ميشيل روسي يروي ذكرياته مع الحسن الثاني وإدريس البصري ويكشف تفاصيل ملفات ساخنة عاش أحداثها إلى جانب الملك الراحل


زنقة 20

عرف ميشيل روسي، الخبير القانوني الفرنسي، بقربه من دوائر القرار في المملكة طيلة العقود التي حكم فيها الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان أحد المقربين من وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري، وأحد الذين أشرفوا على وضع دساتير المملكة منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، إلى جانب الفرنسي جورج فوديل.

وقد نشر روسي أخيرا كتابا يسجل فيه بعض مذكراته خلال إقامته الطويلة في المغرب، تحت عنوان»حياة مغربية 1963ـ2013»، تحدث فيه عن جوانب من علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني ووزير الداخلية القوي إدريس البصري وشخصيات أخرى.

يقول روسي إن علاقته بالمغرب بدأت منذ يوم 20 دجنبر 1962، عندما أعلنت نتائج الاعتماد في القانون العام بفرنسا، تحت إشراف أستاذه جورج فوديل، لتبدأ منذ ذلك الوقت حياته مع المغرب، إذ تم اختياره للعمل في الرباط، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الذي خلف مركز الدراسات القانونية بمعهد الدراسات العليا المغربية، الذي أصبح فيما بعد جامعة محمد الخامس، والتي انقسمت إلى قسمين، جامعة محمد الخامس أكدال، وجامعة محمد الخامس السويسي. وكانت بداية عمله بالرباط بتاريخ 15يناير 1963.

كانت الكلية، التي كان يشرف عليها العميد الفرنسي دانييل فوكس منذ عام 1957، في ذلك الوقت تشرف على مركزين تابعين لها بكل من فاس والدار البيضاء. وكان بكل من الرباط والدار البيضاء شعبتان في مادة القانون، شعبة اللغة الفرنسية وشعبة اللغة العربية، وكانتا متعادلتين تقريبا فيما يتعلق بأعداد الطلبة الذين كانوا يدرسون بهما. ويشير ميشيل روسي إلى أن شعبة اللغة العربية سوف تشهد نموا كبيرا بداية من عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بعد صدور قرار التعريب الذي أقدم عليه وزير التعليم آنذاك، الاستقلالي عز الدين العراقي الذي توفي في يناير عام 2010، والذي كان قد لقي احتجاجات واسعة بسبب»طبيعة التسرع» التي اتخذ بها.

مشكلة التعريب في المغرب

يقول ميشيل روسي إن مشكلة التعريب في التعليم بالمغرب كانت وظلت مشكلة سياسية، وربما مازالت حتى الآن ذات طبيعة سياسية، لسبب بسيط ـ في نظره ـ وهو عدم كفاية رجال التعليم الذين يتوفرون على الكفاءات اللازمة من أجل تأطير حقيقي»وخصوصا التكوين المتوافق مع متطلبات سوق الشغل والميزات المطلوبة لشغل مناصب الشغل المتوفرة».

ويضيف روسي أنه في تلك الفترة التي بدأ العمل فيها بالمغرب، في ستينيات القرن الماضي، كان المغرب قد لجأ إلى الاستعانة برجال تعليم مجلوبين من مصر للإشراف على عملية التعريب في قطاع التعليم، وأن هؤلاء المعلمين والأساتذة قد تم طردهم بشكل سريع من المغرب، بعد أن اتخذت الجمهورية العربية المتحدة، الاسم الذي كان يطلق على الوحدة المبرمة بين مصر وسوريا في ذلك الوقت، موقفا مؤيدا للجزائر، التي كان يقودها أحمد بن بلة، في حربها مع المغرب عام 1963، المعروفة باسم حرب الرمال، من أجل منطقة حاسي بيضا. وهنا يشير روسي إلى أن هذه المنطقة كانت قد استعمرتها فرنسا في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، وخضعت للقيادة العسكرية المشتركة على الحدود المغربية ـ الجزائرية، لكنها كانت في الأصل أرضا مغربية، وكانت الجزائر قد وعدت المغرب بإرجاعها إليه بعد الاستقلال، على لسان»الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية» خلال حرب التحرير ضد فرنسا، لكن السلطة الجزائرية الجديدة بزعامة بن بلة رفضت بعد الاستقلال الوفاء بذلك العهد الذي أعطته الحكومة المؤقتة، ونظمت استفتاء حول تلك المنطقة بتاريخ 5يوليوز 1962، وقررت بأن الحكومة المؤقتة لم تكن مخولة بأن»تتخلى عن قطعة تشكل جزءا من التراب الجزائري»، وأن ترهن استقلال الجزائر.

