توثيق أربع سنوات مِن حركة 20 فبراير .. الأخطاء و المكاسب
زنقة 20 . الأناظول
حلت في هذا الشهر الذكرى السنوية الرابعة لـ"حركة 20 فبراير" المغربية، التي قادت الحراك المغربي عام 2011، الذي أدى إلى تحولات سياسية مهمة في مملكة المغرب.
وبحسب العديد من المراقبين، فقد بدأت تلك التحولات السياسية بتغيير الدستور، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها تبوأ من خلالها حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الصدارة، وقاد حكومة ائتلافية لأول مرة في تاريخ المغرب.
وبمناسبة الذكرى الرابعة للحركة قدمت منظمة "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" (غير حكومية) كتابا بعنوان "حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق"، يستعرض مسار الحركة من بدايتها، ويتضمن شهادات كثيرة لناشطين في الحركة، والتي نقدم ملخصا عن أهم ما جاء فيها.
الحلم/ الذكرى
في شهادته عن الحركة، قال نجيب شوقي، أحد أبرز وجوه الحركة بالعاصمة الرباط: "شخصيا، أعتبر أن حركة 20 فبراير هي أجمل شيء وقع خلال هذا القرن، هي لحظة ثورية كبيرة جدا، لكن المشكل الحقيقي الذي كان هو مشكل النخب التي لم تستوعب الحراك ولم تكن في حجم المرحلة".
وأضاف "تجربة 20 فبراير بالنسبة لي مدرسة كبيرة جدا، واستفدت منها الكثير، فلم أكن أتصور يوما ما أنني سأجلس مع إسلامي على مائدة واحدة وأن أتناقش معه وأحميه ويحميني خلال المسيرات، لكن بفضل الحركة اكتشفت أن الوطن يجمعنا، وكان هذا هو الهدف من الحركة وليس شيئا آخر".
وفي لحظة بوح مؤثرة، قال شوقي "أنا إنسانيا خرجت خاسرا من الحركة في علاقتي مع عائلتي وحبيبتي السابقة، لكن ربحت علاقات صداقة جديدة".
وهو ما عبر عنه حسن المخلص، الناشط في الحركة بالدار البيضاء (شمال)، بالقول إن هناك "لحظات انفعالية" عاشها خلال مسار الحركة، أهمها "كانت مع ولادة الحركة عندما سألتنا امرأة ونحن خارجون من مقر الحزب الاشتراكي الموحد (يساري معارض) أين أنتم ذاهبون" فأجبناها "إننا ذاهبون لنتكلم عن حقنا، فزغردت".
هذا الموقف لم يكن خاصا به فقط، بل يكاد يسري على جميع من شارك في الحركة، وخصوص من وردت شهاداتهم في الكتاب، وهو ما عبر عنه مصطفى المشتري، عضو حزب العدالة والتنمية (إسلامي، يقود الحكومة الحالية)، والناشط بالحركة، بقوله إن "حركة 20 فبراير ستبقى حية في النفوس وفي الضمائر تنتفض كلما طغى الفساد وعلا صوت الاستبداد".
الفكرة والبداية
عن بدايات فكرة الحركة، توجد شهادات للناشطين في الحركة، تتطابق أحيانا وتختلف أحيانا أخرى، وتتعدد سياقاتها بتعدد المدن والفاعلين في الحراك، بحسب مراسل الأناضول.
قال نجيب شوقي "كانت (البداية) من خلال تتبع بدايات الحراك في تونس ومصر، وقد استفدنا من حركة 6 أبريل (المصرية) والحركات اللاعنفية، والحركات العنفية، النقاش في البداية لم يكن جديا، لكن شيئا فشيئا أصبحت الأمور تأخذ منحى الجد، فخرجت الأرضية الأولى وهي أرضية "حركة حرية وديمقراطية الآن" وكانت جد بسيطة، بعدها خرج الفيديو الأول الذي ظهر فيه أسامة الخليفي (ناشط في الحركة غابت شهادته في الكتاب لوجوده في السجن بعد إدانته باغتصاب طفل قاصر)، وأعلن من خلاله أن يوم 27 فبراير هو يوم الخروج للاحتجاج".
وتابع "وبعدما تراجعنا عن هذا التاريخ جاء الفيديو الثاني، الذي يتحدث عن الخروج يوم 20 فبراير، وبالموازاة، كانت هناك تحركات في الشارع، حيث كانت "شبكة التضامن مع الشعوب" التي كانت تضم أحزاب اليسار لتنظيم وقفات تضامنية مع تونس ومصر، وكنا نحن الشباب ننسق عبر موقع "فيسبوك" ونتناقش".
قبل أن يضيف "فكرنا بإصدار بيان واختلف حول ذلك، لكن أصررنا على إخراجه رغم الصراع الدائر حوله، فأخرجنا تسمية "شباب 20 فبراير"، وهذه التسمية خرجت من موقع "لكم" (موقع إلكتروني إخباري كان يعمل فيه نجيب شوقي ساعتها)، بحيث كان هو أول من سمى حركة 20 فبراير "شباب 20 فبراير"، وقد جاء ذلك تيمنا بحركة 6 أبريل (المصرية)، وذلك كان عن وعي".
كل هذا جرى خلال الفترة الممتدة من 14 يناير/ كانون ثان إلى 17 فبراير/ شباط 2011 (تاريخ إصدار البيان)، بحسب رواية نجيب شوقي. الفيديو الثاني نفسه، تتحدث عنه أمينة بوغالبي، الناشطة في الحركة في الرباط، فتقول "أتذكر جيدا لحظات التحضير لفيديو النداء الأول لحركة 20 فبراير، كان يتملكني الخوف والتوجس أثناء تسجيل الفيديو، لكن هذا الخوف كان مصحوبا بالتفاؤل والحماس".
وتابعت "كنا حينها بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) بالرباط، ولم يكن الجميع متحمسا للظهور في الفيديو، وكنت مكلفة بتجميع وصياغة المطالب التي سنرددها في الفيديو، على اعتبار أنني كنت طالبة صحفية، وقد تم اختيار هؤلاء الشباب بناء على عدة محددات، أهمها تمثيل مختلف الجهات الوطنية وجدة (شرق)، مراكش (وسط)، أغادير (جنوب)".
هشام الشولادي، عضو العدل والإحسان والناشط بحركة 20 فبراير بالدار البيضاء، يقول إنه "يوم 18 فبراير تقرر أن ننزل إلى الشارع، ونقرر أن نلتحق ونكون طرفا حقيقيا في حركة 20 فبراير إلى جانب من كنا وإياهم بالأمس في صراع حقيقي، شئنا أم أبينا، فوجدنا أنفسنا يوم 20 فبراير وسط مدينة الدار البيضاء على الساعة الخامسة مساء، حيث أحسست في تلك اللحظة أن الشباب المغربي قادر على رفع التحدي، وبعد ذلك تنفست الصعداء".
أما مهدي بوشوى، الناشط في الحركة بمراكش (وسط)، فيقول "يجب عدم نسيان دعوات الاحتجاج التي كانت تصدر ضد حركة 20 فبراير"، مضيفا "الصورة التي كانت لدينا نحن كشباب حول التغيير من خلال حركة 20 فبراير هي صورة حول مسيرة مليونية.. متى سيخرج مليون مواطن أمام البرلمان".
بدروها، تروي ابتسام ثبات، الناشطة بالحركة بمدينة القنيطرة (شمال)، بدايات الحركة في هذه المدينة، فتقول إنه "قبل خروجنا يوم 20 فبراير كنا نقوم بالتعبئة ليلا، حيث كنا نوزع النداءات (البيانات) ونكتب على الجدران ولم نكن نستطيع أن نلتقي إلا ليلا لعقد الاجتماعات".
"باركا" و"20 فبراير" والعدالة والتنمية
عن موقف حزب العدالة والتنمية من المشاركة من حركة 20 فبراير، يقول المشتري، الناشط في الحزب والحركة، إنه "صدر بلاغ (بيان) عن شبيبة (شباب) العدالة والتنمية مفاده أنها ستشارك في مسيرات 20 فبراير، لكن بعد قرار الأمانة العامة للحزب القاضي بعدم المشاركة، أصدرت الشبيبة بلاغا تقول فيه إنه انسجاما مع موقف الحزب لن نشارك كشبيبة، لكنها تفسح المجال لمن يريد المشاركة من شبابها بشكل فردي".
ومضى بالقول" بعد هذا الحدث أصدر مجموعة من الشباب المنتمين والمتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية في 18 فبراير بلاغا يعلن عن تأسيس حركة "باراكا" (يكفي)، داعين من خلالها إلى المشاركة المكثفة في مسيرات 20 فبراير".
وأوضح أن "فكرة "باراكا" جاءت انطلاقا من فكرة المهدي المنجرة (عالم مغربي معروف، توفي قبل أشهر) الذي يعتبر أول من أعطى لهذا اللفظ مدلولا سياسيا، مثل "كفاية" في مصر، ونحن اقتبسنا منه اللفظ والدلالة، وقررنا أن نخرج".
انسحاب العدل والإحسان من "حركة 20 فبراير"كان إعلان جماعة العدل والاحسان (أكبر جماعة إسلامية في المغرب) في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2011، عن انسحابها من "حركة 20 فبراير"، من أبرز المحطات التي أثرت على مسار الحركة، والذي خلف ردود فعل متباينة داخل الحركة وخارجها، سيما أنها كانت تعتبر الأكثر عددا وتنظيما في الحركة.
وعن هذا الحدث، يقول هشام الشولادي "عشنا في الحركة 10 أشهر، ولا أخفيكم أننا تدربنا فيها، واستفدنا فيها وتعلمنا منها الكثير"، مضيفا "أما عن قرار الانسحاب من الحركة الذي جاء يوم الأحد 18 ديسمبر (كانون أول)2011، لما سئلت عن رأيي فيه أجبت ننسحب، وكنت أدافع عن الانسحاب بعد 10 أشهر عشتها في الحركة، لأنه لما نزلنا في إطار الحركة كشبيبة إسلامية إلى جانب أبناء الحركة الديمقراطية كان أملنا أن ننظم الشعب المغربي، لكن في وقت من الأوقات كنا نحن فقط من يخرج للتظاهر، فلم أكن مستعدا أن أنوب عن الشعب المغربي، لأن الحركة وصلت إلى سقف لن تتجاوزه".
بين "الملكية البرلمانية" و"الدستور الشعبي الديمقراطي"
من بين القضايا التي احتد الخلاف حولها بين نشطاء حركة 20 فبراير في نقاشاتهم وجموعهم العامة وحتى في الشعارات التي ترفع في المسيرات، قضية سقف مطالب الحركة: هل هي الملكية البرلمانية حيث يسود الملك ولا يحكم، أو الدستور الشعبي الديمقراطي دون الإفصاح عن شكل النظام السياسي وأن الشارع هو من يقرر في النهاية، وبقي الخلاف قائما ولم يحسم.
عن هذا الجدل، تقول أمينة بوغالبي إنه "كان هناك انقسام داخل الحركة بين "تيار الملكية البرلمانية" و"تيار دستور شعبي ديمقراطي"، وكنا دائما نبذل مجهودا كبيرا داخل الجموع العامة بهدف التركيز على مناقشة المطالب وكيفية التعبئة ومواجهة المخزن (الدولة العميقة)، لكن بمجرد ما كنا نصل لقضية الملكية البرلمانية أو دستور شعبي ديمقراطي كانت الأمور تصل إلى درجة الخلاف".
وهو ما عبر عنه مصطفى المشتري بالقول "الجماهير خرجت في مسيرات 20 فبراير من أجل المطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، لكن الصراع ظل محتدما حول سقف المطالب وخصوصا بين مطلب الملكية البرلمانية ومطلب الدستور الشعبي الديمقراطي، وقد رافق هذا الصراع سيرورة الحركة منذ بدايتها إلى نهايتها".
وأضاف "كانت 20 مارس محطة بارزة جسدت هذا الصراع عن طريق الشعارات التي رفعت لأول مرة وخاصة شعار "لا ديمقراطية حقيقية بدون ملكية برلمانية"".
أما جهاد فتشاطي، الناشطة في الحركة بالرباط، فتذهب إلى أن "المشكل الذي كان قائما داخل الحركة كان أكبر من "ملكية برلمانية" أو "دستور شعبي ديمقراطي"، فالمشكل الحقيقي هو أننا سطرنا مجموعة من الشعارات الفضفاضة كالحرية والديمقراطية، والتي قرأها كل مكون من مكونات الحركة بطريقة مختلفة، صحيح أننا كنا واعين بهذه المسألة لكن النفس الثوري دفعنا لنغمض أعيننا عن هذا الأمر وندفع بالحراك ونتجاوز هذا الاختلاف".
المساواة
الخلاف حول قضية المساواة كان حاضرا في مخاض حركة 20 فبراير ومسارها، وعنه تقول أمينة بوغالبي، إنه "بعد الخلاف داخل الحركة حول مطلب الملكية البرلمانية، عشنا خلافات جديدة حول مطالب أخرى منها المساواة بين النساء والرجال".
