التفاصيل الكاملة لمُخطط الإسلاميين لبسط أياديهم على الدولة والمجتمع
![](http://archive.rue20.com/timthumb.php?src=http://archive.rue20.com/up/لالالالا1.jpg&h=300&w=300)
زنقة 20
حقوق الإنسان، الحركات النسائية والشبابية والطفولية، الرياضة الهاوية وفرق الأحياء، القوافل الطبية، الأمازيغية، المال والأعمال والاقتصاد والدراسات الاستراتيجية، الإعلام والإنتاج السمعي البصري، الجمعيات المدنية … اليد الطويلة للإسلاميين بالمغرب لم تترك مجالا إلا واقتحمته. ثلث الجمعيات النشيطة في المغرب من أصل 90 ألف جمعية كلها تحرك بأيادي إسلامية. وهنا مربط الفرس، الأجنحة الطائرة للحركة الإسلامية تنشر شرايينها في المجتمع المغربي، في ما يشبه الحملة الانتخابية دائمة
مارس 2007 . قافلة طبية تصل إلى منطقة طاطا في عمق المغرب السحيق. كان من المفروض أن تكون القافلة تحت إشراف مباشر من وزارة الصحة، حسب ماكان مقررا في دواليب الوزارة آنذاك. الإمكانيات المحدودة والإهمال وعدم وجود رغبة ملحة في إتيان هذا العمل ذو الشكل الخيري، لم يخف على الأوساط الإسلامية التي عوضت التواجد الوزاري الرسمي هناك، بقافلة طبية تعدت في إمكانياتها و أنشطتها وأطرها البشرية ما كانت تنوي الوزارة بعثه إلى طاطا. الجمعية التي قامت بالعملية، كانت تضم أطباء وأطر تنتمي في غالبيتها العظمى لنقابة حزب العدالة والتنمية. فالطبيعة لا تحب الفراغ، وهذا ما انتبهت له الأوساط الإسلامية في المغرب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين كان مشروع حزب «البي جي دي» في مستوياتها الجنينية.
ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، فإن عدد القوافل الطبية التي نظمتها وأطرتها شبكات من النسيج الجمعوي التابع، ظاهريا أو باطنيا للأوساط الإسلامية بالمغرب ( نقابات ، شبكات تخييم، جمعيات نسائية …) تجاوز الألفي قافلة خلال السنوات الست الأخيرة، استهدفت جل مناطق المغرب، وتحديدا المناطق النائية. وإن كان الهدف الإنساني ظاهرا للعيان في هذه القوافل مع ما تعكسه من إيجابيات على المواطنين المغاربة المفتقدين لأدنى شروط التطبيب العادي في تلك المناطق، فإن الرهانات الانتخابية و«الاستقاطبية» تظل الهدف غير المعلن لهذه القوافل، أو المعلن تحت شروط السرية والغموض.
دولة داخل الدولة
( …. )
* أحمد منصور: قل لي إيه المجالات التي يعمل فيها الحزب والمجالات التي تعمل فيها الحركة؟
* محمد الحمداوي : مجالات العمل الحزبي السياسي في الأساس هو تدبير الشأن العام والمشاركة في الانتخابات، الحكومة، البلدية، الأغلبية إلى غير ذلك، البرلمان هذا عمل حزبي محض، سنجد الحركة في مجال آخر، يعني هي تشرف على نسيج من الجمعيات، في المجال النسائي الطلابي الخيري الطفولي، مجال دعوى مجال التوعية لنا مجال لقاءات أسبوعية في إطار إحنا رفعنا شعار إعداد إنسان صالح مصلح وضمانتنا أن نخرج رجالا ونساء يعني لهم نصيب عالي من الاستقامة والصلاح ونضخ هذه المؤسسات فمن يريد أن يعمل في العمل السياسي فليذهب إلى العمل السياسي والثقافي وغيره من الأعمال، فدورنا هو إعداد هؤلاء الرجال والنساء، دورنا الآخر هو مجال الدعوى العام، ما هو الخطاب الدعوي الوسطي المعتدل في القضايا التي تطرح في المجتمع، دورنا هو إعداد الكوادر وتهيئهم، دورنا حتى احتفظنا بمدور سياسي في القضايا الكبرى للأمة.