ويرى ميشيل روسي أن عملية التعريب كانت حساسة جدا من الناحية السياسية في المغرب، لأن حزب الاستقلال وأحزاب اليسار بل وحتى اليسار الجذري كان يوظفها سياسيا ضد الدولة، التي كانت تتهم بأنها تحاول الإبقاء على النفوذ الثقافي للمحتل الفرنسي بالمغرب. وفي ظل هذا الصراع المشتد بين المعارضة والحكومة هدد وزير التعليم آنذاك محمد بنهيمة المدافعين عن التعريب، خصوصا من حزب الاستقلال، بالكشف عن لائحة أبناء المسؤولين في الحزب الذين يدرسون اللغة الفرنسية، سواء في البعثة الجامعية والثقافية الفرنسية بالمغرب أو في فرنسا»من أجل تعرية اللغة المزدوجة»للمعارضة. ويضيف روسي بأن الازدواجية اللغوية مازالت حتى الآن المفتاح الذي يفتح أبواب المناصب العليا في المغرب، وخصوصا اللغة الفرنسية. ويروي أن المؤرخ الفرنسي، شارل أندري جوليان الذي كان أول عميد لكلية الآداب بالرباط في عهد محمد الخامس، كان قد كتب رسالة إلى مدير البروتوكول الملكي في الأول من نوفمبر 1960قال فيها «إنهم يدافعون عن اللغة العربية، ولكنهم يتزاحمون على أبواب البعثة للحصول على مقاعد في قسم اللغة الفرنسية». 

الفرنسيون المتعاونون

عين ميشيل روسي في المغرب ضمن إطار التعاون التقني والثقافي بين المغرب وفرنسا، إذ كان نظام المتعاونين يتيح للفرنسيين البقاء في المغرب لمدة أربع سنوات في مهنتهم، لكنه يتيح لهم في الوقت نفسه البقاء مدة أطول بناء على طلبهم أو الحاجة إليهم، وذلك لسد الخصاص الذي كان يعانيه المغرب في الإدارات العمومية ومؤسسات التعليم.

كان نظام التعاون قائما بين فرنسا وبلدان المغرب العربي، لكنه كان يتعرض لمجموعة من الانتقادات والاحتجاجات، خصوصا بعد الاحتجاجات التلاميذية والطلابية التي حصلت في بالرباط عام 1963 ضد التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية. 

ويقول ميشل روسي إن المتعاونين الفرنسيين في المغرب كانوا يطرحون مشكلة لدى الدوائر الجامعية والوسط السياسي، إذا كان يتم اتهامهم بأنهم في خدمة الدولة والحكومة، ولذلك»كانوا ضحايا الصراعات التي كانت تطبع الحياة السياسية في المملكة منذ بداية الاستقلال». ويضيف روسي بأن المتعاونين لم يكونوا سبب المشكلة، بل نظام التعاون في حد ذاته. ففي ظل الصراع السياسي المحتدم بين الدولة والمعارضة، ممثلة في حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كان ينظر إلى المتعاونين الفرنسي باعتبارهم مرتزقة، وكانت هذه العبارة تتكرر في بعض المجلات التابعة للمعارضة سواء داخل المغرب أو في فرنسا، من أجل إسقاط نظام التعاون التقني والثقافي بين المغرب وفرنسا. كما كان ينظر إلى المتعاونين الفرنسيين على أنهم يتقاضون أجورا ضخمة أكبر بكثير مما يتقاضاه زملاؤهم المغاربة.

