زنقة 20

حسب المراقبين  فإن تحول المغرب إلى كعبة للقادة العسكريين للقوى العظمى لا يمكن تفسيره إلا بفرضية واحدة، ألا وهي أن هذه القوى تخطب ود الجيش المغربي لقيادة عمليات عسكرية في منطقة الساحل ولمعرفة هل بالإمكان أن يتزعم المغرب قوات الاتحاد الافريقي.

كان شهر ماي 2013 أخصب شهر في الحياة المهنية للجنيرال عبد العزيز بناني المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ليس لكونه الشهر الذي يصادف الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس الجيش الملكي بل لكون مكتبه كان تحت كشافات الضوء لكبريات الجيوش العالمية، بدليل أن الجنيرال بناني ما أن استقبل الجنيرال السير «بيتروول» قائد الأركان العامة للقوات البرية البريطانية لدى زيارته للرباط يوم 6 ماي 2013 حتى كان مطالبا بتتبع خطوات «ستيفن أوبراين» الممثل الخاص للوزير الأول البريطاني (دافيد كاميرون) في شؤون الساحل الافريقي الذي جاء هو الآخر للمغرب في نفس الفترة.
وفي الوقت الذي كان فيه المداد الذي تكتب به فحوى اجتماعات العسكريين المغاربة مع نظرائهم الأجانب لم يجف بعد، حتى برمج الجنيرال عبد العزيز بناني اجتماعا آخر مع قائد الوحدة العسكرية للعمليات الاستعجالية الإسبانية الجنيرال «سيزار ميرو بيناياس» الذي زار المغرب يوم 7 ماي 2013.
موازاة مع ذلك لا ينبغي إغفال حلول نائبة وزير الشؤون المدنية بجمهورية الصين «جيانع لي» التي حلت بالمغرب يوم 17 ماي في مهمة عسكرية.
توافد هذا العدد من القادة الأمنيين للقوى العظمى على المغرب ليس وليد اليوم، إذ سبقته زيارات أخرى لمسؤولين عسكريين كبار حلوا من دول أخرى، وحسبنا الاشارة فقط إلى البعض منهم من قبيل:
- اللقاء الذي جمع الجنيرال بناني مع الجنيرال دو ديفيزيون «ريموند فوكس»، القائد العام لقوات الإنزال البحري الأمريكية وقائد قوات المارينز الأمريكية لافريقيا.
- اللقاء الذي جمع الجنيرال بناني مع وزير الدفاع الإسباني بيدرو موريتيس بعد اعتماد حكومة مدريد مؤخرا لسياسة دفاعية جديدة.
- اللقاء الذي ترأسه الجنيرال بناني لدى انعقاد اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول أعضاء مبادرة «5+5 دفاع» لمناقشة إمكانية شن هجوم على التنظيمات المسلحة بمالي.
ما الذي يستنتجه المرء من هذه الزيارات؟
حسب المراقبين الذين استأنست «الوطن الآن» بآرائهم فإن تحول المغرب إلى كعبة للقادة العسكريين للقوى العظمى لا يمكن تفسيره إلا بفرضية واحدة، ألا وهي أن هذه القوى تخطب ود الجيش المغربي لقيادة عمليات عسكرية في منطقة الساحل ولمعرفة هل بالإمكان أن يتزعم المغرب قوات الاتحاد الافريقي.
طرق الدول العظمى لباب المؤسسة العسكرية المغربية فسر بآربعة مداخل:
أولا: المهارة التي اكتسبها الجيش المغربي إن في مناطق نزاع ذات طبيعة صحراوية أو لما راكمه من سمعة في إطار مشاركته في عمليات حفظ السلام الأممية.
ثانيا: الربيع الأصولي أنتج فراغا قاتلا من الناحية الأمنية في شمال افريقيا. فمصر أصبح دورها باهتا بسبب فشل محمد مرسي في قيادة البلاد وليبيا تعيش حربا أهلية بين القبائل، أما تونس فهي في وضع لا تحسد عليه نتيجة تطاحن الفصائل السياسية بينها والعجز عن وضع دستور، في حين أن الطبقة السياسية والعسكرية بالجزائر منشغلة بمرحلة ما بعد بوتفليقة أما موريتانيا فهي في حالة تنويم مؤسساتي.
ثالثا: البقعة الجهادية ما فتئت تتوسع بدول الساحل وجنوب الصحراء بسبب غياب الدولة وتفككها في هذا الشريط (مالي، النيجر، الصومال، تشاد، كينيا،غينيا، نيجيريا) حيث أضحت هذه المنطقة تحت قبضة ثالوث راديكالي مجسد في حركة الشباب المسلم، حركة بوكوحرام، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وهو ثالوث انتعش أكثر عقب انهيار الأنظمة الشمولية في مصر وتونس وليبيا بشكل فاقم من ترويج الأسلحة وتهريبها ووجد الملاذ لدى جبهة البوليزاريو التي غذت هذه البقعة وتغذت منها.
رابعا: الدول العظمى تعيش أزمات مالية قادت حكوماتها إلى التقشف وخفض ميزانيات وزارات الدفاع بها وبالتالي خفض مصاريف الكوماندوهات والفرق العملياتية التي ترسل إلى الخارج(نموذج فرنسا مثلا التي ستتقلص وحداتها المرسلة لبؤر التوثر من 30 إلى 15 ألف جندي. ونفس الشيء في بريطانيا التي كانت السباقة إلى خفض نفقات الدفاع). وهناك حكومات دول أخرى تتردد في نشر قواتها في الخارج إما لكونها تورطت في بؤر عالمية كأفغانستان والعراق (نموذج آمريكا ورفض آوباما التدخل في بؤر أخرى،إلا أنه لا يعترض على توفير الدعم والمساعدة واللوجستيك في عمليات مشابهة من قبيل دعمه لفرنسا في مالي) فضلا عن وجود دول آخرى منشغلة بتداعيات الصراع في جنوب آسيا(نموذج عسكر الصين وروسيا).
وبالتالي فكل هذه الدول من مصلحتها البحث عن حليف عسكري في إفريقيا قادر على تحقيق الأمن. وهو البروفيل الذي يراه مراقبون متوفر بقوة في الجيش المغربي خاصة مع تزايد الرهان على إفريقيا اقتصاديا وتزايد الرهان على محيطها وبحورها التي تعبرها ثلثي التجارة العالمية.
لكن، قبول المغرب بإعادة ترتيب تحالفاته العسكرية لا يسقط الحق في التساؤل عن الأرباح التي يمكن أن تجنيها البلاد من خلال هذه الصفقات العسكرية الاستراتيجية خاصة ما يرتبط بالصحراء أولا وما يهم تزويد المغرب بالسلاح وتطوير ترسانته هو الآخر وتقوية قدراته ثانيا، علما أن المغرب ظل دوما يفتح شهية الدول العظمى في مجال التسلح على اعتبار أنه يمثل سوقا أساسية للصناعة الحربية الغربية.خاصة مع البرنامج المعلن عنه بخصوص تجديد سلاح الجو وسلاح البحرية (تسلم المغرب طائرات متطورة وفرقاطات مهمة) فضلا عن الخطة الكبرى لإعادة هيكلة الثكنات وبنائها خارج المدن.
فهل سيقبل المغرب عقد صفقة عسكرية مع جيوش الدول العظمى؟ وبأي ثمن؟ وبأية عوائد سياسية؟ هذا الانشغال حملته «الوطن الآن» إلى الأستاذ محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية ورئيس الفيدرالية الافريقية لمراكز الدراسات الاستراتيجية.

العدد520 من أسبوعية الوطن الآن.