* أحمد منصور: وليس إقامة الدولة، ما مفهوم إقامة الدين؟
* محمد الحمداوي : إقامة الدين على هذه المستويات، مثلا حينما نقول على مستوى الفرد، فنحن نعتبر ان الذي يشتغل ويدعو جيرانه للالتزام على المستوى الفردي، هذا يشارك في تحقيق الهدف، في حين، حينما كنا نجعل الهدف وهو إقامة الدولة، أو إقامة الخلافة الإسلامية، كانت مثل هذه الأعمال ثانوية ولا تدخل في إطار المشروع، الذي يعمل على مستوى الأسر المغربية، طيب الآن حصل نجاح على المستوى السياسي، أين هو التدين على مستوى الأسر؟ أين هو حضورنا مع المجتمع المدني، وفي الجمعيات؟ فلذلك هذا يجعلنا ننسب العمل السياسي ودوره، وإلا في مجالات، وفي دول أخرى وصلت الحركات الإسلامية إلى الحكم وإلى الدولة وحصل الاختلاف لدينا، فلذلك هذا يجعل عملية إقامة الدولة هو مجال من المجالات وليس أسمى الأهداف التي كانت مسطرة من قبل، المسألة الثانية التي حصل فيها نوع من المراجعات، وهي على المستوى التنظيمي، فنحن انتقلنا من تنظيم سري الهدف منه هو التغيير الجذري، قضيته هو أنه كان يطرح وكنا نعتقد أننا طرف بديل عن كل ما هو موجود، أنك ستنشأ إنشاء جديدا
* أحمد منصور : وحتى الشباب على الإنترنت.
*محمد الحمداوي : والشباب على العموم، فبالتالي ما دام تعددت هذه وسائل التلقي، ووسائل المساهمة، ضمنيا يجب على الحركة الإسلامية أن تعتبر أنها مساهم من بين مساهمين آخرين، وهذا ما نصت عليه بالتنظيم الرسالي، النقطة الثالثة التي حصلت فيها مراجعات، وهو قلنا نعم، الإسلام هو شامل، منهج حياة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا المنهج للحياة تحت إشراف تنظيم هرمي على رأسه شخص يفهم في كل الأشياء، ويدبر كل هذه المجالات، مع مرور الزمن انتبهنا إلى أن الوقت الذي يمر في التدبير الإداري والتنسيق بين هذه الأعمال تحت قيادة واحدة، لو صرف في الإنتاج وفي الخروج إلى الناس، فقررنا ما اصطلح عليه في مصر ربما الخصخصة، أو الخوصصة، أو أن نفوض مجموعة من الأعمال لمؤسسات يؤسسها إخواننا نعم وأخواتنا، ولكن تشتغل مع الناس، فأعطيناها استقلالية.
* أحمد منصور : إديني صورة لهذا، يعني منظمات مجتمع مدني؟
* محمد الحمداوي: أيوه، بالضبط. * أحمد منصور : كله يقوم على أوامركم وتوجهاتكم.
* محمد الحمداوي : على العموم مثلا إن سألتني في المجال النسائي أو حتى في المجال الخيري أنا كرئيس الحركة عدد الجمعيات التي أسسها أعضاء الحركة في المجال النسائي لا أعلم عدد هذه الجمعيات، وبالأحرى من على رأسها، جعلناها تنظيما شبكيا.
الحوار مجتزأ من اللقاء الصحفي الذي أجراه محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح مع قناة الجزيرة في الأول من شتنبر 2012، ومن خلاله لا يخفي الحمداوي التطلعات المؤسسة للحركة في الهيمنة على كل ملامح الجسد المغربي. وإذا كان من حق أي تنظيم سياسي، أن يكون له دور على كل المستويات، شعبية كانت أو رسمية، فإن المثير للانتباه هو استهداف كل مكونات المجتمع المغربي عن طريق «التدين» في مجتمع أصلا متدين ومسلم. والأكثر إثارة للانتباه، هو الرغبة المعلنة في تعويض الدولة في العديد من المجالات، فيما يمكن تسميته خلق «دولة داخل الدولة» على غرار النموذج المصري لجماعة الإخوان المسلمين.
