زنقة 20 . أ.ف.ب

- كيف تفسرون قرار الملك محمد السادس بالتراجع عن قرار العفو عن دانيال كالفان فينا؟

- هذا القرار غير مسبوق، لأن الملك يعترف لأول مرة، وبشكل رسمي وعلني، بمسؤوليته، وليس ذنبه. إنه القرار المعقول والصحيح الذي كان ينبغي اتخاذه، لأن السياق لا يحتمل إضعاف المؤسسة، ولأن الملك كان يواجه ردة فعل قوية من حركة صحيح أنها جنينية، ولكنها مرشحة للتطور.
إن حركة الغضب في المجتمع المغربي كانت مؤشرا قويا بالنسبة للملك، لأنها وراءها مغاربة متوسطو الحال وليسوا مسيسين بالضرورة، وجمعيات مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال، ولو أن أحد قادتها ينتمي إلى حركة 20 فبراير الداعية إلى الإصلاح.
إنها حركة كانت لزاما احتواؤها حتى لا تتحول إلى موجة احتجاج واسعة، خاصة بعد القمع البوليسي. ذلك أنه كان ممكنا أن تتطور إلى مطالب أخرى، مثلما وقع في مصر وتونس. فلو لم يتخذ الملك هذا القرار، كان سيظهر ذلك كما لو كان تجاهلا من السلطة، بينما بنى، حتى الآن، استمراريته على قدرته على استباق مطالب الشعب.

- البعض يرى أن هذا التراجع إشارة على ضعف الملك وانفتاح نحو دمقرطة أكبر للمجتمع. ما رأيكم؟

- الأمر ليس علامة ضعف، لأن طبيعة القضية تبرر هذه الخطوة. ولقد قيل نفس الشيء يوم 9 مارس 2011 عندما أعلن الملك عن إصلاح دستوري في أعقاب تشكل حركة 20 فبراير. يمكن فهم قرار الملك لدى الرأي العام على الشكل الآتي: الملك شخص جيد ومحيطه فاسد. كان لا بد أن يعترف بحدوث خطأ.
هذه الأزمة تكشف عن التغيرات العميقة التي تعرفها العلاقات بين المجتمع المغربي والسلطة. المجتمع لا يتشكل من رعايا، بل أصبح فاعلا قويا ومهما له ثقله على الفاعلين السياسيين. هذا مسار تمت مباشرته منذ أكثر من عقد من الزمن، ولعب فيه الربيع العربي والإصلاح الدستوري دورا كبيرا. الملك لا يحكم فقط بشكل شمولي، بل أيضا من خلال ميزان القوة مع المجتمع. إن شخصنة القرارات أصبحت محفوفة بالمخاطر بالنسبة له، مما يفرض مأسسة العمليات السياسية والتواصل أكثر مع الشعب.
لقد شكل الإصلاح الدستوري لسنة 2011 إطارا يسمح للملك بحماية نفسه من الانخراط المباشر في اتخاذ القرار، لكن هذا لم يطبق بعد. إن استمرار النظام يمر عبر ثلاثية الملك، الحكومة والشعب.

- ماهو دور الحكومة في هذه الأزمة؟

- أعضاء حزب العدالة والتنمية هم أول الخاسرين. الملك أزال البساط من تحت أقدامهم، هم كانوا تابعين و اكتفوا في خطابهم بمحاولة القول «ليست لنا علاقة بكل هذا» وهو أمر صحيح سياسيا ولكنه خاطئ مؤسساتيا. لقد اعتبروا أن المسألة شأن ملكي والحال أن الادارة التي أعدت الملف تابعة لرئيس الوزراء وبالتالي كان عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم ويذهبوا إلى حد الصدام مع الملك.
الدستور يعطيهم هذه السلطة. وهو ما تحملوه خلال الشهرين الاولين ثم سرعان ما تخلوا عنه ، وذلك بسبب أنهم وجدوا الامر مريحا أكثر مما هو بسبب توازن سلط سلبي مع القصر. لقد بسطت الحكومة نفوذا حقيقيا على قطاعات واسعة من الإدارة، ولكنها سرعان ما تتراجع عندما تعتبر نفسها مسؤولة أمام الملك و ليس أمام الشعب.