بعد أن سقط المغرب في فخ الآلة الدعائية للبوليساريو... حقيقة ما جرى في العيُون
زنقة 20
أصبح المغرب متورطا في الآلة الدعائية لجبهة البوليساريو من خلال التضخم في تسليط الأضواء بشكل مبالغ فيه على الأحداث في الأقاليم الصحراوية، مقابل البخل في الانتهاكات التي تقع بشكل دائم في الشمال، وهذا باعتراف امحند لعنصر وزير الداخلية عندما تحدث مؤخرا خلال لقاء الفاعلين الحزبيين كون الخروقات التي تقع في الشمال أكثر منها في الجنوب
ليس من باب الإشباع والترف تنصيص دستور فاتح يوليوز 2011 على أن اللغة الحسانية تعد من مكونات الهوية الوطنية، كيف لا والأقاليم الصحراوية تشكل قرابة نصف مساحة المغرب؟ غير أن هذه التغطية الدستورية تبقى قاصرة أمام ضعف التغطية الإعلامية لقضايا الصحراء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية سواء في القطب الإعلامي العمومي بحميع قنواته أو في مجموعة الإذاعات الخاصة، ضعف جعل من السهل على إعلام مناصري جبهة البوليساريو الانقضاض على فئة عريضة من المتتبعين سواء في داخل الصحراء أو في المخيمات بتندوف أو عبر العالم من خلال قناة الجبهة الفضائية أو على أمواج البث الإذاعي أو عبر شبكة الأنترنيت، حتى أصبح البحث عن كلمة الصحراء في محرك البحث «غوغل» يسفر عن ارتباط الصحراء برقعتها الجغرافية الغربية وبالخروقات الحقوقية، بل أصبح حجز نطاق على الشبكة العنكبوتية باسم الصحراء المغربية صعبا إن لم يكن مستحيلا، وذلك بعد أن تنبهت الآلة الإعلامية لجبهة البوليساريو مبكرا لهذه الحرب واستبقت بدعم من حلفائها حربا إعلامية في نسخة جديدة لمواجهة المغرب إلكترونيا.
فالحرب اليوم بين المغرب وجبهة البوليساريو هي حرب الصوت والصورة بامتياز، لهذا لايكاد يخطو أنصار جبهة البوليساريو خطوة واحدة في أحياء معطى الله بالعيون أو النهضة ببوجدور أو أم التونسي وكسيكسات في الداخلة أو السلام بالسمارة أو بالساحة الرئيسية لأسا، إلا وكانوا مرفقين بطاقم إعلامي خفي وظاهر، ويبرز ذلك بشكل جلي خلال الزيارات الحقوقية والإعلامية الأجنبية للمنطقة، حيث ترتفع عدد المكالمات الهاتفية بين أنصار جبهة البوليساريو في الداخل قصد تهييء كل الظروف لتمر هذه الزيارات في أحسن حلة. وسواء كانت هذه الوفود الحقوقية عن علم بكونها جزء من «الكومبارس» أو لا، فإن عددا من أشرطة الفيديو التي نشرها مايسمى «الفريق الإعلامي الصحراوي»، بينت أن بعض المتظاهرين يسقطون تباعا، ليس من أثر تفريقهم من قبل عناصر حفظ النظام العام، بل تمثيلا من أجل استمالة عطف سواء المراقبين الأممين «المينورسو» أو الوفود الصحفية والحقوقية الدولية، لإيهامهم أنهم ضحية عنف قوات الأمن، وهو وضع أشبه بما تسببه «عيوط العلوة» التي تسبب حالة من الصرع، يرفض من خلالها بعض «الساقطون» الذهاب إلى المستشفى لتلقي «العلاج»، مادام أن دورهم اكتمل بالتقاط بعض الصور والفيديوهات، وهناك سيناريو آخر لإثبات دور الضحية وهو نصب كاميرا في مكان عال وقيام إحداهن باستفزاز رجال الأمن الذين ـ للأسف ـ يسقطون في الفخ، فينهالون بالضرب في حقها على مرأى ومسمع في الشارع العام، وتحت عدسات الكاميرا، مما يعتبر معه صيد ثمين تسقط معه كل التصريحات الرسمية بكفالة حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، ويصبح هذا الشريط ذو الدقائق القليلة مهما كانت جودته عنصر إثبات للدعاية الإعلامية والحقوقية لجبهة البوليساريو في المحافل الحقوقية الدولية، وهو نفس السيناريو يتكرر في جميع أقاليم الصحراء، هذا دون الحديث عن فبركة صور آخرها إرفاق مقال يزعم حدوث تعنيف رجال الأمن بالصحراء لقاصرين بصورة أرشيفية لأحداث 20 فبراير بشارع الحارثي بالدار البيضاء، وقعت منذ أكثر من سنتين..
وفي الوقت الذي كان يجب فيه على الطرف الرسمي التصدي لهذه الحرب بل واستباقها أصبح المغرب متورطا في الآلة الدعائية لجبهة البوليساريو من خلال التضخم في تسليط الأضواء بشكل مبالغ فيه على الأحداث في الأقاليم الصحراوية، مقابل البخل في تتبع الانتهاكات التي تقع بشكل دائم في الشمال، وهذا باعتراف امحند لعنصر وزير الداخلية عندما تحدث مؤخرا خلال لقاء الفاعلين الحزبيين كون الخروقات التي تقع في الشمال أكثر منها في الجنوب. إذ تقع أحداث ساخنة جدا في مدن بشمال البلاد ولا تحظى بنفس الاهتمام الرسمي والحزبي على غرار ما يحدث في الصحراء مما يولد الانطباع أن المصاب جلل بالأقاليم الجنوبية والحال أن احتجاجات الصحراء ليست عامة، مادام أن مدينة العيون بلغة الأرقام يقطن فيها أزيد من 200 ألف مواطن، في حين أن المحتجين في أحسن الأحوال لايتجاوزون 500 فرد جلهم من الأطفال والنساء والساخطين على الأوضاع الاجتماعية الذين يوظفون كدروع بشرية. ومما يجعل أن هذه الاحتجاجات هي من أجل التصريف الإعلامي الخارجي هو ارتفاع مؤشراتها عند كل زيارة لوفد حقوقي أو صحافي من أوربا أو أمريكا، أمر يسائل إعلامنا الرسمي «اللي حدو طنجة» عن السبب في عدم اختراقه لفضاءات خارجية، وحضور أسماء صحفية في منابر إعلامية عربية وأوربية، في الوقت الذي نهتم فيه داخليا بصراع داخلي بين سميرة سيطايل مديرة الأخبار في القناة الثانية ومصطفى الخلفي وزير الاتصال.. ثم ما نصيب القضية الوطنية في برامج المنظمات الحقوقية غير الحكومية؟ لماذا تقتصر المنظمات الحقوقية الدولية كـ «أمنستي» وغيرها على استقصاء إفادات فقط من أطراف حقوقية تخلط بين مهامها الحقوقية وخلفياتها السياسية؟ هل عجزت منظماتنا الحقوقية العتيدة عن اختراق منظمات صديقة من أجل تبيان وجهة النظر الأخرى في هذا الصراع الحقوقي بلون إعلامي؟ ثم ما هو دور الآليات الحقوقية الرسمية في تثبيث حقوق الإنسان، فالمغرب دائما من خلال الدستور الحالي وضح بما فيه الكفاية التزامه بمواثيق حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها أمميا، وصادق على العديد من البروتوكولات في هذا السياق، ومع ذلك فإن الأمور مازالت لم تتضح بعد إذ مازالت الانتهاكات تقع بين الفينة والأخرى، مما يجعل من احترام حقوق الإنسان مسألة قناعة تتممها شكليا المصادقة عليها، وقبل هذا وذاك لماذا تعثر المغرب في تطبيق الجهوية الموسعة في الأقاليم الصحراوية، مادام أنها سترفع نوعا من الحرج عليه، إذ سيمنح هذا النظام في الحكم نوعا من التدبير المحلي، وحينها سيصبح العنصر البشري الصحراوي في مواجهة «ولد الجهة» سلبا أو إيجابا، على اعتبار أن مخطط الحكم الذاتي منح الصحراويين تدبير كل شؤونهم الداخلية بما فيها الأمن والقضاء والسجون، ولن يعود هناك مبرر لكون السلطة المركزية تتدخل سلبا أو إيجابا، باستثناء السيادة الوطنية والعملة..؟
هي إذن تساؤلات كما تطرح لتقييم الأداء الحقوقي والإعلامي المغربي، تطرح بنفس الحدة على الجزائر، والتي محور تكوين ضباطها بالمدارس العسكرية أن المغرب دولة عدو، وعليه فإن كل البرامج والتداريب تصب في هذا الاتجاه، وهو ما يجعل من الأصوات الصحراوية المتعقلة سواء في اأقاليم الصحراوية أو مخيمات تندوف رهينة بهذه الآلة العسكرية، التي لا تتردد في تمويل انفصاليي الداخل لتأجيج ما تسميه آلة البوليساريو «انتفاضة التحرير»، وهي قضية تبين إلى أي حد أن جنيرالات الجزائر مرتاحون لهذا الواقع، ما دامت أن قضية الصحراء تلهي الكل حتى ينعموا لوحدهم بخيرات وفوائض النفط الجزائري في الصفقات المشبوهة.
عن أسبوعية "الوطن الآن".