هؤلاء ضحايا الحروب السياسية لبنكيران سكران وموقوف ومطرود...
من مطرود وموقوف إلى سكران، هذه أبرز صفات الخاسرين أو ضحايا حروب رئيس الحكومة التي تعصف كل مرة بوزير أو مدير وتشوه سمعة آخر، فإلى أين يمضي هذا المسلسل الذي يتزايد أبطاله؟
حروب بنكيران لم تضع أوزارها بعد، وفي كل مرة تعصف بأسماء مقربة ومبعدة من الرجل، ضحايا سياسة البيجيدي التي انطلقت بموقعة دفاتر التحملات وإسقاط الغزالي من عرش الهاكا الذي عمر فيه لسنين وجر الويلات على وزراء أغلبيته الذين باتوا طرائد سهلة لكاميرات المعارضين. الخاسرون في صراعات رئيس الحكومة ليسوا فقط من الداعمين لاستراتيجياته بل كذلك معارضوه، وهذا ما ذهبت إليه بعض القراءات التي ربطت تحريك بعض الملفات والقضايا الراهنة بأجندة المصباح وما يخدم حزب العدالة والتنمية.
الوزير السكران
عبد الواحد سهيل أو شيخ التقدميين، وجه آخر دفع ضريبة حروب بنكيران، ربما ذلك راجع لمواقف حزبه وخرجاته الداعمة والمساندة للبيجيدي، الوزير الصامت في حكومة بنكيران احتل رغما عنه صدارة الجرائد وعناوين المواقع الإلكترونية بعد اتهام حميد شباط له بالسكر داخل البرلمان، وخرج عن صمته مصرحا لـ"مغرب اليوم" أن ما يقوم به شباط لا يمت للعمل السياسي بأية صلة وإنما هو خبث وتصرفات رخيصة لا توجد كلمات لشرحها ووصفها.
اتهامات شباط وردود الأفعال التي عقبتها تصريحات لبعض الوزراء دفعت الاستقلاليين إلى إشهار فيديو إثبات يؤكد كل ما قيل عن سهيل وزير التشغيل والتكوين المهني، والحالة التي كان عليها خلال الجلسة العمومية بمجلس النواب الأسبوع الماضي، والطريقة التي كان يجيب بها الوزير على أسئلة أحد النواب الاستقلاليين. الفيديو عرف تعديلات جعلت الوزير يبدو بمظهر غير لائق سيما بعد "روميكس" الحاجة الحمداوية "هو أش جا يدير".
وكان الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية تداول، خلال اجتماع له الموضوع بما أسماه "الادعاءات المنحطة والاتهامات الرخيصة، التي استهدفت قياديين من الحزب، هما في الوقت نفسه أعضاء في الحكومة". وعبر الديوان السياسي عن إدانته القوية لهذه الادعاءات والاتهامات، واستنكاره الشديد لهذه الأساليب المرفوضة والغريبة عن الساحة السياسية المغربية، والتي من شأنها أن تزيد المجال السياسي والحزبي ميوعة وتدنيا. ودعا الديوان السياسي الأحزاب الحليفة إلى الرجوع إلى جادة الصواب، ومراعاة العلاقات النضالية والأخوية التي جمعت هذه الأحزاب بحزب الاستقلال على امتداد عقود.
وفي هذا السياق، وصف خالد الناصري، عضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية، في تصريح له، التصريحات التي اتهمت عبد الواحد سهيل بالوقحة، معتبرا أن هذه التصرفات بعيدة كل البعد عن مناضلي ووزراء ينتمون إلى حزب عتيد يقدر المسؤولية بقيمة حزب الاستقلال، مشيرا إلى أنه يتمنى أن يستحضر صاحب الاتهام روح المسؤولية، حتى لا يبعث بالعملية السياسية في متاهات العمل المجاني ويبتعد عن مستلزمات التصدي لملفات جدية حقيقية تخص المجتمع المغربي عوض خلق جبهة وهمية وتمييع غير مقبول للعملية السياسية.
وهبي خارج ترسانة الدفاع
قررت محكمة الاستئناف بالرباط الأسبوع الماضي، توقيف المحامي عبد اللطيف وهبي، رئيس جمعية عدالة، والقيادي المثير للجدل في حزب الأصالة والمعاصرة إلى أجل غير مسمى.
وجاء توقيف وهبي بناء على شكاية تقدمت بها ودادية القضاة في 2010 احتجاجا على تصريحات سابقة أدلى بها للصحافة مفادها أن "الأحكام التي تم إصدارها في ملف العفورة، تمت بناء على تدخلات غير منصفة من جهات لم يحددها".
