كيف تشتغل الآلة الإعلامية للبوليساريو من داخل المغرب وما هي الأذرع الإعلامية لـ"الجبهة"؟؟
زنقة 20
رغم عدم سماع دوي المدافع وأزيز الطائرات الحربية بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو ومعها الجزائر من جهة ثانية، تنفيذا لاتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، مازال الوجه الآخر للحرب مشتعلا ولم يهدأ. حرب لا تسقط أرواحا ولا تدك بيتا، وإنما تحريض وإثارة ضد المغرب من قبل الآلة الإعلامية لجبهة البوليساريو وداعميها في الجزائر وأوربا وأمريكا. حرب ابتدأت بما سمي في السبعينيات «حرب الترانزيستور»، تذيع عبر الموجات القصيرة والمتوسطة خطابات عسكرية من إحدى «المحطات الإذاعية لجبهة البوليساريو» من مخيمات تندوف. حرب أثبتت حضورا متقدما لخصوم المغرب، حيث أصبح الفضاء الإكتروني يعج بمئات المواقع الإخبارية والاجتماعية والثقافية والرياضية والسياسية، إلى جانب الإعلام الصحراوي الرسمي ممثلا في وكالة أنباء وراديو وتلفزيون. وهو ما يطرح السؤال حول هذا الحضور الإعلامي مقارنة مع الفقر الإعلامي للمغرب، ممثلا في مكونات القطب الإعلامي العمومي والإذاعات العمومية والخاصة.. وقبل ذلك يطرح السؤال حول تقييم تجربة «قناة العيون» التي وجدت خصيصا من أجل التصدي لهذه الآلة الإعلامية للخصوم، وكيف أصبحت آلة البوليساريو تستبق نقل الأحداث من عمق العيون والداخلة والسمارة، في الوقت الذي تتردد فيه قناة العيون عن نقل احتجاج اجتماعي بسيط.. وهو ما جعل عددا من الصحون المقعرة في الأقاليم الصحراوية وأوربا تتجه نحو القمر الاصطناعي «أنتل سات 14» من أجل معرفة ما يجري ويدور في الأقاليم الصحراوية.. ولأن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن مهام الآلة الإعلامية لجبهة البوليساريو، لم تعد تقتصر على تكوين رأي عام صحراوي فقط، بل تعدته لحشد تعاطف رأي عام دولي مناصر لها تقدم نفسها فيه على أنها ضحية، وذلك من خلال تصيد أشرطة مرئية تصور لشطط في استعمال السلطة في الأقاليم الصحراوية، مقدمة إياه على أنه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان..
الأذرع الإعلامية لجبهة البوليساريو
* وكالة الأنباء الصحراوية: تأسست يوم 29 مارس 1999، «للرفع من مستوى الوعي بالحقائق التي تشهدها قضية الصحراء»، حيث نشرت أولى برقياتها على الأنترنيت باللغة الفرنسية بتعاون مع بعض «أصدقاء الشعب الصحراوي» في سويسرا وإسبانيا. وهي اليوم تبث نشراتها باللغات العربية والإسبانية والإنجليزية والروسية، كما لها روابط على أشهر المواقع الاجتماعية على الأنترنيت. ويفوق عدد نشراتها الشهرية المائتين. وتتصدر أنشطة محمد عبد العزيز، زعيم البوليساريو، واجهتها الإخبارية. أما بالنسبة لهيكلتها فهي تتكون من مديرها العام لمحاميد سيدي محمد، وهو موريتاني الأصل، ورئيس تحريرها محمد فاضل سيدي، إلى جانب رؤساء الأقسام باللغات المذكورة.
* التلفزيون الصحراوي: في يوم 20 ماي 2013، ستطفئ هذه القناة، التي انطلقت سنة 2009، شمعتها الرابعة. يديرها محمد سالم أحمد لعبيد. ويشتغل في التلفزيون ما بين 30 و40 صحافيا، إلى جانب عدد من التقنيين الذين من بينهم من كان يشتغل في محطة العيون الجهوية (سيدي صالح محمودي، صالح بنان، بادي عبد ربو..). وحسب خطها التحريري، فإنها «تهدف إلى كسب الرأي العام الدولي وإسماع صوت الشعب الصحراوي وقضيته في التحرر وتصفية الاستعمار». تعود أولى محاولات البث التلفزيوني الصحراوي لمرحلة ما بعد وضع الحرب العسكرية أوزارها، بين المغرب وجبهة البوليساريو، في بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث تمت التجربة الأولى سنة 2002، وتطورت سنة 2004، بالاقتصار على البث الأرضي، وفيما بعد البث الفضائي، على القمر الصناعي «أنتل سات»، حيث تبث برامجها من منطقة الرابوني «العاصمة الإدارية والعسكرية» بالأراضي الجزائرية، بين 4 و8 ساعات يوميا بشكل متقطع، بنشرتي أخبار، وفقرات ثقافية وفنية وسياسية، تعالج محورا واحدا وهو أن المغرب دولة احتلال، وهي أقرب إلى فضائيات كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية، وقبل ذلك اليمن وليبيا. أما بالنسبة لتمويلها، فالجزائر حاضرة بقوة في الدعم المالي واللوجستيكي وأيضا التكويني.. كما يتلقى التلفزيون الصحراوي دعما من عدد من ما يسمى «جمعيات الصداقة مع الشعب الصحراوي في أوربا».