ويروي روسي بأنه في عام 1969 قرر وزير التربية الوطنية عبد اللطيف الفيلالي، الذي توفي بفرنسا عام 2009، قرر بناء على مذكرة للوزير الأول، إلغاء عقود التعاون مع فرنسيين كانت أجورهم مرتفعة عن الأجور المعمول بها، ومباشرة بعد ذلك تلقى العميد السابق لكلية الحقوق دانييل فوكس وزوجته، اللذان كانا يعملان في المغرب منذ عام 1954، رسالة من الوزارة من يد بواب، تخبرهما بأن التعاقد معها قد ألغي. ويقول روسي بأن القرار رغم أنه كان مشروعا إلا أنه كان مهينا بسبب الطريقة التي تم التعامل بها معهما، لأن فوكس وزوجته عاشا في المغرب طيلة خمسة عشر عاما، وساهما في تأسيس كلية الحقوق بالرباط وفي تسيير المراكز التي كانت تابعة لها في الدار البيضاء. وكان فوكس أول عميد للكلية نفسها، وأشرف على أطروحات لطلبة أصبحوا جزء من الدولة، من بينهم عبد الواحد بلقزيز، الذي شغل منصب وزير في الإعلام والشباب والرياضة والخارجية، على التوالي. 

وبعد ذلك الموقف الذي تعرض له العميد السابق فوكس تحرك الكثيرون في الجامعة من أجل وقف العمل بالقرار الذي أصدره وزير التربية الوطنية، فتراجعت الوزارة إلى الخلف، لكن فوكس وزوجته رفضا البقاء في المغرب، لأن المسألة أصبحت بالنسبة لهما مسألة كرامة.

ومن المفارقات ـ يسجل ميشيل روسي ـ أنه في ختام تلك السنة الدراسية الجامعية نظم حفل في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لمنح العميد فوكس وسام العلويين من درجة فارس من يد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان عبد اللطيف الفيلالي نفسه ـ وزير التربية الوطنية الذي أصدر قرار إلغاء عقود التعاون ـ هو الذي سلم ذلك الوسام إلى فوكس أمام أنظار الجميع المندهشين، كما كان من بين الحاضرين في الحفل التكريمي علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال، مما أعطى للتكريم طابعا مختلفا يدل على استحقاق هؤلاء المتعاونين للجزاء على أدوارهم التي قاموا بها للنهوض بالتعليم في المغرب.

سياسة المغربة

يتوقف ميشيل روسي عند تجربة المغربة، غداة الاستقلال، لكي يسلط عليها الضوء من زاوية نظره. فهو ينتقد منظور الحكومات الأولى إلى التنمية الاقتصادية، ويعتبر أنها مسكونة بما يسميه»الأفكار الجاهزة» التي تعتمد مفهوم التنمية المتحكم فيها، والإصلاح الزراعي والتصنيع بدءا من الصناعة الثقيلة. ويقول بأن هذا المنظور كان موجودا لدى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان ممثلا في عبد الرحيم بوعبيد الذي شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومة أحمد بلافريج، قبل أن تتم دعوة عبد الله إبراهيم لتشكيل الحكومة التالية. وفي هذه الفترة تم وضع سلسلة من الإجراءات التدخلية فيما يتعلق بالجوانب المالية والاقتصادية والصناعية والفلاحية، ومن أجل إسكات أصوات الاحتجاج التي كانت تهز الحياة السياسية خلال سنوات 1965ـ1971، اتخذ قرار باستعادة الأراضي التي كانت في حوزة الفرنسيين والأجانب، و»مغربة»الشركات التي كانت مملوكة للأجانب باستثناء قطاع السياحة.

النتائج المباشرة التي ترتبت عن قرار المغربة تمثلت في مغادرة جميع الأجانب المالكين والمسيرين لهذه الشركات والمؤسسات الإنتاجية، ما يعني مغادرة الكفاءات اللازمة للتسيير، ليس فقط لتلك المؤسسات والشركات، بل لعجلة الاقتصاد المغربي بشكل عام. وما حصل هو أن تلك المؤسسات والشركات تم تقسيمها أو إعادة بيعها، أو تسييرها بطريقة تأخذ في عين الاعتبار الحفاظ على رأسمالها المالي والتقني الضروري لضمان بقائها. ويعطي مثالا على ذلك بمطبعة أكدال التي كانت موجودة بزنقة وادي زيز، والتي كان يملكها الفرنسي كاتنوز، وأصبحت في ملكية ضابط بالقوات المسلحة الملكية، إذ اختفت نهائيا وقتا قصيرا بعد ذلك.

