عندما إحتج الملك محمد السادس على البابا الذي وصف الرسول بالشرير
![](http://archive.rue20.com/timthumb.php?src=http://archive.rue20.com/up/mohammed6_de_retour.jpg&h=300&w=300)
زنقة 20
بقلم: مصطفى العلوي*
تسلح الصحفي الكويتي أحمد الجار الله، بجرأة الصحفي، ووضع على الملك الحسن الثاني، السؤال التالي : ((لقد أرسلتم ولي العهد الأمير سيدي محمد إلى باريس، لحضور حفلة غنائية أقامتها الفنانة الفرنسية ”سيلفي فارتان ” فما هي الفلسفة التربوية من ذلك))
فأجابه الملك الحسن الثاني: ((إني لم أرسله، وإنما صادف ذلك وجوده في باريس أيام العطلة، وهو الآن شاب عمره خمسة عشر سنة، وللشباب حقوق ونزوات، وحضوره في حفل سيلفي فارتان، حتى لا يبقى في نفسه مركب حرمان، لأنه أمير أو ولي عهد، هذا هو ما يجعلني أقول بأن الديانة الإسلامية، هي المدرسة العليا بالنسبة للديانات كلها، لأن الله سبحانه وتعالى أبى إلا أن يمر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الامتحانات، وعلى شبابنا الذين سيواجهون الحياة أن يعرفوا تلك الحياة، حتى لا يبقى فيهم مركب حرمان أو جهل أو شك))(المقابلة حصلت يوم 14 جوان 1978).
من “سيلفي فارتان “ إلى الدروس المستخلصة من سيرة الرسول عليه السلام، لا يتعلق الأمر بمراوغة من طرف الحسن الثاني، ولا بتطرف ديني لا يمكن أن يواخذ عليه، فقد تصرف بحكم اطلاعه على تاريخ الإسلام، وهو الذي لم تكن تأخذه رأفة ولا شفقة، في حق كل من يمس بالإسلام، أويتجرأ بانتقاده، ونذكر أنه هو الذي أصدر الحكم بالإعدام، في حق مجموعة من الشبان الذين أعلنوا اختيارهم لمذهب البهائيين، في السنوات الأولى لتوليه الحكم، فقد كان مقتنعا بأنه أصبح ملكا في ظل هذه الديانة السمحة ومتحملا لرسالة هي في الواقع مبرر تواجده على هذا الكرسي(…) هو إذن تنفيذ لوصية الملك محمد الخامس، لولده الحسن الثاني، الذي ربط التسلسل مع ولده، بالوثيقة التي عينه بمقتضاها خلفا عنه.
فعندما قرأ شيخ الإسلام الفقيد العالم محمد بن العربي العلوي رسالة محمد الخامس، إلى ولده الحسن الثاني بمناسبة تنصيبه وليا للعهد، يوم 9 يوليوز 1957 ، قال في سياق الرسالة : ((يا بني إياك أن تحيد عن صراط الإسلام القويم، أو تتبع غير سبيل المؤمنين، واجعل القرآن، المصباح الذي تستضيء به إذا ادلهمت الدياجي، واشتبهت عليك السبل، ولا تنس يا ولدي، أن المغرب من بلدان الإسلام، ولا أنك واحد من المسلمين ((رسالة الإسلام، يتحمل ملوك المغرب حملها.. ماداموا متشبثين بصفة أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين، كما قال الحسن الثاني)) ، هو الذي ولاه الله شؤون المسلمين منذ أربعة عشر قرنا، فلا محل عندنا للفصل بين الدين والدولة، وحين يطرأ مشكل، يعود الناس لرئيس الدولة(…)الذي هو أمير المؤمنين)) .
