هلْ تعيد خيارات بنكيران وشباط المغرب إلى ما قبل "الربيع العربي"؟
زنقة 20
تختلف خيارات حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال وعبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية في تدبير الأزمة الحكومية، لكن مسارات الرجلين معا تلتقي في العودة بالمغرب سنتين إلى الخلف، أي إلى أواخر سنة 2011، وبالنتيجة إطالة أمد انتظار الإصلاح واستكمال الدستور.
عند أول تصريح رسمي طالب فيه حميد شباط بتعديل حكومي، اعتقد المتتبعون أن الأمر سيتوقف عند حدود تصفية حساب حزبي داخلي بين الأمين العام الجديد وسلفه عباس الفاسي، وفي أبعد تقدير ساد اعتقاد بأن ما يريده شباط ليس أكثر من تغيير الوزراء المحسوبين على الأمين العام السابق وتعويضهم بوزراء من التيار الجديد السائد داخل الحزب.
لكن شباط انتبه لهذا المنزلق الذي من شأنه أن يفقد مطلبه مصداقيته، وشيئا فشيئا بدأ يبلور خطابا يربط بين التعديل الحكومي وإعادة هيكلة الحكومة لتكون أكثر فعالية، وفي مستويات أكثر تقدما سينتقل إلى المطالبة بإعادة توزيع الحقائب الوزارية بشكل يراعي حجم حزب الاستقلال الذي يبدو مساويا لحصة التقدم والاشتراكية في عدد الوزراء، رغم أنه يضاعف عدد مقاعده في مجلس النواب ثلاث مرات.
إلا أن الأمين العام لحزب الميزان لن يقف عند هذه الحدود ، في آخر تجمع خطابي له بفاس، رفع من جديد سقف المطالب، إنه يطالب هذه المرة بتعديل حكومي لايطال فقط الوزراء، بل يمتد ليشمل البرنامج الحكومي، والأبعد من ذلك، يدعو إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم جميع الأحزاب السياسية.
ما يطالب به شباط في نهاية المطاف، هو إعادة النظر في العملية السياسية لسنتين كاملتين، فمن هذه الزاوية، سنكون إزاء محطتين كبيرتين: الأولى تشمل المفاوضة ليس حول التعديل الحكومي فقط، بل حول تغيير الحكومة، وهي عودة إلى الأجواء التي عاشها المغرب شهري نونبر ودجنبر من سنة 2011، أما المحطة الثانية فتشمل العودة إلى البرلمان من أجل الحصول على ثقة مجلس النواب، لأن الأمر وفق منطق مطالب شباط يتعلق بمراجعة البرنامج الحكومي، ومن البديهي أن كل تعديل في البرنامج الذي حازت على أساسه الحكومة ثقة المؤسسة التشريعية يستلزم بالضرورة عودة إلى هذه المؤسسة من أجل استصدار ثقة البرلمان وهي الأجواء التي عاشها المغرب شهر يناير 2011:
لايريد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران الرضوح لمطالب حميد شباط، لذلك يرد عليه برفع التحدي مثلما فعل أول أمس الأحد في تجمع حزبي قال فيه إن كل الخيارات واردة بما فيها العودة إلى انتخابات سابقة لأوانها، وهو في ذلك يعبر عن توجه عام يسود داخل حزب العدالة والتنمية يعتبر أن الحسم في الأزمة الحكومية ينبغي العودة فيه إلى صناديق الاقتراع، أي إلى ما قبل اقتراع 25 نونبر 2011
في الواقع لايزايد ابن كيران حين يلوح بالعودة إلى صناديق الاقتراع ، إنه الخيار الوحيد الممكن أمامه دستوريا وسياسيا في ظل انسداد الخيارات الأخرى، ففي حال تشبث حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة بالبقاء في المعارضة بعد انسحاب الاستقلاليين من الحكومة، سيكون ابن كيران محكوما عليه بأن يكون حكومة أقلية، لكنه وضع غير مريح من الناحية العملية ويجعل الحكومة رهينة الأغلبية المعارضة في مجلس النواب.
لكن نقطة ضعف هذا السيناريو هو أنه لايضمن للعدالة والتنمية أن يعود بأغلبية مطلقة تسمح له بقيادة الولاية الحكومية دون رفع عدد حلفائه، إن الوصول إلى مثل هذه النتيجة يستدعي إعادة النظر في النظام الانتخابي وفي تقطيع الدوائر الانتخابية، وهو خيار يعيد بدوره المغرب إلى لحظة المفاوضات العسيرة التي رافقت النقاش حول القوانين الانتخابية في شتنبر 2011 وأدت إلى تأخير موعد الانتخابات لأكثر من مرة قبل أن يتم التوافق حول تنظيمها في 25 نونبر 2011
لكن، وسواء تعلق الأمر بخيار حميد شباط أو خيار عبد الإله ابن كيران، ستعود الحياة السياسية المغربية سنتين إلى الوراء، إنه زمن سياسي ضائع ترتفع كلفة خساراته السياسية، لأنه يؤدي من جهة أولى إلى إطالة أمد الانتظارية في استكمال الوثيقة الدستورية، ومن جهة ثانية يؤدي خيار العودة إلى ما قبل 25 نونبر 2011 أي إلى تمديد العمل بالأحكام الانتقالية المنصوص عليها في الدستور بالنسبة إلى العديد من المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مجلس المستشارين الذي سيستمر في البقاء في حالة تناف دستوري.وهوخيار يؤدي من جهة ثالثة إلى تأخير الانتخابات المحلية والجهوية ، وبالنتيجة تأخير الشروع في مشروع الجهوية الموسعة الذي يدخل في تدبير ملف الوحدة الترابية للمغرب.
و في مستوى آخر من النتائج، تؤدي خيارات شباط وابن كيران إلى تأجيل الاستجابة للانتظارات الاجتماعية التي رافقت وضع الوثيقة الدستورية الجديدة والتغييرات التي حدثت في المشهد السياسي، مثلما أنها تؤدي إلى تأجيل الحسم في الملفات الإصلاحية الأكثر استعجالية مثلما هو حال صناديق التقاعد وصندوق المقاصة وإصلاح النظام الجبائي…
لكن أصعب ما في خياري شباط وابن كيران، هو أنهما يسيران نحو بعث خطاب التشكيك في العملية السياسية التي اختارها المغرب كجواب على الانتفاضات الدموية أو الفوضوية التي شهدتها العديد من بلدان الانتقالات العسيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.، لقد راكم ابن كيران حتى الآن الكثير من الانتقادات بسبب عجزه عن ممارسة صلاحياته الدستورية كاملة، وهو يسير رفقة شباط نحو نسف المرتكزات السياسية للوثيقة الدستورية الجديدة، وهما بذلك يدفعان المغرب نحو دائرة الالتباس وغموض الأفق اللذين تستفيد منهما التيارات الأصولية والشعبوية التي اعترضت على وصفة الاستثناء المغربي للخروج من زوابع «الربيع العربي». عن الأحداث المغربية.