بعد الانتصار الذي حققه المغرب مؤخرا في قضيته العادلة المتعلقة بالصحراء، والفوز التاريخي على أعداء الوحدة الترابية في الداخل والخارج وحتى ممثلي مؤسسة كينيدي ومن ناصرهم من قلب واشنطن، خرج الشارع المغربي محتفلا بهذا الانتصار الذي يعبد الطريق إلى غاية استرداد جميع أقاليمنا المتنازع عنها.
خروج المواطنين وقبلهم الديبلوماسية المغربية بجميع أنواعها وأشكالها، كان له سبب وجيه وهو صمود المقترح المغربي أمام طرح جون كيري صديق مؤسسة كينيدي الداعمة للطرح الانفصالي، وتحقيق فوز معنوي، أكيد أنه سيعيد تشكيل موقف الديبلوماسية المغربية من دفاعية إلى هجومية بعد أن كسبت معركة توسيع صلاحيات المينورسو في انتظار كسب الحرب كاملة.
اليوم وبعد أن سحبت الولايات المتحدة الأمريكية مسودة قرارها المتعلق بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، هذا الطرح الذي رفضه المغرب جملة وتفصيلا نظرا لما يمثله من ورقة قد تكون رابحة لأصحاب أطروحة الانفصال، الذين يوظفون جميع الطرق من بينها الكذب والبهتان وتلفيق التهم وغيرها من الأساليب لخدمة قضية تبقى في الأول والأخير عادلة بالنسبة للمملكة المغربية وخاسرة بما تحمل الكلمة من معنى للجمهورية الواهية وراعيتها الرسمية الجزائر.

فرحة المغاربة وصدمة البوليساريو

الفرحة عمت وجمعت أبناء الوطن وأحدثت شرخا في قلوب الانفصاليين من الداخل والخارج، ما جعل فرحنا حزنا لهم وقرع أكواب الانتصار بمثابة مأتم عندهم، وما جعل  أيضا أوراقهم تختلط فعمدوا إلى أساليب أكل عليها الظهر وشرب وباتت حيلا قديمة لا تنطال حتى عمن جاؤوا بالاستقلال سنوات السبعينات والستينات من القرن الماضي.
في صورة معبرة تدل على روح الوحدة الوطنية والالتفاف صفا واحدا في قضية المملكة الأولى اجتمع شيوخ ومنتخبو مدينتي العيون وبوجدور لتأكيد وطنيتهم ووحدتهم وشجب كل أنواع التمييز والانفصال في منطقة الأقاليم الجنوبية، إذ شكل لقاء وسائل الإعلام الوطنية بوالي وشيوخ المنطقة لتباحث آخر مستجدات ملف قضية الصحراء، فرصة حقيقية أمام منتخبي وممثلي الأقاليم الصحراوية، من أجل إعادة الانتماء للوطن والتأكيد على أن الوحدة خيارهم الأول منذ الاستقلال سنة 1975، وأن مقترح الحكم الذاتي هو الحل الأمثل للنزاع المفتعل في الصحراء.
من قلب مدينة العيون انتصرت الوحدة وخرج ممثلو وشيوخ القبائل بقناعة رسخت في أذهان أجدادهم وآبائهم من قبل، مفادها أن وحدة الأراضي المغربية أغلى من أي مزايدات رخيصة بإمكانها أن تعصف بمستقبل الأقاليم والمملكة ككل، وتجعلها بين سندان الانفصاليين ومطرقة الجزائر، هاته الأخيرة التي تدافع عن تقرير مصير الشعب الصحراوي ولا ترضاه لقبائل "الطوارق" و"القبايل" داخل الديار الجزائرية.
حرارة الهزيمة التي تعرضت لها الجزائر وربيبتها البوليساريو في آخر اللحظات، جعلت تكتيكها يتغير وبدأت في تعبئة بعض من أنصارها في الداخل والذين لا يتعدى عددهم 100، عن طريق دفعهم للخروج في مظاهرات احتجاجية وفبركة صور وفيديوهات تبين تعرضهم للضرب من قبل رجال الأمن، إلا أن خطة الانفصاليين باتت ورقة مكشوفة للكل خاصة قوات حفظ الأمن، التي أخذت تعليمات بعدم الاقتراب من المحتجين رغم كل المضايقات التي يتعرضون لها.