بحصوله على 107 مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة، يكون حزب العدالة والتنمية قد جنى ثمار خمسة عشر سنة من هذا التخطيط الذي يشارك فيه الجناح الدعوي المتمثل في حركة الإصلاح والتوحيد بشكل مؤثر. والنتيجة باهرة وفعالة في نفس الوقت : فبين حوالي 90 ألف جمعية تنشط على المستوى الوطني، تقدر مصادر متطابقة عدد الجمعيات المنتمية أو المغطاة تحت إسم التيار الإسلامي في المغرب بما لا يقل عن 23 ألف جمعية، ذات إشعاع محلي صغير في غالبيتها العظمى. خمسة عشرة سنة كانت كفيلة بتخريج أفواج عديدة من وجوه الحزب السياسي المسيطر على الحكومة اليوم من رحم هذه التكتلات الجمعوية الصغيرة. أسماء عديدة، قد لا يسع المجال لذكرها هنا، تولت فيما بعد مناصب المسؤولية المباشرة في قطاعات تهم العمل الجمعوي وتهيئة نسيجه لاكتساح قادم، نذكر منها الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وعبد العالي حامي الدين رئيس منتدى الكرامة وفاطمة الزهراء بنحسين، مناضلة الحزب ومديرة منتدى «الزهراء»، الجناح النسائي لحركة الإصلاح والتوحيد.
آلة متعددة الاختصاصات
الاتحاد الاشتراكي … حزب الاستقلال … الحركة الشعبية … التجمع … وباقي الأحزاب المغربية الكبرى تملك وتسير جمعيات في مختلف الاختصاصات، غير أن خصوصية العدالة والتنمية في هذا المجال تتفوق على الجميع. الملاحظ أن حزب رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران وحركة الإصلاح والتوحيد، تمتد أذرعهما إلى كل المجالات تقريبا. الملاحظ أيضا أن هذه الشبكة من الجمعيات، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين والمهتمين مثيرا للاهتمام والتأمل، تسعى إلى تحييد الاختلاف في أوساط النسيج الجمعوي عبر التأسيس لمنظومة محكمة تحاول فرض توجه وحيد على العمل الجمعوي أو النقابي وحتى الاقتصادي. الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان، شهدت مقاربات واضحة في هذا الشأن. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يتلاقى وفد رجال الأعمال الأتراك مع ممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب باعتباره الجهة التي تضم تجمع الباطرونا المغربية، فوجئ الرأي العام الوطني بتمثيلية أخرى للباطرونا، جمعية مقربة من الأوساط الإسلامية في المغرب، تتجاوز «السي جي أو إم» وتلتقي بالوفد التركي.
الأذرع المتشابكة والمتداخلة لمحطات العمل الجمعوي والنقابي الإسلامي لا تترك مجالا. الجامعات كانت التجربة الأولى لإرساء معالم هذه السيطرة. بداية التسعينيات شهدت حضورا لافتا للفصائل التابعة للعدل والإحسان وحركة الإصلاح والتوحيد، مع مارافق ذلك من مسح لباقي الفصائل تحت مسميات عدة وعبر وسائل مختلفة لدرجة أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كان في العقود السابقة قاعدة للعمل الطلابي التقدمي صار اليوم في قبضة إسلامية كاملة.. في العمل الشبابي، لابد من استحضار دور شبيبة الحزب في التأطير والاستقطاب. «البي جي دي» وباقي الحركات الإسلامية ممثلون في قطاع الاقتصاد والدراسات الاكاديمية المرتبطة به عبر «فضاء المقاولة» و«الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الاسلامي». «الرسالة» و «عصبة الأمل للطفولة المغربية» تؤطر أنشطة الأطفال، فيما انحصر دور الكشفية الحسنية» لتحل محلها «منظمة الكشاف المغربي». المحامون، الأطباء، الصيادلة والأساتذة، منضوون بفئات عريضة في التجمعات النقابية الموالية. منتدى «الزهراء» متفرغ للعمل النسائي. في المسيرات والتظاهرات غالبا ما يفرض التنسيق بين الهيئات والجمعيات المنتمية للتيار الإسلامي نفسه، لتظهر حركات مثل «النصرة» و «الأمة» لتأطير المتظاهرين وتوزيع الشعارات. حتى الحركة الأمازيغية، التي كانت دائما محط استهداف وانتقاد في الأوساط الأسلامية، وجدت لها مكانا ضمن هذه الآلة التنظيمية واسعة النطاق. جمعية «تامازيغت لكل المغاربة» صارت منذ مدة قصيرة، تعنى بالمسألة الأمازيغية، من وجهة نظر إسلامية بطبيعة الحال !
