زنقة 20

بقلم: خالد أشيبان

في كل بلاد الدنيا، عندما تحاول الحكومات اتخاذ القرارات، ولو كانت تلك القرارات غبية، فهي تبحث عن التوقيت المناسب لاتخاذها. إلا في المغرب، أجمل بلد في العالم، فالأمور تسير عكس التيار.

ففي الوقت الذي خرج فيه ملك البلاد بخطاب تاريخي يوم 20 غشت الأخير يعلن فيه فشل المنظومة التعليمية وعدم نجاعة السياسة المتبعة من طرف الحكومة في مجال التعليم، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة أن يخرج السيد رئيس الحكومة ببرنامج واضح ومتكامل لإصلاح المنظومة التعليمية، اختار السيد بنكيران أن يمشي ضد التيار وأن يخلق الحدث بالتوقيع على قرار اعتماد نظام المقايسة لتحديد ثمن المحروقات.

يعني أن المواطن المغربي والمقاولة المغربية سيواجهان، ابتداءً من 16 شتنبر المقبل، أسعار السوق العالمية المتقلبة. وبما أن الوضع في الشرق الأوسط متقلب، وبما أن الضربة الأمريكية لسوريا وشيكة، وبما أن أسعار النفط في ارتفاع، فليس هناك أي مؤشر على أن أسعار البترول في العالم ستنخفض في الفترة المقبلة، بل هي مرشحة للارتفاع بشكل قياسي. وهذا يعني أن نصف تبريرات الحكومة لاعتماد نظام المقايسة غير صالحة في هذه الفترة، وبالتالي فإن القرار سيضرب القدرة الشرائية للمواطن وتنافسية المقاولة المغربية في العمق.

أما فيما يخص توقيت اتخاذ القرار، فالسيد بنكيران يوقع قراراته دائما تحت الطاولة. وبالتالي فالسيد رئيس الحكومة استغل انشغال الناس بالعطلة الصيفية وتوقف الدورة البرلمانية، ليتخذ قرارة بحرق جيوب المواطنين. ليس ذلك فقط، بل إن السيد رئيس الحكومة لم يعر أي اهتمام لمعاناة المواطن المغربي ذو الدخل الضعيف والمتوسط، والذي وجد نفسه يحترق بلهيب الأسعار في رمضان، وبعدها العطلة الصيفية، وبعدها الدخول المدرسي، وبعدها عيد الأضحى. فما كان من السيد رئيس الحكومة إلا أن يحمل البشارة للمغاربة بزيادة وشيكة في كل شيء.

لكن هل كان أمام الحكومة حلول أخرى ؟ نعم.

إصلاح صندوق المقاصة لا يتم بقرار انفرادي غير محسوب، بل يتم بإصلاح اقتصادي شامل يشارك فيه الجميع (حكومة، برلمان، مجلس اقتصادي واجتماعي، أرباب المقاولات، النقابات …)، لأن القرار في الأخير يهم المجتمع بأكمله. ومشكل المقاصة ليس بمشكل « حل » بقدر ما هو مشكل « فهم » لذا الحكومة للمشكل الحقيقي، لأن فهم المشكل هو نصف الحل.

فالمشكل الحقيقي ليس في تحديد من يستفيد من الدعم، بل في أسباب وجود صندوق الدعم هذا. والأسباب معروفة : ضعف القدرة الشرائية للمواطن وضعف تنافسية المقاولة المغربية. يعني أن أي حل لمشكل المقاصة يجب أن يحل هذين المشكلين، ولا أظن بأن رفع أسعار المحروقات أو اعتماد نظام المقايسة يحل المشكلين بقدر ما يزيد الوضع تأزماً.

إصلاح المقاصة يتم عبر تحسين أداء الاقتصاد الوطني، وتحسين الأداء يتم عبر ترشيد استخدام كل خيرات البلاد الطبيعية والبشرية والمالية لإيجاد مكان جيد بين الدول في السوق العالمية. وإيجاد المكان المناسب يتم عبر تأهيل الموارد البشرية للبلد، وذلك لا يتم إلا عبر منظومة تعليمية وجامعية في المستوى تنتج عقولا وسواعدا قادرة على الإنتاج والبحث ومواكبة سرعة تطور العالم من حولنا.

سياسة الترقيع التي تنهجها حكومة « الهواة » لا يمكن إلا أن تعقد وضع الاقتصاد المغربي أكثر، وكل يوم تتأخر فيه بداية الإصلاح الحقيقي يدفع ثمنه المواطن البسيط الذي لا يجد شيئاً أمامه.

إن أخطر سلاح يمكن أن تستخدمه ضد أي شعب، هو أن تقتل فيه قدرته على الحلم. وهذا ما يحدث بالضبط مع حكومة عبد الإله بنكيران، التي قتلت في المغاربة حلمهم بالتغيير وعيش واقع أفضل.

سيحسب البعض أنني أمارس معارضة فارغة ليس لها أي قاعدة، لكن الأكيد، والله يعلم ما في النوايا، أن خطابي هذا لم يكن ليتغير لو اتخذ نفس القرارات أي رئيس حكومة آخر في هذا البلد.