مشايخ الوحدة

انطلاقا من محمد خليل الدخيل، والي جهة العيون-بوجدور-الساقية الحمراء، الذي تكلم بصفته صحراويا وابن المنطقة، أكد أن الانتصار الأخير الذي حققه المغرب هو تاريخي يدل على عدالة القضية الوطنية، مؤكدا أن الجذور التاريخية ضاربة في الزمن وتبرز مغربية الأقاليم الصحراوية المتنازع حولها، معتبرا أن الصحراويين اختاروا مبدأ الوحدة طواعية وأنهم رفضوا تشكيل دولة منذ 37 سنة بتحريض من إسبانيا، نظرا لارتباطهم اللامشروط بالمغرب وإيمانهم بوحدة المصير، وأنه لا يمكنهم اليوم إلا الدفاع عن قضية الوطن صفا واحدا مع باقي المغاربة، مشيرا إلى أن خيار الانفصال يأتي من خارج الأقاليم الصحراوية عن طريق جهات لم يسمها.
ما ذهب إليه خليل الدخيل ثمنه أعيان وشيوخ قبائل العيون، إذ أكد حسنة الركيبي، شيخ من شيوخ القبائل، في تصريح لـ"مغرب اليوم"، أن البوليساريو اليوم بدأت تفقد صيتها الخارجي منذ وقف إطلاق النار، إضافة إلى الانتصار الهام الذي حققه المغرب اليوم بفضل جهود الكل خاصة تدخل الملك محمد السادس، ما جعل الارتباك واضحا على قادة البوليساريو خاصة وأن العائدين إلى أرض الوطن في ارتفاع كبير، ما يجعل موقف الانفصاليين في توظيف مسألة حقوق الإنسان واللعب على هذا الوتر ضعيفة علما أنها مغيبة تماما في تندوف ومعتقلاتها.
من جهته أعرب أحمد الخريف، كاتب الدولة في الحكومة سابقا ومستشار برلماني في العيون، أن ملف قضية الصحراء وما حازه من تقدم مهم، يجب تثمينه وتزكيته عن طريق العمل وتكاثف الجهود، معربا أن البكاء على الأطلال غير مفيد في ما يتعلق بالديبلوماسية المغربية، التي أبانت عن تعثرها، موضحا أن المغرب يجب عليه الاستفادة من هذه الأخطاء والعمل على إيجاد رؤية مستقبلية لتدبير الملف يتخللها وضع استراتيجية واضحة المعالم لمعالجة القضية الوطنية الأولى سواء تعلق الأمر بتقوية الجبهة الداخلية أو الخارجية اعتبارا للديبلوماسيتين الرسمية والموازية على حد سواء.
بين العيون وبوجدور لم تختلف الرؤى وتوحدت المعالم، وكانت خطب شيوخ بوجدور عن تشبثهم بالوحدة الوطنية ورفضهم للطرح الجزائري القاضي بعزل المغرب عن صحرائه التي تربطه بها أواصر اللغة والدين والتاريخ والبيعة، مبرزين استعدادهم للدفاع عن وحدة بلادهم، إذ أشار خيي علي، رئيس المجلس القروي لجماعة المسيد، أن إقليم بوجدور معروف بوطنيته وأن بعض الظواهر التي يعرفها الإقليم مؤخرا هي بالتأكيد تتنافى معنا ومع اختياراتنا، وهي ناتجة عن بعض الوافدين من الخارج، مؤكدا أن الوطنية واختيار الوحدة هو موروث عن الآباء والأجداد، وينم عن مبدأ لساكنةٍ دافعت وحاربت الاستعمار الإسباني ولن تقبل بالمزايدات في ملف قضية الوطن الأولى.
بدوره أعرب محجوب دبتا، برلماني سابق وأحد شيوخ إقليم بوجدور، أن بعضا من مرتزقة الانفصال بدؤوا في التلويح بهذه الورقة، من أجل الحصول على امتيازات غير مقبولة بتاتا، ولا تنم عن الحس الوطني وتبغي مسائل لا نرضاها عن أنفسنا، مؤكدا أن خيار الوحدة لا يقبل مساومات رخيصة ينتهجها الطرف الآخر لاستمالة أشخاص لا ضمير ولا مبادئ لديهم.

