هذه هي حكايات نساء مراكش مع الدراجات النارية ؟ (فيديوهات)
زنقة 20 . وكالات
جموع من النساء يركبن دراجات نارية سواء في الشوارع الحديثة الواسعة أو الأزقة الضيقة، بعضهن يرتدين أزياء تقليدية وأخريات أزياء عصرية، نساء من أعمار ومستويات اجتماعية وتعليمية مختلفة ومتفاوتة يؤثثن فضاء مدينة #مراكش ويقدن مختلف أنواع الدرجات النارية.
تلك صورة من بعض ما يجده زائر مدينة مراكش المغربية أو كما يسميها المغاربة "المدينة الحمراء"، التي تعني بالأمازيغية "أرض الله"، والتي أصبحت مقصد الكثيرين ليس من المغاربة فقط بل حتى من المشاهير الأجانب والعرب الذين اختار بعضهم الاستقرار فيها والعيش في رياضاتها وبين سكانها.
وتحتفظ مراكش التي تلقب أيضا بـ"مدينة النخيل"، بالكثير من الأسرار والتقاليد ولعل أهم ما يشد انتباه زوارها هو الانتشار الكثيف للدراجات الهوائية والنارية وقيادة النساء لها، في مشهد نادر يجمع بين الحداثة والتقليد ويعطي للمدينة طابعا خاصا وفريدا.
وقالت الشابة المراكشية إلهام الإدريسي، التي تقود دراجة نارية منذ سنوات، إن سكان مدينتها بصفة عامة يعتمدون على الدراجات النارية أكثر من السيارات للتنقل وقضاء حاجياتهم.
وأوضح الأستاذ الجامعي عبد الكبير الميناوي لموقع "الحرة" أن النساء يكدن يكنّ غالبية سائقي الدراجات خاصة النارية منها، حتى أصبح الواقع ظاهرة يتعجب منها الزوار العرب والغربيون على حد سواء، مشيرا إلى أن علاقة المرأة المراكشية بالدراجة يبرز شخصيتها ويبين مدى قدرتها على فرض ذاتها والنزول إلى الشارع العام خلافا لكل الأفكار المسبقة التي ظلت تربطها بـعالم "الحريم"، حسب تعبيره.
علاقة ليست وليدة اليوم
لكن قيادة نساء مراكش للدراجات النارية ليست حديثة العهد، بل ترجع إلى عقود ماضية. وقال الميناوي إن الأمر يتعلق، حسب الباحث عبد الصمد الكباص، بـ"تأثير تاريخ تواصل لأزيد من 60 سنة أصبح فيه ركوب النساء للدراجات في المدينة الحمراء عادة مألوفة لا تثير أدنى دهشة".
وأضاف نفلا عن الكباص أنه خلال عهد الحماية الفرنسية ما بين 1912 و1956، كان بعض النسوة اللائي يشتغلن في بيوت المستعمرين يستعملن الدراجات للتنقل من عمق المدينة العتيقة إلى الحي الفرنسي الذي شيدته سلطات الحماية في منطقة غليز، مشيرا إلى أن أولئك النسوة كنّ مميزات بجلابيبهن الفضفاضة المتوجة بغطاء للرأس يسمى "القبّ".
وبعد تلك الفترة، أصبحت التلميذات وبعض الموظفات لدى الدولة يتجاسرن على ركوب الدراجة، من دون أن يثير ذلك انزعاج أو اندهاش أحد من السكان، بل كان الآباء يسارعون إلى اقتناء دراجات لبناتهم لضمان وسيلة نقل آمنة لهن، حسب الكباص.
قبول تام في المجتمع
وأكدت الإدريسي أن المرأة التي تقود دراجة نارية "تعامل بشكل عادي مثلها مثل الرجل"، ولا تتعرض لمضايقات إذ لا ينظر لاعتمادها على هذه الوسيلة للتنقل على أنه أمر غريب.
وترجع النظرة الإيجابية التي يوليها المراكشيون لركوب النساء للدراجات النارية بمختلف أشكالها وأحجامها، إلى عاملين أساسيين، وفق الميناوي. أولهما قدرة نساء المدينة على فرض شخصيتهن ومكانتهن داخل النسيج المراكشي، وثانيهما اقتناع أقاربهن من الذكور بالقيمة المضافة التي تمثلها الدراجة ودورها في حياة الأفراد والأسر سواء عند التنقل للعمل أو لقضاء أغراض العائلة خارج البيت.
وبحسب الميناوي فإن آراء سكان مراكش تميل إلى تقبل ظاهرة ركوب بنات المدينة للدراجات، إذ يعتبرونها من ضروريات الحياة المعاصرة التي دفعت بالمرأة لتحمل أعباء المسؤوليات الإضافية خارج البيت.
وبينما تفضل النساء ركوب الدراجات النارية، فإن الرجال يركبون الدراجات النارية عند الاستعجال أو للركوب الجماعي، والهوائية للتجول وممارسة الرياضة، وفق الميناوي.
