ظلت أقوى من المتغيرات الاقتصادية.

معا ضد الإرهاب في مالي

زيارة هولاند إلى المغرب كانت فرصة شكر فيها المغرب على دعمه لفرنسا في التدخل العسكري الذي قامت به في مالي ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، فقد قال الرئيس الفرنسي لإذاعة البحر الأبيض المتوسط "ميدي 1" إن الملك محمد السادس ساند منذ اليوم الأول مجهودات فرنسا لدحر المقاتلين الجهاديين في المدن المالية.

وأضاف أنه يتطلع إلى أن ينخرط المغرب في المجهودات السياسية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في مالي وتنظيم انتخابات في هذا البلد وتشكيل حكومة ديمقراطية وقوية.

وعلق رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية على هذا الأمر بالقول إن المغرب فتح أجواءه للطيران الفرنسي، ودعم سياسيا وماديا تدخل القوات الفرنسية في ذلك البلد لأن "موقف الإدارة المغربية كان دائما منسجما مع موقف الفرنسيين بخصوص مسألة الإرهاب".

حقوق الإنسان 

أما بخصوص لقاء هولاند بهيئات المجتمع المدني المغربي، فينتظر أن تطرح معه مسألة حقوق الإنسان، خاصة بعد توجيه كل من منظمتي "هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود" العديد من الانتقادات للسلطات المغربية بخصوص حرية التعبير ومحاكمات النشطاء السياسيين.

وقد حيا الرئيس الفرنسي الأربعاء في كلمة له أمام الجالية الفرنسية "الانتقال الديمقراطي الذي يلتزم به المغرب وتسارع مع تبني دستور جديد"، معترفا في الوقت نفسه بأنه "ما زال هناك كباقي الديموقراطيات، أشياء غير مكتملة، وتحسينات منتظرة".

وأشار هولاند كذلك إلى أن اعتماد دستور جديد في صيف 2011 في خضم الربيع العربي مكن المغرب من أن يسيطر على "التغيير الذي اختاره، وهذا ليس بالأمر السهل"، مشيرا إلى سياقات الربيع العربي "الواعدة من جهة والحاملة للخطر من جهة ثانية"، وأضاف "لهذا السبب يجب علينا درء جميع التهديدات".

عن: راديُو سوا