زنقة 20 . وكالات

هل يكتمل الظهور السياسي للتيار الإسلامي في المغرب العربي، بعدما أعلن عدد من السلفيين عن المراجعات فيما يخص مواقفهم من الدولة والمؤسسات والديمقراطية والعمل السياسي؟.

كان هذا السؤال هو ملخص الأصداء التي تبادرت على الساحة السياسية المغربية، بعد إعلان حزب «النهضة والفضيلة» ذي المرجعية الإسلامية في المغرب عن انضمام عدد من السلفيين إليه الأسبوع الماضي نوع من المصالحة مع التيار السلفي، الذي اتهمته الدولة في الماضي بالتطرف، وزجت بعدد من رموزه في السجن.

إلا أن السلفيين أنفسهم اختلفوا حول هذه الخطوة، فبينما رأى أحد السلفيين البارزين المنضمين للحزب في هذه الخطوة مساحة أكبر للتعبير عن آرائهم، قال شيوخ آخرون: إنهم متشبثون بالعمل الدعوي، ويفضلونه على العمل السياسي.

وكان العاهل المغربي قد أصدر عفواً عن أبرز رموز السلفية في المغرب العام الماضي ممن اتهمتهم السلطات بالتنظير لأحداث التفجيرات التي عرفتها الدار البيضاء في العام 2003، وخلفت 45 قتيلاً، واعتبرت السلطات أن هؤلاء الشيوخ غذوا العنف معنوياً، لكنهم نفوا ذلك وحكم عليهم بمدد وصلت إلى 30 عاماً سجناً.

ردود أفعال

ووصف محمد الخليدي- الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة ذي المرجعية الإسلامية - انضمام خمسة سلفيين إلى حزبه، بأنه نوع من المصالحة الوطنية، معتبراً انضمام سلفيين إلى حزبه سيبعد عدداً من الشبهات عنهم ما داموا يقبلون العمل في إطار حزبي سياسي، وأوضح أن هذه الفكرة تعد قديمة، فبما أن الدولة تصالحت مع المعتقلين اليساريين، لماذا لا تكون المصالحة مع الإسلاميين؟، مضيفاً أنه "لما جاء العفو الملكي عن الشيوخ (شيوخ السلفية)، كانت هناك فكرة دخول السلفيين معترك العمل سياسي، بالرغم من أن أغلبهم يعطي الأسبقية للعمل الدعوى".

من جهته، قال "محمد عبد الوهاب الرفيقي - أحد الشيوخ السلفيين البارزين الذي انضم إلى حزب «النهضة والفضيلة» – لـ"رويترز": "هذا القرار يتيح لنا مساحة أكبر للتعبير عن أفكارنا بطريقة شرعية وقانونية، مشيراً إلى أنه "منذ أن خرجنا من السجن، ونحن نبحث عن منفذ للتعبير عن أفكارنا وإدماجنا في الحياة العامة بشكل طبيعي".

إلا أن شيوخاً سلفيين آخرين انتقدوا هذه الخطوة، وأكدوا تمسكهم بالعمل الدعوي، وتفضيله على العمل السياسي، فقد قال حسن الكتاني- أحد أبرز شيوخ السلفية الذي رافق عبد الوهاب الرفيقي في فترة السجن: إنه يفضل الاشتغال بالدعوة على العمل الحزبي.

واعتبر محمد ضريف - المحلل السياسي المغربي المتخصص في الحركات الإسلامية - أن انضمام هؤلاء إلى حزب سياسي انتصار للأطروحة التي تتبناها الدولة المتمثلة في عدم الترخيص لتأسيس أحزاب دينية أو سلفية، في حين يمكن لفاعلين دينيين الالتحاق بأحزاب سياسية كأي مواطنين.

ويرى ضريف أن هذه الخطوة قد تبدو عادية جداً باستحضار عنصرين أساسيين، الأول يتمثل في "الانفراج السياسي الذي يعرفه المغرب، حيث إن شيوخاً سلفيين استفادوا من العفو الملكي، والثانية "تراجع عدد منهم عن مواقف سابقة كانت سبباً في اتهامهم بالتطرف".