والأمر نفسه في قطاع الفلاحة، فأمام صعوبة توزيع المساحات الزراعية الكبرى عهد بتسييرها إلى شركتين هما صوديا وصوجيطا، اللتين عجزتا لأسباب متعددة عن الحيلولة دون تردي المساحات الزراعية، والاعتماد على تقنيات تقليدية، مما أدى إلى تراجع المنتوجية.

ويحكي ميشيل روسي هنا حادثة يرى أنها شكلت الشرارة التي أثارت خوف اليهود المغاربة ودفعتهم إلى الرحيل. فنزاعات منطقة الشرق الأوسط كان لها تأثير واضح على الحياة السياسية في المغرب والمنطقة المغاربية بشكل عام. وأثناء حرب 1967 بين مصر وإسرائيل نشرت الجريدة التابعة للاتحاد المغربي للشغل عددا خاصا تحت عنوان»يجب تطهير الإدارة»، وبداخل العدد لائحة بأسماء اليهود المغاربة العاملين في الإدارات المغربية، مع أسماء كل إدارة على حدة. ومن جهتها اتهمت الجريدة التابعة لحزب الاستقلال»لأسباب مزاجية» يهوديا مغربيا بعدم احترام الملك، مع نشر اسمه وعنوان سكناه. ويرى روسي أن مثل هذه الأحداث كانت الدافع وراء هجرة العديد من اليهود المغاربة، لأنهم لم يتحملوا العيش في ظل الخصاص.    

مع إدريس البصري

يخصص ميشيل روسي حيزا واسعا في مذكراته لوزير الداخلية الأسبق إدريس البصري. ويحكي بأن بداية التعرف عليه كانت في سنة 1965 عندما كان البصري طالبا عند روسي، من زمرة الطلبة الموظفين الذين كانوا كثيرين في تلك الفترة بالمغرب. وعندما أصبح البصري أستاذا لمادة القانون تمكن من التعرف على الكثير من الطلبة الذين كان يدرسهم في المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، التي أنشئت عام 1972، كخلف للمدرسة الوطنية للإدارة التي أنشئت عام 1949. وبعد أن انخرط البصري في سلك الداخلية ككاتب عام مع وزير الداخلية محمد بنهيمة ثم مع مسعود الشيكر قبل أن يصبح وزيرا، كان ينادي على بعض طلبته السابقين لإدماجهم في الوزارة بسبب كفاءاتهم، ويقول ميشيل روس إن هناك الكثير من هؤلاء الذين احتلوا مناصب هامة في الإدارة الترابية أو الإدارة المركزية وظلوا بها إلى عام2010، يذكر من بينهم محمد الضريف ومحمد إبراهيمي ومحمد طريشة وفوزية إمنصار ومحمد الصقلي التيجاني. 

نشأت بين البصري وميشيل روسي علاقة وطيدة منذ الستينيات، ويقول صاحب المذكرات إنه في شتنبر 1974 عندما كان البصري يقضي عطلته بفرنسا مع زوجته، مر على مدينة ميلان حيث يقيم روسي وأقام مدة في بيته هو وزوجته، كما يحكي روسي أن والدته أقامت في بيت البصري عندما كانت في زيارة للمغرب. ويقول روسي أيضا إنه قضى مع البصري ثلاثين سنة في علاقة دائمة حصلت له خلالها الفرصة للتعرف على أشخاص كثيرين كانوا يترددون على بيت وزير الداخلية القوي الأسبق، من بينهم عثمان السليماني والطاهر المصمودي وحمودة القايد وأحمد امجيد، ومعاونين آخرين قريبين جدا من البصري، يذكر منهم عبد الواحد الراضي الذي يقول إنه كان دائم التردد على مكتب البصري. كما يروي الخبير القانوني الفرنسي أنه أتيحت له مرات عدة فرص كثيرة للمشاركة في رحلات للصيد في نواحي بنسليمان أو في منطقة الغرب مع البصري والسفير الأمريكي في الرباط.

ونظرا للعلاقة بين الاثنين يحكي روسي أن البصري كان أحيانا يطلب رأيه في بعض الأشخاص الذين يعرفهم، قبل استوزارهم في الحكومات، مثل حالة أحد الطلبة السابقين لميشيل روسي في المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، كان البصري يريد منحه حقيبة وزارية في حكومة عبد الكريم العمراني في بداية الثمانينيات. 