لذلك بقي السؤال الصحفي، لجار الله، والذي طرحه سنة 1978 ، يختمر في ذهن الحسن الثاني، إلى سنة 1983 ، حيث عقد في باريس يوم 21 نونبر، المؤتمر السادس عشر للقانون الدولي، فكلف ولده ولي العهد سيدي محمد، بحمل الرسالة الإسلامية إلى قلب باريس، حيث قرأ الأمير الشاب رسالة مشاركته في هذا المؤتمر، وأكد : ((إن الإسلام، يرفض أي غزو مادي وأي تأثير مذهبي، يدفعان بالمجتمع إلى أحضان التفكك والانهيار، وبلدنا مصمم على تجنب هذه المشاكل الخطيرة، بل جعل نفسه في طليعة العاملين على صون القيم المثلى التي جاء بها القرآن الكريم)) (محمد بن الحسن. باريس في 21 نونبر 1983).
فهل تغير شيء، بعد موت الحسن الثاني، واستخلاف صاحب هذه العبارات ملكا على المغرب.
الأرشيفات الصحفية، تؤكد أن الملك محمد السادس، سار على طريقة أبيه وأجداده، في حماية الدين الإسلامي، من غزاة الكفر، وحملة الأفكار المناهضة للإسلام.
لقد كان أول من أطلق الشرارة الأولى في هذا القرن، ضد الإسلام، هو بابا الفاتيكان “بينيديكت السادس عشر “ يوم 12 شتنبر 2006 ، في جامعة العاصمة الألمانية، بون، تحت عنوان يغني عن مقال : ((العقل والإيمان في التقاليد المسيحية، والحاضر المسيحي)) أما عندما تحدث عن الإسلام، فقد أورد مقولة إمبراطور بيزنطي، كان هو أيضا، يكره الرسول محمد عليه السلام وقال : ((إن الرسول محمد، “صلى الله عليه وسلم “جاء بأشياء كلها شريرة، وأن انتشار الدين بالسيف مناقض لطبيعة الله)).
الباحث المغربي عصيد، لم يأت إذن بشيء جديد، وها هو البابا يتوسع فيما اختصره على أسماعنا عصيد، ويفسر البابا خبثه، وهو ينظر إلى أحد العلماء اللبنانيين الحاضرين، عادل تيودور خوري، ويقول له : ((أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد وسوف تجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية، من مثل أمره بنشر الدين بالسيف)) .
حكاية الشر في الرسالة المحمدية، من طرف البابا بينيديكت، الذي كان أستاذا للاهوت المسيحي سنة 1959 والتي توسع فيها عصيد المغربي، ووصفها بالإرهاب، كانت طبعا متطابقة سنة 2006 .
تاريخ المحاضرة، مع عهد دولة الرئيس الأمريكي بوش، الذي أكدت التقارير الأخيرة، المنشورة في شهر مارس الأخير أنه ضرب منطقة الفالوجة في العراق، بأسلحة ذرية، وتشكيل خلايا إمبريالية وإسرائيلية، لربط الإسلام بالإرهاب، وإقامة معتقل كوانتانامو لسجن وتعذيب المسلمين، الذي عجز الرئيس المتحرر أوباما عن إغلاقه لحد الآن، دون احتجاج من طرف الجمعيات الحقوقية العالمية، متطابقة إذن مع مخطط خطير، أعطاه بابا الفاتيكان الشرعية المسيحية. لنذكر للتاريخ، أن الملك المغربي محمد السادس، هو الرئيس العربي الوحيد، الذي تحلى بالجرأة، ليكتب رسالة احتجاج إلى البابا، كانت رسالة خطية، سلمها السفير المغربي في الفاتيكان للبابا يدا بيد.
وتقول الرسالة الملكية : ((إن الإسلام يدعو إلى التسامح بين الأديان السماوية كلها وإن الإسلام يدعو إلى السلم ونبذ العنف وظل عبر التاريخ منارة للتسامح، وإني أدعوكم بوصفكم رئيس الكنيسة الكاثوليكية إلى العمل على احترام الإسلام، مثلما يحترم الإسلام باقي الديانات السماوية )) .