مرتزقة الانفصال

في ظرف خمسة أيام، انطلاقا من يوم الجمعة الموافق لـ26 من شهر أبريل إلى غاية يوم الثلاثاء 30 من نفس الشهر، شهدت مدينتا العيون وبوجدور، خروج شرذمة من الانفصاليين الموالين لطرح تقرير المصير، خاصة بعد القرار الأخير لمجلس الأمم المتحدة القاضي بعدم توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء، هذا القرار الذي لم تستسغه جبهة البوليساريو وداعمتها الجزائر، ما جعلها تعتمد سياسة تحريض بعض المرتزقة المأجورين وأغلبهم من الأطفال القاصرين والنساء، كذروع بشرية، من أجل استفزاز رجال الأمن ودفعهم إلى استعمال القوة بعد رشقهم بالحجارة والزجاجات الحارقة، من أجل ترويج ونشر صور عن الانتهاكات الأمنية المتواجدة في المنطقة، إلا أن سياسة التحريض انبرى لها رجال الأمن وباتت ورقة محروقة لشرذمة مرتزقة تتقاضى حسب مصدر معلوم 200 درهم بعد كل خرجة احتجاجية، ناهيك عن 500 درهم لكل من استطاع أن يستفز رجلا من رجالات الأمن.
خرجات المرتزقة المتكررة وسياسة الكر والفر التي يعتمدها أطفال ونساء الانفصال، لم تعد تقلق المواطنين، فرغم استنكار أغلب ساكنة العيون وبوجدور لطرح الانفصال، إلا أنهم تعايشوا مع وضع هؤلاء، مؤكدين أنهم نقطة سوداء في وجه الإقليم خاصة وأن قضيتهم ليست ناجمة عن مبدأ واختيار بل من أجل الارتزاق وتقاضي مبلغ من قبل جهات محددة لا يرضيها استقرار المملكة ووحدة أراضيها.

المجتمع المدني..يرفض الانفصال

أبدت العديد من جمعيات المجتمع المدني والفاعلين الجمعويين، استنكارهم خروج بعض من المرتزقة للشارع العام وعرقلة الطريق، ورفعهم لعلم البوليساريو في شوارع المملكة، كما أشاروا إلى دور المجتمع المدني في ملف القضية الوطنية التي تحتاج تكاثف الجهود والعمل في إطار الديبلوماسية الموازية بشراكة مع الأحزاب والبرلمان، وقد أشار الحيرش عبد الله، الخبير الوطني في التنمية البشرية، في تصريح لـ"مغرب اليوم" أن الوضع في الصحراء متحرك ويتطلب حضورا وازنا ومتتبعا للمجتمع المدني، من أجل تأطير الشباب والتأكيد لهم أن الصحراء جزء لا يتجزأ من الوطن، وأنه لا بد من تشخيص المشكل من أجل إيجاد الحل، من جانبه أبدى مولاي أحمد الليلي، فاعل جمعوي، امتعاضه من تجاهله بعض المسؤولين لما أسماهم الصحراويين الحقيقيين، مؤكدا أن المجتمع المدني يعرف تواجد وحدويين حتى النخاع يجب الاستفادة منهم وتعبئتهم من أجل الوقوف ضد طرح الانفصال. بدوره لم يخف باري محمد، رئيس اتحاد الناشرين بالأقاليم الصحراوية، دور المجالس المنتخبة في قضية الصحراء وذلك عكس ما كانت عليه في السابق، مشيرا كذلك إلى أن الدولة المغربية تواجه تيارا قويا "للبترودولار" من قبل الجزائر، التي تعتمد سياسة التغرير بأبناء الوطن، وأنه لا بد اليوم للجهات المسؤولة بما فيها المجتمع المدني أن تنزل بقوتها من أجل الحد من ظاهرة التغرير بالأطفال والشباب والحد بمن يهدد استقرار المنطقة والوطن ككل.

أميناتو حيدر وأمنستي يفبركان

كشفت صور فيديو تواطأ امرأتين من منظمة أمنستي في فبركة فيديو لضحايا وهميين في أحداث العيون، إذ أبان الفيديو ترجل المسؤولتين من سيارة الانفصالية أميناتو حيدر، لتفقد عائلة ما يسمى بضحايا التدخل الأمني في مظاهرات، وهو ما يؤكد وبالملموس تواطأ المنظمة الحقوقية أمنستي في مسرحية حقوق الإنسان التي ترقص على أوتارها الجزائر والبوليساريو وترقص على إيقاعاتها الانفصالية أميناتو حيدر.  
الأمن يكشف خطط البولساريو