التعددية الحزبية

ورغم أن مشروع المنظومة الحزبية بالمغرب عرف النور في منتصف العشرينيات من القرن المنصرم، إلا أن أغلب المحللين السياسيين يعتبرون التعددية السياسية التي عرفها المغرب سنة 1960، لم تكن عبارة عن تشرذم سياسي، وإنما كانت نوعاً من التمايز الطارئ في صيرورة إعادة ترتيب الواقع السياسي المغربي، وفي هذا المضمار يكون الانشقاق تعبيراً عن اندماج حزب الاستقلال في اللعبة السياسية، لا سيما بعدما تخلص من عناصر التحالف الوطني القديم.

كما شهدت الساحة الحزبية انشقاق الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وجبهة القوى الديمقراطية عن حزب التقدم والاشتراكية، ثم الحزب الاشتراكي الذي انفصل عن المؤتمر الوطني الاتحادي، مع العلم أن هذين الحزبين انشقا عن الاتحاد الاشتراكي.

ولم تختص ظاهرة الانشقاق الحزبي فقط بالأحزاب اليسارية المغربية، فحتى الأحزاب المسماة إدارية شهدت بدورها انشقاقات، إذ انشق حزب الإصلاح والتنمية، ومن قبله الحزب الوطني الديمقراطي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار.

والجدير بالذكر، أن الساحة السياسية والحزبية المغربية تعيش حالياً حالة من الاستقطاب السياسي، بعدما لمّح حزب «الاستقلال المغربي» أن أيامه باتت معدودة في التشكيل الوزاري، في وقت يعتزم فيه تقديم مذكرة للملك "محمد السادس" الأيام المقبلة للبت في قراره بالانسحاب، عقب الانتقادات الحادة التي وجهها للحكومة، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وبعد انتقادات وجهها الأمين العام للحزب حميد شباط لحكومة عبد الإله بنكيران، التي تقول قيادات بالحزب أنها تعاملت بـ«آذان صماء» مع مطالبهم بإجراء تعديل وزاري، والقيام بتدابير من شأنها إخراج المغرب من الأزمة الاقتصادية التي يعانيها.

وفي ملخص القول، فإن المتأمل في المشهد يرى أن الانتصارات السياسية التي حققها الإسلاميون في العديد من الدول العربية في الانتخابات الأخيرة، أخرجت الكثير من الوجوه الإسلامية التي فضلت الاختفاء أو التي أجبِرت على الاختفاء مرة أخرى أمام الملأ.

البدائل الثلاثة

وبالنظر إلى واقع الحركات الإسلامية في الدول العربية بشكل عام، وبالأخص في الحالة المغربية، يمكن أن نخلص إلى ثلاثة بدائل يمكن أن تشكل مستقبل الإسلاميين في "المغرب".

فعلى مستوى البديل الأول، يبرز أمام التجربة الحزبية للسلفيين في "المغرب" التماشي والتفاعل الكامل مع التجربة الحكومية، باعتبار أن هذه التجربة جديدة ومستهدفة، وتحتاج إلى دعم مطلق وانخراط كامل من قبل السلفيين في "المغرب"، مما يستوجب على الحركة والأفراد الانخراط التام، والحضور الدائم في الشأن السياسي من خلال التمثيل الحزبي، والاستفادة من القدرة على الحشد برصيدها التربوي والدعوي؛ لتحصين التجربة وإسنادها وتوجيهها.

أما البديل الثاني، فيتمثل في البعد عن التجربة الحكومية على اعتبار أن المرحلة الحالية تشكل حالة مد انتخابي وتعددية حزبية، قد تعقبها حالة جزر، وأن التجربة السلفية في السياسة قد تنجح وقد تفشل.

وأخيراً، يأتي البديل الثالث استناداً على خطة الدعم للحكومة دون المسايرة الكاملة، مع الاحتفاظ بمقومات الحركات السلفية الإسلامية دون الانسحاب من الواجهة، وبالتالي يتحقق الدعم من مقتضيات الشراكة الإستراتيجية، والتمايز من مقتضيات الاستقلالية.
وفي النهاية، يمكننا القول أن الخيار الثالث (خيار التمايز وتقوية التواجد المدني)، هو الخيار المناسب لهذه المرحلة، في سياق المعادلة السياسية المغربية؛ لأنه من جهة يحافظ على الخيارات الإستراتيجية التي تبنتها بعض القوى السلفية في "المغرب" بخصوص الدخول في معترك العمل السياسي، والعمل على بناء القاعدة الشعبية، ودعم وسائل القوة في المسار السياسي.