حسناء الزياني، الناشطة في الحركة بالرباط، تقول "أظن أنه لا توجد هناك أرضية تضمنت هذا المطلب، والنقاش حوله كان مغيبا تماما في الجموع العامة للحركة، فقط كان هناك تواطؤ حول هذه المسألة لأنه كلما تمت إثارة مطلب المساواة بقضية تعددت الحساسيات لوجود من هم ضد المساواة". وأوضحت أن "بعض الحركات النسائية لم تشارك في الحركة لأن مطلب المساواة لم يكن حاضرا، فهذا المطلب لم يطرح كشعار مركزي لحركة 20 فبراير".
خطاب 9 مارسشكل خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في 9 مارس/ آذار 2011، الذي أعلن فيه عن تعديل الدستور وإصلاحات كثيرة، اعتبرتها أغلب الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين أكثر جرأة، واعتبر جوابا عن مطالب حركة 20 فبراير رغم أنه لم يأت على ذكرها.
وعن هذا التاريخ، يقول مصطفى المشتري "بالنسبة لموقف الحركة من الخطاب الملكي في 9 مارس، فقد تتبعنا الخطاب عقب اجتماع لتنسيقية الرباط بمقر حزب الطليعة (اشتراكي معارض)، وبعد نهايته فتحنا نقاشا دستوريا وسياسيا حول مضامينه، وقد أفرز النقاش توجهين اثنين، الأول يعتبر أن الخطاب لم يأت بجديد، وبالتالي فمسار الحركة يجب أن يستمر، والثاني يعتبر أن الخطاب استجاب لعدد من مطالب الحركة وأنه خطوة في طريق الإصلاح ويجب تثمينها والنضال من أجل تحقيق المطالب المتبقية".
وفي الاتجاه نفسه، يقول نجيب شوقي إنه "أثناء الخطاب صفق جزء من الشباب للخطاب، والبعض الآخر لم يعتبر أنه جاء بأي جديد، فقد كان هناك ارتباك ولم نعط موقفا إلا بعد مرور عدة ساعات على الخطاب وقلنا إنه غير كاف".
وفي ذلك يقول محمد بودعوة، الناشط بالحركة بالدار البيضاء، إن "هناك من اعتبر أنه خطاب متقدم لكن أغلب شباب الحركة لم يلمس أي اعتراف بحركة 20 فبراير في الخطاب، في حين أن التنظيمات والهيئات النسائية مجدت الخطاب وانسحبت من الحركة، وبعض الهيئات المنتمية إلى الحركة الأمازيغية بمجرد ترسيم اللغة الأمازيغية انسحبت من الحركة أيضا".
الحكم للتاريخفي شهادته عن حركة 20 فبراير، يقول مراد لمخنتر، الناشط في الحركة بالرباط، إن "الحركة تبقى تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، تجربة يمكن البناء عليها في المستقبل والاستفادة من أخطائها، وربما مع مرور الوقت تتم أسطرتها (تحويلها إلى أسطورة)".
ويرى توفيق مطيع، الناشط في الحركة بالرباط، أن "تحول الحركة من حركة لها مطالب إلى حركة لها موقف سياسي، جعل الهيئات المساندة للحركة تتراجع بشكل قوي من 103 هيئات إلى 3 هيئات، وهو ما يعكس أن المطالب قادرة على أن تحتوي الجميع لكن المواقف السياسية يعصب أن تحتوي الجميع وبالتالي لم نستطع الاحتفاظ بالهيئات المساندة لنا".
ويختتم ياسين بزاز، الناشط في الحركة بالرباط، بالقول إن "الوقائع تختلف حسب رواية كل شخص، فكل يرى ما وقع في الحركة من منظوره الخاص، وهذا لا يعني أن الأمر مجرد أكاذيب، بل آراء تحترم"، مضيفا أنه "لا يجب أن نسقط في مسألة جلد الذات، فالحركة عاشت لحظات جد مشرقة تتميز بقوة الإبداع".
وجاء كتاب "حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق"، الذي أطرته منظمة "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، في 240 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن توثيقا لمسار الحركة، وشهادات لناشطين في الحركة، وعشرات الصور التي تؤرخ لمسيرات ووقفات وأنشطة الحركة التي انطلقت في 20 فبرابر/ شباط 2011، في إطار ما سمي بـ"الربيع العربي"، في الكثير من المدن المغربية. فيما غابت عن الكتاب صور من تعتبرهم الحركة "شهداء"، والتي تقول إنهم توفوا نتيجة إصابات إثر تدخلات أمنية "عنيفة" ضد مسيراتها.