أكثر من 250 ألف دراجة
واليوم ما من بيت في مراكش يخلو من دراجة هوائية أو نارية واحدة على الأقل. وفال الميناوي إن عددها يقدر بأكثر من 200 ألف دراجة نارية التي يطلق عليها المراكشيون اسم "الموتور" وأكثر من 50 ألف دراجة هوائية التي تعرف محليا بـ"البيكشليت"، وفق أرقام رسمية حديثة.
وتشمل شعبية الدراجات بشتى أحجامها وأشكالها بين المراكشيين مختلف طبقات المجتمع وأعمار أفراده، وقال الميناوي إن انبساط المدينة وهدوء وسلاسة دروبها وأزقتها، ساهم في انسجام تام بين ركاب الدراجات النارية والهوائية مع معمار وروح المدينة الحمراء.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية في الآونة الأخيرة صور التقطها المصور البريطاني من أصل مغربي حسن حجاج لشابات مراكشيات في جلابيب تقليدية ألوانها زاهية يمتطين دراجاتهن النارية. وتعرض صور الفنان التي تحمل عنوان "Kesh Angels" أي "ملائكة مراكش"، في متحف Taymour Grahne في نيويورك إلى غاية الثامن من آذار/مارس.
وهذا فيديو نشر على موقع تويتر لفوضى السير في إحدى مناطق المدينة:
انتشار وكالات كراء الدراجات
ولم تعد علاقة مراكش بالدراجات حكرا على سكانها، فقد أصبح للسياح والمقيمين الأجانب ذكورا وإناثا، نصيب من هذا الاختيار.
وقال الميناوي إن وكالات متخصصة في كراء الدراجات بمختلف أنواعها وأشكالها باتت منتشرة في محاور طرق المدينة وساحاتها.
ولعل الأكثر إثارة في علاقة مراكش بالدراجات، وفق الميناوي، أن بعض الوكالات حاولت تسويق دراجة "سيغواي"، لكنها "فشلت" في اختراق السوق المراكشية.
وقال إن ذلك الصنف من الدراجات لا يقبل بأكثر من راكب، ولأن هذه الدراجة تدفع راكبها إلى التنقل بها واقفا، في الوقت الذي تمنح فيه الدراجات العادية للمراكشي والمراكشية، فرصة أن يحولها إلى مركبة تقله هو وعائلته وبضاعته، كما لو أنها سيارة بعجلتين، على حد تعبيره.
انبهار أجنبي بالظاهرة
وأبدى مصور أميركي من نيويورك يدعى كولا زار مراكش انبهاره بعلاقة المراكشيات والدراجات النارية، معربا عن استغرابه للظاهرة التي لا تنطبق على الصورة النمطية للنساء في البلدان العربية والإسلامية بصفة عامة.
وكتب كولا مقالا في موقع This is Africa قال فيه إن إحدى الدراجات النارية كادت أن تدهسه عندما وصل إلى المدينة الحمراء فصرخ قائدها "مرحبا بك في مراكش"، ليتبين له في ما بعد أن الشاب الأشقر شابة. ثم تنتبه بعد ذلك إلى أن الشارع تحتله دراجات نارية تركبها نساء من مختلف الأعمار يتراوح لباسهن بين التقليدي والعصري. وهذه بعض الصور لمراكشيات يقدن دراجات نارية.
وفي هذا الإطار قالت إلهام الإدريسي إن كثيرا من راكبي الدراجات النارية يخرقون قانون السير مثل التلاعب بين السيارات وعدم احترام إشارات الوقوف فضلا عن سياقتهم عكس الاتجاه أو في أزقة يمنع فيها المرور وطبعا يحدث ذلك عندما لا يوجد رجال أمن، حسب قولها.
وهذا فيديو لجولة في المدينة القديمة على متن دراجة نارية:
وقال الميناوي إن المراكشيين لم يتآلفوا ويتسامحوا مع قيادة نسائهم للدراجات فقط، بل ذهبوا لأبعد من ذلك وليولوا أمرهم للجنس اللطيف الذي يسيّر شؤون المدينة بكاملها، مشيرا إلى أربع نساء انتخبن لرئاسة أربعة مجالس في مراكش في سابقة على المستوى الجهوي والوطني هن فاطمة الزهراء المنصوري عمدة المدينة، وزكية المريني رئيسة مجلس مقاطعة جليز، وميلودة حازب رئيسة مجلس مقاطعة النخيل، وجميلة عفيف رئيسة مجلس عمالة (محافظة) مراكش.
يشار إلى أن المدينة المشهورة ببناياتها ذات اللون الأحمر حتى لا تعكس أشعة الشمس الحارة، أسست في عام 1062 وكانت عاصمة للمرابطين والموحدين والسعديين الذين حكموا المغرب في قرون سابقة.