هل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني قابل حقاً للتصدير؟
زنقة 20
بـقـلـم: احـمـد عـصـيـد
أظهر المغرب طموحا كبيرا في الآونة الأخيرة للعب دور رائد في إفريقيا جنوب الصحراء، وأكدت ذلك بوضوح الجولة التي قام بها الملك محمد السادس في بلدان إفريقية، كما تأكد مع خطاب الدولة حول "عودة" المغرب إلى إفريقيا، ويشير استعمال كلمة "عودة" إلى وجود شعور بالتيه أو بالتقصير، وكأن المغرب كان في مكان آخر من العالم غير إفريقيا، لكي يقرر العودة إلى إفريقيته بعد تيه وضياع. كما يتخذ هذا طابع الوعي بتراجع دور المغرب التاريخي في علاقته بإفريقيا جنوب الصحراء والتي كانت من قبل علاقة وطيدة.
والحقيقة أن الأمر كان يتعلق بهيمنة المرجعيتين اللتين قام عليهما منذ ثمانين سنة خطاب الحركة الوطنية المغربية، واللتين كرستهما الدولة المغربية بعد الاستقلال، وهما مرجعيتا المشرق العربي وفرنسا، في تغييب شبه كلي لإفريقيا، حتى أصبح يُخيل للمغاربة أن إفريقيا قارة أخرى غير التي يضعون فوقها أقدامهم.
هذه العودة إلى إفريقيا ارتبطت في الخطاب الرسمي بحديث عن تميز النموذج المغربي في الانتقال نحو الديمقراطية، وهو نموذج مهما قيل عن نقائصه وثغراته وعوائقه، لا يمكن أن نتجاهل مقدار لفته انتباه الملاحظين للمنطقة بفضل الاستقرار السياسي الذي يحظى به وسط اضطراب البلدان المجاورة، فقد دخلت الجزائر في دوامة عنف دموي لمدة خمسة عشر عاما، واهتزت تونس وليبيا ومصر ثم مالي على وقع الانتفاضات التي عرفتها سنة 2011 وما كان لها من تداعيات، وظل المغرب يرفع شعار "الاستثناء المغربي" الذي يُسند في الغالب إلى النظام الملكي، وإلى الحنكة في تدبير الشأن الديني في إطار ما سُمي "وحدة المذهب" و"إمارة المؤمنين".
كان هذا كافيا لجعل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني يثير انتباه العديد من دول الجوار التي اكتوت بنار التطرف الديني الوهابي المسلح، وتتطلع للاستفادة من "التجربة المغربية". وقد جعل هذا وزير الأوقاف المغربي يصدر تصريحات يتحدث فيها بافتخار واعتزاز عن دور المغرب في تكوين أئمة بعض البلدان التي تقدمت بطلبات في هذا الاتجاه، معتبرا ذاك مؤشرا لعودة قوية للمغرب إلى إفريقيا في دور رائد في مجال الشأن الديني، مسجلا "أن تأهيل الأئمة لا يوجد في الدنيا مثيله حيث يتم الاجتماع بهم مرتين في الشهر من خلال تلقينهم دليلا عمليا، وذلك راجع لأننا في بيئة مفتوحة وملوثة وتحتاج إلى الكثير من الحذر".
فهل حقا يمكن الحديث عن تجربة مغربية في تدبير الشأن الديني وتكوين الأئمة قابلة للتصدير خارج البلاد ؟
ثمة تناقض في خطاب المغاربة في هذا الشأن، فإلى جانب ربط الاستقرار السياسي و"الإسلام الوسطي" بوجود الملكية و"إمارة المؤمنين"، يعتبر المغاربة أن من المفيد تصدير تجربة بلادنا وخبرته إلى الخارج، مع العلم أن البلدان المستهدفة بهذا التصدير لا تتوفر بها إمارة مؤمنين ولا السياق المغربي الذي يُعزى إليه استقرار المغرب ونموذجه الديني.
يخفي هذا الخطاب عناصر أخرى من الواقع لا بدّ من بسطها للنقاش، فالمغرب يتوفر على آلاف المساجد وعلى آلاف الأئمة الذين يلقون في جمهور المصلين مليون خطبة في السنة حسب إحصائيات الوزارة، هؤلاء الخطباء أنواع ثلاثة: خطباء وزارة الأوقاف الذين يكتفون بتلاوة الخطبة التي تعدها الوزارة دون زيادة ولا نقصان، وخطباء لا يكتفون بتلاوة خطبة الوزارة ولكنهم يظلون حريصين على احترام توجيهات الوزارة، ثم خطباء مسيّسون منتمون إلى تيارات الإسلام السياسي المؤدلج، هذه العينة الأخيرة تظل تحت الرقابة اليومية المشدّدة للسلطة، كما أنها لا تستفيد شيئا من توجيهات أو تكوينات الوزارة لأنها تعتبر ذلك محاولة لـ"احتوائها".
خارج المساجد يتواجد بالمغرب دعاة منفلتون من عقال السلطة، يسعون بإصرار إلى احتلال ساحة الوعظ الديني عبر استعارة أساليب الدعاة الوهابيين المنتشرين على ما يقارب 500 قناة تلفزية ممولة من أموال النفط الخليجي.
حقيقة النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني إذن لا تقوم على تكوين علمي أو تقني متميز للخطباء والأئمة، بل على عناصر لا تتعلق بالتكوين أساسا والتي يمكن إجمالها في:
ـ قوة النظام وقدرته على احتواء الوضع باستعمال القبضة الحديدية عند الاقتضاء، والتي يمكن أن تصل حدّ الاعتقال والتعذيب كما حصل مع جموع السلفيين بعد أحداث 16 ماي 2003.
ـ احتكار الشأن الديني باعتماد مؤسسة إمارة المؤمنين التي تربط الشرعية السياسية بالدين ربطا جدليا، والتي تتحكم في التوازنات الداخلية عبر ردع مزدوج لكل من الإسلاميين والحداثيين على السواء.
ـ مراقبة المساجد مراقبة يومية ومعاقبة الأئمة الخارجين عن المذهب الرسمي أو الناقدين للسلطة.
إذا كان هذا النموذج غير قابل للاستنساخ في دول الجوار، فإن أي تكوين للأئمة لا يمكن أن يضمن نفس الأوضاع المتحققة في المغرب.