 الدليمي وضحايا حرب الجزائر

يقول روسي إنه التقى الجنرال أحمد الدليمي مرات عدة، سواء في بيته بمنطقة الغرب أو في مدينة العيون بالصحراء. ويصف روسي بخصوص الدليمي بأنه كان»شخصا مؤثرا أولا بطبيعته وثانيا نظرا للقوة التي كانت تصدر عن شخصيته»، ويضيف بأن الشيء الوحيد الذي ظل يترك بصماته عليه هو احتجازه في فرنسا على خلفية قضية اختطاف الزعيم الاشتراكي المهدي بن بركة، الذي اختطف من إحدى مقاهي باريس عام 1965، إذ كان الدليمي يقول إن المطالعة هي التي مكنته من عبور تلك التجربة الصعبة بنجاح. ويضيف روسي بأن الجنرال الدليمي لم يكن يقبل من أحد مجادلته أو التشكيك فيما يقوله. وهو ما تأكد منه فعليا ذات مرة حينما شكك روسي في الأرقام التي تنشرها الصحف المغربية حول أعداد القتلى الجزائريين، قائلا بأنها أرقام لا تطابق الواقع، فرد الجنرال الدليمي بطريقة شبه ساخرة مبديا عدم موافقته على ذلك الكلام، ويضيف روسي بأن المناقشة وقفت عند تلك النقطة بعدما أشار إليه البصري بيده قائلا له ما معناه إنه لا ينبغي الإلحاح. وفي مساء اليوم نفسه شرح له البصري أن الدليمي سريع الغضب، وأن أي مناقشة معه تعاكس رأيه قد تنتهي بخصام.

الإعلام الفرنسي وقضية الصحراء

يعتبر ميشيل روسي أن الإعلام الفرنسي كان في الكثير من الأحيان متحيزا في تغطيته لقضية الصحراء المغربية، ومواليا لأطروحات البوليساريو والنظام الجزائري. ويحكي واقعة كان شاهدا عليها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، إذ تمكن ـ كما يقول ـ من ملاحظة الفرق الواسع بين المعطيات الحقيقية على الأرض وبين التغطيات الإعلامية الفرنسية على الورق. يقول إنه سنحت له الفرصة لزيارة الأقاليم الصحراوية مع وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري مرتين، كانت أولاهما في يناير من عام 1976، إلى جانب أحمد بلحاج وعبد الواحد بلقزيز والطبيب كلود بازوليني، ولدى عودته إلى مدينة الرباط فوجئ بوجود مقال في يومية»لوموند»الفرنسية تقول فيه الجريدة إن مدينة العيون في الصحراء قد تعرضت للتفجير من طرف المغاربة، فقام بكتابة توضيح على المقال وأرسله إلى الجريدة، يؤكد فيه أن ما ورد في التغطية مناف للوقائع الميدانية، وبأنه كان موجودا هناك في الوقت نفسه مع مغاربة وفرنسيين ولم يلاحظ أي شيء مما ورد في المقال من حديث عن حصول تفجير. فكان رد الجريدة ما يلي:»بسبب وفرة الأخبار حول الصحراء لا نستطيع نشر تكذيبكم»، ويعلق روسي قائلا» أعتقد أن هذا لا يستحق أي تعليق فيما يخص حيادية هذه الجريدة».