* «الصحراء الحرة»: أسبوعية وطنية، يرأس تحريرها محمد التاقي، وهو عضو ما يسمى بـ «المجلس الوطني الصحراوي»، فيما يزال الراحل الولي مصطفى السيد مديرها الشرفي. وتعد هذه الجريدة الورقية الوحيدة الصادرة من مخيمات تندوف، في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر إعلامية عن «إكراهات جمة تعترض الصحافيين العاملين فيها». وحسب نفس المصادر، فإن مقر الجريدة «يتوفر على جهاز مكيف واحد عاطل عن العمل وقاعة عمل واحدة لاتتعدى أربعة أمتار».
* «الإذاعة الوطنية»: تعد الوسيلة الإعلامية الأولى التي اتخذتها جبهة البوليساريو ذراعا حربيا ضد المغرب منذ بداية الحرب العسكرية، منتصف السبعينات من القرن الماضي، حيث كانت تذيع البلاغات العسكرية على خلفية المعارك. وإلى جانب الوصلات الفنية باللهجة الحسانية، كانت تذيع بعض أغاني مجموعات جيل جيلالة ولمشاهب وناس الغيوان.. التي كانت تنتقد آنذاك الأوضاع السياسية والاجتماعية بالمغرب. كما كانت تذيع مناشدات أسرى مغاربة، تنتزع منهم بالإكراه وتحت التهديد، الغرض منها التأثير في نفسية الجنود المغاربة. وهي اليوم مستمرة في نشاطها الإذاعي التحريضي ضد المغرب.
* الفريق الإعلامي الصحراوي: تعد استكمالا للتجربة الإعلامية لما سمي خلال أحداث 2005 بالعيون «الجناح الإعلامي لانتفاضة الاستقلال»، وهي مختصة في التصوير المرئي والفوتوغرافي. إذ بلغ عدد «الفيديوهات» ما يناهز 528 شريط بين شهري أبريل 2011 وماي 2013، تتبعها أكثر من مليون ومائة ألف مشاهد عبر موقع «اليوتوب». والملاحظ أن هذا الفريق يشتغل بكاميرات عالية الجودة، حيث يتم تتبيثها من أعلى المنازل حيث تقع بعض الأحداث في العيون وغيرها من الأقاليم الصحراوية، وكذا من المواقع الجامعية. كما يجري استجوابات مع المناصرين لجبهة البوليساريو في الصحراء.
* المستقبل الصحراوي: تعتبر أول مجلة صحراوية «مستقلة»، تأسست عام 1999، ويشتغل فيها شباب ولد في مخيمات تندوف وتلقى تعليمه في كوبا وسوريا وليبيا والجزائر وإسبانيا. وتقدم المجلة نفسها على أنها صوت المعارضة للقيادة التقليدية في جبهة البوليساريو، مطالبين بالتغيير والتصدي العسكري للمغرب في قضية الصحراء. ورغم قدمها، فإنها لم تصدر لحد الساعة سوى 14 عددا. وتطبع 500 نسخة. أما هيئة تحريرها فتتكون من أحمد بادي، السالك صلوح، لمين بكار، سعيد زروال.
* شبكة اميزرات الإعلامية: من الشبكات الإعلامية التي لها دور كبير في التغطية الإعلامية داخل الصحراء وخارجها بالصوت والصورة، مرورا بقضايا المعتقلين السياسيين والمعطلين والطلبة الصحراويين.. حيث تبث برامجها الإذاعية المباشرة من النرويج، عبر شبكة الأنترنيت اعتمادا على مراسلين موزعين على الأقاليم الصحراوية والمواقع الجامعية وفي أوربا وأمريكا.. وهي تغطي إعلاميا جميع الأحداث الصحراوية منذ 27 شتنبر 2009. كما تعتمد الشبكة على موقعها على الأنترنيت «radiomaizirat.com» وعلى غرفة الدردشة «البالتوك». وحسب بعض المعطيات التقنية، فإن عدد مستمعيها في كل حلقة يصل لنحو 600 مستمع. أما حسب موقع «يوتوب»، فإن مقاطع الفيديو التي تم وضعها بين شهري أبريل 2012 و2013 بلغ 430 شريط فيديو، يوثق لأحداث وقعت في الأقاليم الصحراوية أو في أوروبا، وتترواح مدتها الزمنية بين 5 و10 دقائق، تتبعها 325 ألف مشاهد (حتى 6 ماي 2013)..