هذا الخبر الذي نزل كالصاعقة على عبد اللطيف وهبي، اعتبره قرارا يصدر لأول مرة في تاريخ المغرب ويعاقب محاميا بسبب حقه في التعبير والرأي، متهما القضاء بأنه مازال يتعامل بمنطق دستور 1996 وليس دستور 2011. مصادر مقربة من الرجل لم تستبعد بدورها كون الحكم جاء في إطار تصفية الحسابات نظرا لمواقف الرجل الواضحة ومناداته بترسيخ المبادئ الأساسية لشروط المحاكمة العادلة التي تتجلى في التوازن بين النيابة العامة والدفاع في الوسائل وفي الحقوق. فهل يكون لهذا القرار تداعيات سياسية، خاصة بين حزب العدالة والتنمية الذي يتولى حقيبة العدل في شخص الرميد، وحزب الأصالة والمعاصرة؟ وهو مجرد تصفية حسابات سابقة بين وزارة الرميد وأحد أكبر المحامين المثيرين للجدل؟ وهل سيكون وهبي كبش الفداء في الصراع المتجدد للبام والبيجيدي الذي فتح على كافة الجبهات وشرعت فيه جل الطرق والوسائل؟
الغزالي وموقعة دفاتر التحملات
بعد أن صادقت الهاكا في أواخر أكتوبر 2012 على دفاتر تحملات الإعلام العمومي كما ألفتها حكومة بنكيران، وضعت الحرب السياسية المندلعة بسببها أوزارها وسار الجميع يحصي الخاسرين والرابحين في معادلتها، قبل انطلاق شوط جديد من الحرب.
لعب بطولة فيلم "دفاتر التحملات" كل من الخلفي، بنكيران، العرايشي، سيطايل، سليم الشيخ، الغزالي ونبيل بنعبد الله، إلى جانب ممثلين آخرين في أول ظهور فني لهم وآخرين بأدوار ثانوية مع الكثير من الكومبارس الذين أثثوا مشاهد الصراع الخفية والمعلنة تحت قبة البرلمان وبدهاليز الحكومة والتلفزيون ثم خلف البناية الزجاجية للهاكا.
على مدى فترة هذا الصراع سقطت الكثير من الشخصيات، في حين أكملت أخرى طريقها حتى خط الوصول، ليتعرف الجميع في النهاية كيف تحول الخاسرون إلى رابحين والرابحون إلى خاسرين في موقعة دفاتر التحملات. خلال المصادقة الأولى للهاكا شهر أبريل الماضي، كان أحمد الغزالي أول الخاسرين عندما دفع ثمن مصادقته على دفاتر الحكومة دون تعديلها، تلاه بعد ذلك الخلفي الذي سحب منه الملف ومنح لزميله في الحكومة نبيل بنعبد الله، ثم ينكيران الذي اضطر إلى تشكيل لجنة وزارية لتعديل دفاتره، بالإضافة إلى كل من ساند هذه الدفاتر من جمعيات ونقابات ومنتجين... أما الرابحون، فهم فيصل العرايشي وسميرة سيطايل وسليم الشيخ والمنتجون المتضررون من حكامة هذه الدفاتر وشركات اليناصيب وكل من يدور في فلكهم، وذلك بعدما نجحوا وفي آخر لحظة، في وقف العمل بهذه الدفاتر، وإلى جانبهم أيضا أحزاب الائتلاف الحكومي التي أجبرت بنكيران على إشراكها في صياغة هذه الدفاتر عبر لجنة نبيل بنعبد الله، هذا الأخير الذي كان الرابح الأكبر، حيث ظهر بزي الإطفائي الذي أخمد نيران لم يستبعد الكثيرون إحراقها لحكومة بنكيران.
جمدت دفاتر بنكيران، وتوالت المراسلات بينه وبين الهاكا، حتى انتهت هذه الأخيرة إلى المصادقة، ليكتشف الجميع في مشاهد هتشكوكية، بأن خاسري الأمس تحولوا إلى رابحين اليوم ورابحو الأمس تحولوا إلى خاسرين اليوم. فالهاكا التي صادقت بالأمس على الدفاتر دون تعديلها، عادت للمصادقة عليها مرة أخرى دون تعديلها رغم كل الانتقادات التي وجهت لرئيسها السابق أحمد الغزالي، ليكتشف الجميع أن خطوة هذا الأخير كانت قانونية وأن كل ما عيب عليه هو أنه لم يصطدم مع الحكومة سياسيا. أما الخلفي وبنكيران فربحا الحرب بعدما خسرا المعركة، واستعادوا من النافذة ما خسروه من الباب بأن نجحوا في نهاية المطاف في تمرير الالتزامات المتعلقة بالحكامة بالإضافة إلى أشياء تقنية مهنية لن يظهر تأثيرها عمليا إلا بعد الشروع في تطبيق مضامين تلك الدفاتر. أما نبيل بنعبد الله، فاكتشف الجميع بأنه لم يعدل شيئا جوهريا باستثناء استبدال "الواو" ب"أو" في إلزامية استضافة الفقهاء في البرامج وحذف الإفتاء وتعويضه بالاجتهاد، في "فتوى تقدمية" ربما قادته إلى رئاسة الوفد المغربي في حج هذه السنة. أما العرايشي وسليم الشيخ وسيطايل فوجدوا أنفسهم في نهاية المطاف مضطرين لتنفيذ دفاتر لا ترضيهم على الأقل ماليا وتدبيريا لكثرة ونوعية التزاماتها التي لم يألفها القطب العمومي بعدما راهن على لجنة نبيل بنعبد الله والهاكا لإنقاذهم منها. أما شركات الإنتاج فسارت تعض أصابعها خوفا على مصالحها المالية .
عن مجلة "مغرب اليوم"