قبل الاكتساح
تحت أعذار ومسميات كثيرة منها «قطع الطريق على التيار العلماني والفرنكفوني» أو «التشبث بالثوابت» … تسعى الحركة الإسلامية في المغرب إلى إعادة ترتيب أوراق القطاع الجمعوي في المغرب. لهذا الغرض تم إنشاء مديرية جديدة داخل الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، والتي يتولى مقاليدها الحبيب الشوباني منذ تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 25 نونبر 2011، مختصة في العلاقات مع المجتمع المدني، عينت على رأسها فاطمة الزهراء بنحسين الأمينة العامة السابقة لمنتدى الزهراء، الجناح النسائي لحركة العدل والإحسان. في نفس السياق، شرعت الحكومة عبر الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان دائما، في الدعوة إلى حوار وطني شامل حول المجتمع المدني منذ شهر مارس. وهي الدعوة التي رفضتها عدة هيئات احتجاجا على تعيين عبد العالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة، كمقرر له.
مشروع آخر، بخلفية تشريعية يستهدف تضييق الخناق على العمل الجمعوي المنافس، يعمل هذا التيار على مأسسته منذ مدة. الأمر يتعلق بمذكرة نص قانون مازالت تنتظر على رفوف الأمانة العامة للحكومة، تقدم به نواب العدالة والتنمية في البرلمان. نص المشروع يستهدف استبعاد وزارة الداخلية عن عملية الترخيص لجمعيات المجتمع المدني بالعمل، عبر وضع ملفاتها ليس لدى السلطات المحلية كما جرت به العادة منذ اعتماد قانون الجمعيات سنة 1957، ولكن لدى الوكيل العام للملك. نفس مشروع القانون، يتضمن نصوصا لحل الجمعيات، يعهد بها للسلطات القضائية فقط.
فئة الأطفال، كقاعدة بشرية أساسية في إرساء دعائم مستقبل أي مشروع سياسي كالذي تحاول الأوساط الإسلامية في المغربية بلورته في الفترة الراهنة، تشهد مدا إسلاميا متنوعا، من الحركة الكشفية المغربية إلى مخيمات تصييف الأطفال. الحركة الكشفية الوطنية التقليدية وغيرها، ومع انتباه الحركات الإسلامية في المغرب بمختلف تلاوينها إلى أهميتها، عرفت دخولا متواترا للأطر الإسلامية لمنافسة الكشفية الحسنية، المؤسسة الأقدم في المغرب والمحدثة سنة 1933. مخيمات التصييف، وحسب مصادر من الجمعيات المؤطرة، تعرف توجهين اليوم. توجه أول تابع للدولة المغربية ويقوم على تنفيذ برامج وزارة الشباب والرياضة ومسايرتها، وتوجه ثاني، مدعوم من طرف الألة الإسلامية في المغرب، لا ينفذ برامج الوزارة بل يعتمد على مقاربات خاصة بالحركات الإسلامية المختلفة، من حيث التأطير مأخوذة من البرامج الحزبية والدعوية. ذات المصادر، أكدت أن التأطير والتدريب الذي يقدم للصغار في الجمعيات التابعة للحركات الإسلامية لا يشرف عليه مدربون حاصلون على دبلومات التدريب من طرف الوزارة، بل غالبا ما يتم الاعتماد على أطر حزبية، شبابية بالتحديد، للقيام بهذا الدور. هنا يطرح السؤال حول أهلية هؤلاء الأطر الحزبية في تولي عمليات التأطير، مادام قانون جامعات التخييم يفرض عدم الانتماءات الحزبية أو النقابية.
من حقوق الإنسان، إلى الحركات النسائية والشبابية والطفولية، ومن الرياضة الهاوية وفرق الأحياء، إلى القوافل الطبية، إلى الحركة الأمازيغية، إلى عام المال والأعمال، مرورا بباقي مجالات الحياة، تسعى الحركة الإسلامية بالمغرب، إلى فرض نموذجها الواحد على أبناء الشعب المغربي. تحرك مشروع لكل نموذج سياسي قطعا ولا يمكن دستوريا أو قانونيا الاعتراض عليه، لكن المشكل يصبح قائما حين يحوم هاجس تشكيل الدولة داخل الدولة على غرار النموذج المصري، الذي نعاين تهاويه هذه الأيام. عن الأحداث المغربية.