استشارات البصري السريعة

نظرا لقربه من وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، كان هذا الأخير كثيرا ما يستشير ميشيل روسي في أي لحظة، أو يطلب منه إبداء رأيه في أي مشكلة قانونية تهم المغرب وفرنسا، وخصوصا فيما يتعلق بالقانون المقارن. ويقول إن الوجه السلبي في جميع هذه الاستشارات التي كانت تطلب منه هو أنها كانت على نمط»زر السرعة»، بحيث كثيرا ما كانت توجه إليه الطلبات في أوقات المساء وأحيانا حتى في وقت متأخر من الليل، بدون الأخذ بعين الاعتبار للتفاوت الزمني بين توقيت المغرب والتوقيت الفرنسي، وخصوصا أنه كان يطلب منه أن يرد على تلك الاستشارات كتابة» من الطبيعي أنني حين أكون موجودا في مدينة الرباط يكون من السهل علي أن أرد على الأقل شفويا، أو عبر كتابة تعليق سريع على بطاقة، كما كان الحال على سبيل المثال في بعض الحالات الاستعجالية أثناء الجلسات البرلمانية، حينما يكون الوزير في حاجة إلى التدقيق» في بعض القضايا.
ويحكي روسي أنه في إحدى المرات جاء أحد المعاونين لوزير الداخلية البصري إلى الفندق حيث يقيم، وطلب منه على وجه الاستعجال كتابة ملاحظة تخص قضية التنظيم القانوني الإداري، فاضطر لكتابة تلك الملاحظات في حانة الفندق، حيث أعطى للمعاون محاضرة قصيرة في الموضوع، مضيفا بأنه لا يستطيع أن يقدم رأيا يتعلق بمسألة من المسائل دون أن يأخذ وقته الكامل للتفكير في الموضوع والرجوع إلى المراجع الضرورية فيه. وهو ما حصل مثلا في بعض القضايا التي كانت تتطلب الأناة والتفكير، كما كان الأمر مع الاتفاق المبرم مع الشركة الفرنسية للتطهير»ليونيز» التي عوضت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والتطهير بالدار البيضاء. ويقول روسي إن البصري كان سعيدا جدا بتوقيع الاتفاق مع الشركة الفرنسية، لأن أعيان الدار البيضاء من ذلك الوقت فصاعدا لن يستطيعوا تحديها كما كانوا يفعلون مع»ليديك» ويرفضون دفع الفواتير المترتبة عليهم، مهددين بطرد العاملين إذا أصرت الشركة على دفع الفواتير، بل كان متوقعا أن تعمل الشركة الفرنسية الجديدة على دفع هؤلاء الأعيان إلى أداء جميع الفواتير القديمة المترتبة عليهم. ويضيف روسي إن عملية التعاقد مع شركة فرنسية كانت في ذلك الوقت صعبة من الناحية السياسية، وأن البصري كان  يقول له»بطبيعة الحال سيقولون عني بأني بعت مدينة الدار البيضاء إلى الفرنسيين».
  
الوزراء الفرنسيون للحسن الثاني

يروي ميشيل روسي أنه تعرف على الملك الراحل الحسن الثاني للمرة الأولى في عام 1987، حينما كان واحدا من لجنة استشارية تعمل إلى جانب الملك حول موضوع الخوصصة، بتنسيق مع الوزارات المختلفة. وخلال حفل غذاء نظمه الملك على شرف اللجنة المكونة من خبراء قانونيين فرنسيين ومغاربة توجه إليهم الملك الراحل واصفا إياهم بـ»وزرائي الفرنسيين» الذين يعملون إلى جانب الوزراء المغاربة.
ويقول روسي إن المراجعة الدستورية عامي 1992و1996 مكنتاه من العمل إلى جانب الملك الراحل كمستشار، وفق توجيهات من الملك.

الحسن الثاني والحجاب في فرنسا

يروي روسي أنه في عام 1989 حينما أثير موضوع الحجاب الإسلامي في فرنسا لأول مرة، كلفه بحمل رسالة شفوية إلى رئيس مجلس الدولة مارسو لانغ تعبر عن موقفه من الموضوع. شرح الملك نظرته إلى المشكلة والطريقة التي يراها لحلها، وبعد ذلك قال»ولكنكم عندكم أنتم في فرنسا كانت النساء حتى وقت قريب يحملن غطاء الرأس Voilette الذي كان يحجب شعرهن». ويضيف روسي «هذا أثار ضحكي، لأنني أعرف أن والدتي بل جدتي وصديقاتها كن يحملن هذا الغطاء». ويختم بأن هذه هي الفترة التي عقد فيها برنامج»ساعة الحقيقة» داخل القصر الملكي، في دجنبر 1989.