الملك المحتج على البابا، فسر هجمة البابا، بأنها جزء من مخطط مرسوم ضد الإسلام والمسلمين : ((بالنظر إلى الظرفية الدقيقة التي يجتازها عالمنا، المشحون بالكثير من الصراعات، وتأجيج نزوعات للتطرف والخلط بين الحقائق والمزاعم الشائعة (…))).
فهل تبتعد اتهامات المغربي عصيد عن تصنيفها في سياق المزاعم الشائعة، وقد جاءت كما يبدو، مكتوبة من محبرة أستاذ اللاهوت الكاثوليكي، متهمة الرسالة المحمدية بالإرهاب، من قلب عاصمة الملك محمد السادس، الذي دعا البابا إلى احترام الإسلام، ووصف هذه الادعاءات بالمزاعم الشائعة.
شائعة في جميع الأخبار التي نتتبعها ليل نهار، أقبحها هذا الترخيص الدولي، للسفاح بشار الأسد، بذبح عشرات الآلاف من أبناء شعبه المسلمين، وإحجام القوات العالمية كلها عن التدخل، والامتناع عن دعم الثوار على الجبار، بدعوى أن الذين يحاربونه هم متطرفون إسلاميون، لأن إسرائيل كانت تشعر بالأمان من طرف حكم الأسد وتستشعر الخطر من تغيير النظام في سوريا، ومن هيمنة ذوي الاعتقادات الإسلامية، لأنهم مع كل رصاصة يطلقونها يرددون، الله أكبر.
قد يقول قائل، بأن عصيد، هذا، يمارس حقه في التعبير وفي الاتجاه المعاكس(…) للرسالة الملكية.. أو ربما يمثل اتجاها انفصاليا، يخطط لمستقبل سياسي مخالف للأغلبية الساحقة من المغاربة.
يذكر التاريخ السياسي للمغرب، في الثمانينات، أن الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، كان هو أيضا يجاهر بمخالفته لاختيارات الملك الحسن الثاني مثلما لا يتفق الباحث عصيد مع الملك محمد السادس، وإن كان عبد الرحيم بوعبيد، لم يجرؤ يوما على المس بالمقدسات الوطنية، التي هي الإسلام دين المغاربة منذ أربعة عشر قرنا، فتكون مبادرة عصيد، المنقولة عن البابا بينيديكت، والمتفقة حرفيا معه، لكن الحسن الثاني لم يقبل من عبد الرحيم بوعبيد، هذا التطاول السياسي المحض وسجنه من أجله، وحصل يوما أن جاء من باريس، صحفي فرنسي، ليستطلع موقف الحسن الثاني، تجاه عبد الرحيم بوعبيد، فقال الصحفي للحسن الثاني، ((لقد كتب الأستاذ المؤرخ شارل أندري جوليان أن الملك الذي يتمتع بمكانة لا مثيل لها، بسبب منبعه الإسلامي(…) لا يمكن له أن يحقق شيئا مع عبد الرحيم بوعبيد الذي يمثل اتجاه الشباب(…) والقادر على أن يكون معارضا، ليجيبه الحسن الثاني: لا وجود في المغرب لحزب سياسي قادر على ضمان استمرار الملكية الدستورية)) (ندوة 23 يناير1983).
بينما ها هو الاتجاه الذي يطعن في قدسية الإسلام، وفي شرعية المولى إدريس الأصغر، ويصفه بأنه ليس الابن الشرعي للمولى إدريس الأكبر، يعتبر اتجاها أخطر من حزب، الحزب الذي ينكر الحسن الثاني وجوده، لولا أن حزب الطاعنين في الرسالة المحمدية وأحفاد الرسول، لم يجد ردة فعل، ولا قرارا من العلماء، الذين كان الحسن الثاني يعتبرهم خلفاء له في مواجهة عوادي الزمن، وهو الذي قال : ((الحكومة علماء، والعلماء حكومة، لأن الدين والدنيا مختلطان، واليوم الذي تفرق فيه دولة إسلامية بين دينها ودنياها، فلنصل عليها صلاة الجنازة)) (فبراير1980).
* المدير العام لـ الأسبوع الصحفي.