وَهبي يَرُد على بنكيران : السياسيون بين لغة الحزام وخطاب المافيا
زنقة 20 . الرباط
بقلم : عبد اللطيف وهبي
تناسلت في الأيام الأخيرة كتابات وتعليقات عدة، حول خلاف سياسي كان من المفروض أن لا يأخذ كل هذه الأبعاد القدحية، لما فيها من إخلال للالتزام بفضيلة الحوار وآدابه كسلوك أصيل للممارسة السياسية وخلاف ذلك لما لها من انعكاسات سلبية على من يدبر الشأن العام ويساهم في إدارة مؤسسات الدولة، و كذلك على العلاقات بين أفراد العملية السياسية برمتها.
فما وقع في مجلس النواب في المدة الأخيرة يثير الكثير من الأسئلة و أمرّها هل المسؤولين السياسيين ببلادنا لم يرقوا بعد إلى مستوى الحوار الذي تفرضه طبيعة علاقات المؤسسات الدستورية فيما بينها؟ أم أن سياسيينا لم يرتقوا بعد إلى مستوى ومكانة مؤسسات الدولة التي يساهمون في تسييرها؟ والنتيجة أننا سرنا نتعسف على ممارسة الحوار كآلية ونهج ديمقراطي، بل أصبحنا عاجزين فعلا على بلورة علاقات قد نختلف فيها، ولكن لا ندمر من خلالها مناصب مؤسسات الدولة التي هي ملك للجميع ومن يتموقع فيها لا يكون ذلك إلا مؤقتا، وبالتالي ألا يجب أن يترفع عن أي سلوك قد يخدش ليس الاحترام الواجب بين الأفراد فحسب ولكن كذلك باحترام و هيبة المواقع.
إن للسيد رئيس الحكومة الحق المطلق في الدفاع على موقعه السياسي وبرنامجه الحزبي، غير أنه يجب عليه أولا وقبل كل شيء المحافظة على الاحترام الواجب اتجاه المنصب الذي يعتليه قبل احترامه للمؤسسات الأخرى وللأشخاص الآخرون الذين يتحاور معهم، لكونه ليس فقط منصبا دستوريا له قيمته الدستورية و تراتبيته المجاورة لرئيس الدولة، ولكن لكونه محور السلطة التنفيذية وإحدى عناوين طبيعة نظامنا الدستوري، وبالتالي ما ننتجه من ممارسات ونحن على رأس هذه المؤسسات نضعه رهن إشارة الأجانب في الحكم على مدى نضجنا السياسي.
فطبيعة الحوار وحدوده هي مسؤولية مشتركة بين المتحاورين احتراما لمواقعهم التي هي مسؤوليات وتكليف أخلاقي قبل أن يكون مؤسساتي، لذلك ولحساسية هذا الموقع وقدرته على البلوغ إلى الرأي العام، فإن على السيد رئيس الحكومة أن ينتقي كلماته وألفاظه بعناية، وأن يختار خطابا يرقى إلى مستوى المنصب الذي يمثله وإلى مستوى المؤسسة التي يتكلم داخلها، وعليه أن لا يلقي الجمل والعبارات المزدوجة والمشبوهة التي لها احتمالات قدحية وأخرى بريئة، لما لذلك من خطورة و انزلاقات على مستوى التواصل الذي يجب أن يكون واضحا ونزيها بين السيد رئيس الحكومة المسؤول على إدارة الشأن العام وبين القوى السياسية وبين كافة المواطنين.
لذلك أعتقد أنه غير مسموح حتى للمعارضة بتأويل في اتجاه قد يسيء ليس إلى شخص السيد رئيس الحكومة ولكن إلى المؤسسة والمنصب الذي يعتليه، لأن طبيعة هذا المنصب الدستوري و واجب احترامنا له هي مسألة إلزامية للجميع أغلبية ومعارضة، لما لكل إخلال بذلك من انعكاسات سلبية على المؤسسات وعلى الأشخاص وعلى بنائنا الديمقراطي عموما.
إن تطور هذه الأحداث داخل مختلف وسائل الإعلام وما تبعها من حوار سياسي آخر يستند على استعمال مفردات "العصابات" و "المافيات"، أساءت إلى المشهد السياسي برمته وحولت الجميع وكأنهم عصابات تدير دولة تجار المخدرات أو دولة المافيا المرعبة والجرائم المنظمة.
فلا داعي أن نستعمل مثل هذه الكلمات وهذه الإيحاءات حتى لا نفسد الخطاب السياسي أكثر مما هو فاسد، وليس بهذا الخطاب السياسي قد نقنع الرأي العام الوطني بأهمية المشاركة السياسية، ولا يمكن بهذه اللغة أن نحفز الشباب على الانخراط في الفعل السياسي وفي العملية الانتخابية، وليس بهذه الفتوحات اللفظية سنهزم حزبا معينا أو تيارا بعينه داخل حزب أو حتى الأشخاص في ذلك الحزب.
إن الرقي بنظامنا الديمقراطي يفرض علينا تطوير سلوكنا وخطابنا أولا وإلا ستتحول نضالات ستين سنة من كفاح أجيال سياسية سابقة قدمت تضحيات جسيمة وعاشت سنوات الرصاص من أجل بناء دولة الديمقراطية و المؤسسات وحرية التعبير وحقوق الإنسان و دولة تدار بنهج ديمقراطي، إلى أطلال مؤسسات دستورية تدار بخطاب مبطن وبحوار يتسم بكثير من العور.