رغم تعرض أزيد من 70 من رجال الأمن والقوات المساعدة لإصابات، كانت إصابة اثنين منهما بليغة بعد رشقهما بالحجارة والزجاجات الحارقة واستعمال العصي وغيرها من الأساليب التي تتنافى مع التظاهر السلمي التي تدعو له هذه الجهات ويلقى ترحيبا من قبل إدارة الأمن، كدلالة واضحة عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تنعم بها المملكة، إضافة إلى كشف ولاية الأمن سيناريو البوليساريو الذي يعمد إلى الاستفزاز من أجل التقاط صور مفبركة، مثل صورة الإصبع المبتور للمرأة المرتزقة الذي روج على أنه من فعل رجال الأمن كما تناقلته بعض المواقع المحسوبة عن تيارات مشكوك في توجهها، في حين أن حقيقة الأمر حسب شاهد عيان ناتج عن إغلاق الباب عليها من طرف صديقتها. وحسب محتات عبد الباسط، والي الأمن بمدينة العيون، أكد أن "الوضع الذي نعيشه اليوم حالة استثنائية تتطلب عملا خاصا، ونحن نؤمن بأن رجل الأمن أول من يرسخ طابع حقوق الإنسان، وهذا ما نعمل عليه بترك هذه الأقلية من الانفصاليين إلى الاحتجاج، مع الإشارة إلى أن أساليبها الاستفزازية باتت مكشوفة اليوم، وأنه من الطبيعي بعد الصدمة القوية التي تلقتها البوليساريو أن تكون هناك ردة فعل، وهو ما كان بعد خروج شرذمة قليلة من الانفصاليين للشارع العام وبالتحديد شارع السمارة من أجل احتلاله ورشق رجال الأمن بالحجارة وعرقلة السير والتهجم على ممتلكات الغير، وهي أمور أخذناها بعين الاعتبار ونعمل بما يكفله القانون من إنذارات وإشعار للنيابة العامة وبتعليمات من والي الجهة، وهذا كله من أجل استتباب الأمن والحفاظ على الحياة الطبيعية للمواطنين".

المشكل والحل في قضية الصحراء

بعد النقاش المستفيض مع أعيان وشيوخ المنطقة بالأقاليم الجنوبية، كانت هناك بعض المؤاخذات من أجل تشخيص المشكل، الذي اعتقده البعض سياسيا محضا، واعتبره الطرف الآخر اقتصاديا واجتماعيا، إذ أكد أحمد خريف أن المشكل اليوم سياسي يتطلب رؤية مستقبلية للوضع من أجل تقوية الجبهتين الداخلية والخارجية، ويتطلب إشراك المواطن الصحراوي في الملف خاصة أنه المعني الأول بكل الحيثيات والتطورات، في حين رأى فيه لحسنة الركيبي أعمق من ذلك إذ تتداخل فيه العائلة والقبيلة، بعضهم وحدوي اختار المغرب وطنا له وقضية الصحراء قضيته، وبعضهم اختار الانفصال ما جعل الوضع صعبا على بعض العائلات التي اختارت راية المملكة وانكوت بنار الفراق مع الأحباب.
الجانب الاجتماعي والاقتصادي كان حاضرا بقوة، خاصة بعدما أكد أحد شيوخ القبائل أن الفقر يولد الانفصال، وهو معطى وتصريح قوي يجب أخذه بعين الاعتبار، خاصة وأن تمويل الجزائر للانفصاليين كبير ما خلق مرتزقة الانفصال، وهي أمور عمد المجلس البلدي والمنتخبون على استشعارها ما دفعهم إلى فتح أوراش عمل كبرى بإمكانها أن تمنح فرص شغل للمواطن الصحراوي وتقيه من تغرير الجزائر وربيبتها البوليساريو.
 وتبقى أهم المشاريع التي سترى النور في غضون الأشهر القليلة القادمة ميناء بوجدور، إضافة إلى العديد من الأوراش ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والبيئي التي بدأت الأشغال بها بمدينة العيون لعل أبرزها المسبح الأولمبي ومكتبة العيون وغيرها من المشاريع التنموية الأخرى.
لكن يبقى الإجماع واحدا بين جميع مكونات الأقاليم الصحراوية على ضرورة تفعيل الجهوية الموسعة بالمناطق والأقاليم الصحراوية، إلى تطبيق مقتضيات الحكم الذاتي الذي لقي ترحيبا من قبل المجتمع الدولي  .

عن مجلة مغرب اليوم