التناوب التوافقي

يقول روسي إن الإرهاصات الأولى للتناوب التوافقي مع المعارضة بدأت عام 1994، عندما نظم منتدى حول التناوب على الحكم، حضره هو نفسه وأرسل جورج فوديل كلمة مكتوبة لأنه تعذر عليه الحضور، لكن للأسف الشديد ـ يقول ـ لم تنشر أعمال ذلك اللقاء. الجميع كان يدرك أن ذلك اللقاء يمهد الطريق أمام حصول تحولات كبرى في المملكة. فالحسن الثاني كان يريد تمكين المعارضة من الحكم لأسباب كثيرة من بينها مرضه، لكن المعارضة كانت ترفض لأسباب من بينها أنها كانت تريد انتخابات سليمة لكي تثبت بأنها تمثل قوة حقيقية بالنسبة للرأي العام»ولكن هذا الأمر لم يكن صحيحا حسب الانتخابات التي نظمت لاحقا»، يضيف روسي معلقا.
ويروي الخبير الفرنسي طرفة حصلت داخل البرلمان. ففي 11 أكتوبر 1998عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني يلقي خطابه في افتتاح الدورة البرلمانية التي ستنظر في مشروع الانتخابات تعالت التصفيقات داخل القاعة من اليسار واليمين. ويروي له البصري قائلا» قلت في نفسي: لا بد أن هناك غشاشا هنا، ولا بد أن يكون هذا الغشاش هو أنا». ويتابع روسي أن ذلك حصل في الوقت الذي كان فيه علي يعته، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ينتخب في كل مرة للبرلمان، وذات مرة سأل صحافي فرنسي إدريس البصري حول هذه القضية الغريبة، فرد عليه الوزير»ولكن شيوعي الملك».

معارضة الخوصصة...دفاع عن المصالح

أثارت خوصصة القطاعات الاقتصادية في المغرب ـ يقول روسي ـ عاصفة داخل البرلمان، فالمعارضة وحتى الأحزاب الأخرى اعتبرت خوصصة القطاعات الهامة تفريطا في مكتسبات مهمة حصل عليها المغرب بعد الاستقلال، واتهمت الحكومة بالرغبة في بيع تلك القطاعات. وكان الحل هو وضع لائحة حصرية بالمؤسسات التي ستتم خوصصتها، على أن تبقى المؤسسات الأخرى غير الموجودة في اللائحة نفسها خارج الخوصصة. وسرعان ما تم التخلي عن هذا الحل لصالح حل آخر، وهو أن يتكلف البرلمان نفسه بوضع لائحة بالمؤسسات التي ستخضع للخوصصة. والمفارقة ـ يقول روسي ـ هي أن الهدف الأول الذي كان موضوعا للخوصصة ـ والذي تعرض للهجوم ـ هو نفسه الذي تحقق فيما بعد، وعن طريق حكومات شاركت فيها الأحزاب التي كانت تحارب الخوصصة بشراسة. ويضيف ميشيل روسي أن أحزاب المعارضة لم تكن وحدها التي عارضت الخوصصة، بل أحزاب الأغلبية الحكومية أيضا، «فبذريعة الدفاع عن مضمون الدستور كانوا في الحقيقة يدافعون عما يمثل بالنسبة إليهم القطاع العمومي، كمصدر للتأثير والمصالح، بفضل المناصب الكبرى ومناصب الشغل التابعة التي كانت توفر لهم عددا من المنافع المشروعة، وأحيانا غير المشروعة التي يمكنهم الولوج إليها».

البصري يريد تمثالا لحصان في مدخل سطات

من بين القضايا التي طلب وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري استشارة فيها من ميشيل روسي قضية إقامة نصب أو تمثال لحصان في مدخل مدينة سطات، مسقط رأسه، لأن الحصان رمز للمنطقة. فقد كان البصري يتخوف من أن تكون هناك مبررات دينية تحول دون إقامة ذلك النصب. لكن ميشيل روسي رد عليه بأنه ليس مؤهلا لتقديم إجابة شافية حول هذا الموضوع، إلا أنه في الوقت نفسه ـ وربما لإزالة مخاوف البصري ـ ذكره بأن هناك نصبا لأسد الأطلس في وسط مدينة إفران موضوعا في مكانه منذ وقت طويل، وأن ذلك كاف لطرد توهماته.

إعداد: ادريس الكنبوري لـيومية "المساء"









0 تعليق ل ميشيل روسي يروي ذكرياته مع الحسن الثاني وإدريس البصري ويكشف تفاصيل ملفات ساخنة عاش أحداثها إلى جانب الملك الراحل

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور