لماذا إختفى المستشارون الذين شاركوا في تحضير دستور فاتح يوليوز
زنقة 20
بقلم الإعلامي: مصطفى العلوي*
«كتبوا دستورا ليحكموا المغرب،على هواهم ،دون تدخل من الملك، لتكون المفاجأة، أن الحزب الإسلامي هو الذي حصل على الأغلبية، وهي الصدمة التي كشفت للمفاجَئين،أن عملية الدستور،فيها ما فيها.»
تقول الأسطورة المراكشية،أن أحد السوسيين، جاء من إيداوتنان ليفتح دكانا في حي السمارين، وكان الجيران يلاحظون، أنه كلما توجه السوسي لأداء الصلاة قريبا من الدكان، يشرع ولده في التصفيق(…)، بدون انقطاع، إلى أن ينهي أبوه الصلاة، ومرة سأله أحد الفضوليين، عما إذا كان محتاجا لأن يصفق عليه ولده كلما كان يصلي، فأجابهم السوسي الذي وصف السائل بالغبي: إن تلك هي الطريقة الوحيدة لمنع ولدي من سرقة الصندوق الذي أترك فيه إيقاريضن (الفلوس) .
وهذا التعامل الذكي، الذي تنعدم فيه الثقة بين الأب وولده، يذكرنا بالواقع الحالي، للحكومة الإسلامية الجديدة، المؤسسة بمقتضى نصوص الدستور الجديد، حيث تبقى الحكومة، معرضة للقصف الإعلامي وتفنن أقطاب المعارضة، المتخصصين على مدى سنوات، في فن المعارضة، وخاصة الاتحاديين، بينما يتم هذا على صدى تصفيقات أقطاب وأولاد حزب العدالة مثلما كان يصفق ولد السوسي لأبيه أثناء الصلاة، أما صندوق المال عند المصلي السوسي، فهو صندوق العجب عند المغاربة.
صندوق العجب المغربي، هو هذا الوعاء الذي ينهل منه المغاربة جميعا، ولن تجد فيهم متفائلا.. رغم اتفاقهم الذي يكاد يكون إجماعا على أن التجربة الحالية لحكومة بن كيران، هي أحسن بكثير، من ذلك الهلع الذي كان يقض مضاجعهم أيام الحكومة السابقة، الساكتة الغامضة، التي ضربت الرقم القياسي في التفاؤل، قبل أن تفاجئها سيول المظاهرات والاعتصامات التي كادت تعصف بالمغرب كله.
لقد شهدنا من صنوف صندوق العجب المغربي، أن أي حزب من الأحزاب المحترمة(…)، الاستقلال، والاتحاد وحتى أحزاب الكوكوط مينوت، الأحرار، والأصالة، وحتى التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، أن أي واحد منهم لم يتحرك لإعطاء رأيه في المظاهرات والاعتصامات وشعارات 20 فبراير، فهم جميعا لم يكن يهمهم إلا البقاء في المناصب، ورحم الله الشاعر الذي قال: عريض القفا
في النازلات صبور.
ويدخل في نطاق الاستثناءات، ملك البلاد محمد السادس، الذي أخذ مبادرة اقتراح دستور جديد، ربما كان هو الوسيلة الوحيدة، لإنقاذ العرش، من خطر لم يحرك في التشكيلات الحزبية ساكنا(…) .
ويبقى سرا غامضا، ذلك القرار الملكي، بتشكيل المجلس المكلف بتحضير الدستور الجديد، من مجموعة ممن لازالت تسري في عروقهم دماء المعارضة للملكية، عبر شرايين ارتباطهم بالتشكيلات اليسارية، وبطون لم تهضم بعد، ما أكله بعضهم في السجون والمعتقلات السرية.
ليكون الدستور الجديد، الذي حرروه بأقلامهم، أقرب ما يكون، إلى إلغاء الدور الملكي في توجيه دفة الحكم بالمغرب، تماما كما حصل للسلطان عبد العزيز، سنوات 1900 ، حين سارع هو أيضا إلى إطلاق مبادرة الإصلاح الديمقراطي : إن مولاي عبد العزيز جالت في رأسه فكرة الشورى والديمقراطية، بعد أن أتاه سفراؤه بهذه الأفكار(…)، ففعل بها وجعل مجلس شورى من الوزراء ينعقد كل يوم للتداول في الأمور. لكن الأمة جاهلة، والوزراء معهم قصور وتنافس. فمولاي عبد العزيز كان أطيب سريرة، وعمله لهذه الشورى برهن عن نزاهة مقاصده، لهذا ينبغي أن تكون الديمقراطية تدريجيا من شورى الوزراء إلى مشورة الشعب. «مذكرات الوزير الحجوي».
سمى الوزير الحجوي مذكراته بالانتحار، لأن فشل مولاي عبد العزيز، أدى به إلى الإبعاد، ثلاث سنوات بعد محاولته إقامة الديمقراطية التي التهمته.
فالدستور الذي حرره اليزمي، والساعف، والمنوني، والطوزي وحرزني، ومن معهم(…) دون أن يكون معهم أي فقيه أو عالم أو ممثل للتيارات التقليدية أو الإسلامية التي حصلت على الأغلبية في الانتخابات الموالي ة، أفرغ الدور الملكي من محتواه، في دولة لازال الملك فيها يعتبر أن دوره أساسي في فرض التوازن، والواقع هو أن الأحزاب التي أعطيت مفاتيح التحكم في المغرب من خلال الدستور الجديد، لا تمثل، حسب إحصائيات الانتخابات، إلا ثلث المغاربة، وهذا الدستور الجديد، لم يترك لثلثي المغاربة الباقين، إلا عيونهم التي يبكون بها.
وبمجرد ما يفوض الملك – بمقتضى الفصل 48 – السلطات لرئيس الحكومة، فإن المجلس الوزاري الذي يرأسه رئيس الحكومة بمقتضى الفصل 49 ، يخوله نفوذ ))إعلان حالة الحصار ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري(…)ومشروع العفو العام، وإشهار الحرب.. وتعيين والي بنك المغرب، والسفراء، والولاة والعمال، والمسؤولني عن الإدارات المكلفة بالأمن الوطني، والمقاولات العمومية، والاستراتيجية، والكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات، والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا(( .
الفصل 54 يقول بحتمية” جدول أعمال محدد ” لتفويض الملك لسلطات الوزير الأول، ولكن السلطات المخولة لهذه القرارات الأخيرة، لا تقول شيئا عن “جدول أعمال محدد .”
ويعطي هذا الدستور، للبرلمان، الذي رأيناه شبه فارغ في جلساته الأولى هذه الأيام، سلطات شعبية(…)من الضخامة، بما يجعلنا نتصور، أن الشعب أخذ الحكم المطلق، عبر البرلمان، الذي يتمتع بحق ممارسة السلطة التشريعية(…) حسب الفصل 78 ، الذي يعطي لرئيس الحكومة وإعطاء البرلمان(…)، في تفصيلات لا تدخّل للملك فيها إطلاقا، وهوشيء طبيعي، لو كان البرلمان حقا يمثل الإرادة الشعبية كلها، كما أن السلطات التنفيذية كلها بيد البرلمان، حيث أن حوالي عشرين فصلا متعلقا بالسلطات التشريعية والتنفيذية، كرر فيها محررو الدستور، فقرات من قبيل: تمارس الحكومة، تعمل الحكومة، يمارس رئيس الحكومة السياسة العامة للدولة، والسياسات العمومية، بل إن الفصل 93 يعطي للوزراء حق تفويض مهامهم لكتاب الدولة، بمقتضى هذا الفصل يمكن لأي وزير أن يعين له كاتب دولة.
نفهم لماذا اختفى في أعقاب الإعلان عن هذا الدستور عدد من المستشارين الملكيين، ونذكر أننا لم نفهم يوم أعطى المستشار المعتصم 24 ساعة لممثلي الأحزاب كي يطلعوا على النص الجديد للدستور، استعجال غير مفهوم، لا يفسره إلا أن الذين قدموا مشروع الدستور لمستشار الملك، كانوا موقنين بأن الأحزاب التي يتحكم فيها رفاقهم(…) السابقون من الثوريين المتواجدين في لجنة تحرير الدستور، وفي قيادة الحزب المعلوم، وما سمي بالجي8 ، التحالف الذي خُلق)…( قبل الانتخابات، هم الذين سيفوزون بالأغلبية، وسيشكلون حكومة كان مقررا أن يرأسها رفيق آخر كان سابقا هو أيضا في حركة اليساريين اسمه “مزوار .”
كتبوا دستورا ليحكموا المغرب، على هواهم(…)، دون تدخل من الملك، لتكون المفاجأة، أن الحزب الإسلامي هو الذي حصل على الأغلبية، وهي الصدمة التي كشفت للمفاجَئين، أن عملية الدستور، فيها.. ما فيها.
قد تكون مجرد أطروحة، ولكن الإبعاد الممنهج لأقطاب في الديوان الملكي، لم نعد نسمع ولا نرى لهم أثرا، وأعضاء في الحكومة السابقة، أشرفوا على الانتخابات(…)، ولم يحصل أي قطب منهم على أي منصب في إطار مناصب السيادة التي كانت متوفرة(…).
يبرر هذه الأطروحة أيضا، ذلك الارتباك الذي حصل أثناء تشكيل حكومة بن كيران، وقد أعطى هذا الأخير بتنازلاته يد الله(…) لإنقاذ الموقف وتشكيل حكومة كلها متناقضات، وكم من هياكل قتلتها التناقضات، حكومة إسلامية، بمشاركة الشيوعيين القدماء.. وممثلين لتيارات سبق لرئيس الحكومة بن كيران أن أقسم بأغلظ الأيمان أنهم لن يكونوا في حكومته.
وقد رأينا كيف أن رئيس الحكومة بن كيران، توجه رأسا من المقابلة الملكية في ميدلت، إلى بيت الدكتور المرحوم عبد الكريم الخطيب، ليأخذ الصورة التذكارية التي جمعت بين أقطاب المخزن التقليدي، وأعضاء الحكومة المقبلة.
ما هي إذن آفاق المستقبل، وها هي الحكومة الجديدة قد بدأت تكشف عن تناقضاتها، رغم الأغلبية التي حصلت عليها في التصويت على برنامجها، وهل ستمارس هذه الحكومة، سلطاتها المطلقة حسبما ينص عليه الدستور(…) .
إنه إذا لم يكن ممكنا أن يقبل أي أحد(…) وضع تغييب الملك عن دوره الأساسي في الإشراف على التوازن الطبقي(…) فإنه لا مناص إذن من انتظار ذلك اليوم الذي يدخل الحكومة، في إطار تعديل قريب(…) حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي رأينا في البرلمان مندوبه يغازل المستقبل(…) ويتأدب أكثر من اللازم، مع حكومة بن كيران. بينما طالب إدريس الاشكر علنا بتصويت الاتحاديين على برنامج بن كيران، وربما، وكما قبل الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي إعطاء الشرعية للحزب السابق للملك، حزب الأحرار وأدخل مندوبي هذا الحزب في حكومته: مصطفى المنصوري، والتازي العلمي، ومحمد أوجار، ونجيب الزروالي،فإن بن كيران، سيكون مضطرالإعطاء نفس الشرعية، لما يسمى حزب الملك الجديد(…) الأصالة والمعاصرة، ليدخل الحكومة مع بن كيران، وربما إبعاد الاستقلال، واستبعاد مشاركة حزب التقدم والاشتراكية، فيم ستترك الحركةالشعبية ضحية تناقضاتها.
كل شيء ممكن.. مادامت الغاية تبرر الوسيلة لتدارك الموقف.. وتفادي أخطار النفوذ التشريعي والتنفيذي بين أيدي حزب العدالة والتنمية.
* الصحفي مصطفى العلوي: المدير العام للأسبوع الصحفي