* موقع «أرسو»: من المواقع الإلكترونية الضخمة. يضم عددا من الوثائق الصحراوية والأممية حول ملف الصحراء، بما فيها الوثائق التاريخية والأحكام القضائية والاتفاقيات والتقارير الحقوقية الدولية في ملف الصحراء، باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والبرتغالية، إلى جانب آخر الإصدارات في نفس الملف.
* اتحاد الصحافيين والكتاب الصحراويين: يعد من الآليات الموازية في الدفاع عن الصحراويين بالمخيمات والأقاليم الصحراوية، وهو فضاء لمئات الكتاب والصحافيين هنا وهناك، حيث يساهم فيه كتاب الصحراويون من المغرب نذكر على سبيل المثال لا الحصر مصطفى عبد الدايم من آسا وابراهيم الحيسن من العيون.. وكان يرأسه، في وقت سابق، ماء العينين لكحل (41 سنة، اعروسي) وهو خريج جامعة ابن زهر سنة 2000، قبل أن يشد الرحال نحو مخيمات تندوف.
منير بن صالح، مدون، ومؤلف كتاب «شبكات التواصل الاجتماعي والثورات العربية»
للبوليساريو جيش
إلكتروني مدرب
* هل يمكن الحديث عن حرب الصوت والصورة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وماهو تقييمك لأداء كل طرف على حدة؟
** هي حرب إعلامية من أجل حشد الدعم لهذا الطرف أو ذاك، خصوصا لدى الرأي العام والدول المؤثرة في ملف الصحراء، وهي ليست بالجديدة. ونتذكر استغلال جبهة البوليساريو والجزائر للأسرى العسكريين المغاربة على برامج إذاعية كما نتذكر الدعاية المغربية لمسؤولي البوليساريو العائدين للمغرب، في إطار خطاب «إن الوطن غفور رحيم». هذا الشكل استمر مع القنوات التلفزية و الفضائيات إلى نهاية التسعينات.
لكن مع بداية الألفية الثالثة بدأ ظهور مستوى جديد للصراع يتجلى في إعلام القرب: إنشاء محطة العيون التلفزية ثم إنشاء قناة تلفزية صحراوية في المخيمات، ثم استغلال الأنترنت والمواقع الاجتماعية في التموقع في النزاع.
وفي هذا الصدد يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- تدني مستوى قناة العيون التلفزية مقابل اختراق قناة البوليساريو للمجال اليومي عبر تقارير من شوارع مدننا الجنوبية.
- تفوق نسبي للانفصاليين على مستوى الشبكات الاجتماعية.
- استعمال متكرر لصور لنزاعات أخرى (فلسطين وتونس..) والترويج لها من طرف الانفصاليين على أنها وقعت بالمغرب.
- تفوق للأطروحة الانفصالية على مستوى الرأي العام في الدول المؤثرة في الصراع.
* ما الذي يجعل من الإعلام المغربي دون مستوى التطلعات في مجال الدفاع عن مغربية الصحراء؟
** الاعلام المغربي عموما مرهون بعقيدة «الاجماع» و هو ما لا يحرره للاشتغال على هذه القضية خصوصا. تجربة قناة العيون التلفزية كانت رائدة واستطاعت قلب موازين المعركة الإعلامية، ولكن تم طمس المعالم الجريئة لخطها التحريري وفقدت تأثيرها حتى في الوحدويين وهم أكثرية.
* في ظل انتشار الإعلام البديل، هل يمكن الحديث عن مجالات مازال المغرب قاصرا فيها مقارنة مع إعلام جبهة البوليساريو؟
** المشكل الذي تعاني منه قضيتنا على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني يمكن تلخيصه في:
- مواجهة جيش مدرب لدى الخصوم بتمويلات هائلة على المواقع الاجتماعية، هؤلاء «الناشطون» مدربون بشكل جيد لاستغلال الانترنت للترويج للأطروحة الانفصالية: تملك اللغات، تملك ثقافات المجتمعات المستهدفة ...
- غياب استراتيجية لدى الفاعلين المغاربة أمام خطط محكمة ومنظمة للخصوم.
- عدم قدرة اختراق المخيمات من أجل نقل الأخبار.
- محاولة بعض الفاعلين المغاربة لنقل نموذج «الاعلام المغربي» المبني على عقيدة الاجماع والرأي الواحد إلى الشبكات الاجتماعية.
- غياب مواقع الكترونية جادة ومحايدة تنشر أخبار المنطقة عموما وتطرح القضايا الكبرى : الأخطار على منطقة الساحل والصحراء..