هؤلاء هُم عبيد القرن 21 في المغرب.. السيكيرتي، الخادمات، العاملات في الحقول..
زنقة 20
في زمن لم يعد يقبل الرق، نجد أطفالا ونساء ورجالا، شيوخا وكهولا أيضا، يساقون كل يوم إلى أغلال الاستغلال، داخل حفر جحيم لا تفرق بين الكبير والصغير، منهم من يعملون بجد ويكدون ليل نهار دون مقابل محترم، وضمنهم من تفرض عليهم شروط الحياة قبول الاشتغال في سوق النخاسة وإن على حساب كرامتهم وحريتهم. هؤلاء هم "عبيد القرن 21".
مصادفة أن يكون عدد المستعبدين اليوم في العالم، كما تعلن التقارير الدولية، نفس رقم القرن الذي نعيش أيامه وسنواته، فحسب تلك التقارير يقدر عدد البشر الذين لازالوا يعيشون تحت وطأة ممارسات الاستعباد بقرابة 21 مليونا. الأكيد أن بينهم الآلاف من المغاربة، الذين يتقاسمون معهم نفس شروط تصنيف بني البشر في خانة مسلوبي الحرية. قد تختلف الطرق والوسائل في استعبادهم، لكن النتيجة تبقى واحدة، وهي سلب للحرية، واحتقار للكرامة، واستغلال لحاجة هؤلاء الملحة في كسب لقمة العيش.
بين الآلاف من المغاربة المصنفين ضمن 21 مليون مستعبد حول العالم، نجد طفلات وأطفال داخل "مناطق مغلقة"، كما وصفتها سعيدة صغير، مسؤولة تربوية في جمعية "بيتي"، وهي بيوت وأوراش مشغليهم، حيث تمارس أبشع طرق الاستعباد واغتصاب براءة الطفولة، ونجد كذلك نساء منهن من زحف الشيب إلى رؤوسهن، لكن ذلك لم يشفع لهن كي يتقاعدن من السخرة وتنظيف البيوت، ومقرات الشركات، وبنايات قد يتجاوز بعضها عشرات الطوابق. هذا ولحراس الأمن الخاص نصيبهم من وصف الاستعباد، فبعضهم وحسب شهادة سعيد (حارس أمني خاص)، لـ"مغرب اليوم"، من يعمل 24 ساعة على 24 دون نوم ومقابل أجر جد هزيل.
حكايات الاستعباد لا تقف في الحدود التي رسمناها سلفا، فهناك عاملات الحقول، والنساء المستعبدات لأزواجهن بقوة السوط والترهيب، كما قد نجد داخل مجموعة من بيوت الدعارة قاصرات وفتيات يفرض عليهن بيع أجسادهن وإن لم يرغبن في ذلك، بالإضافة إلى جيش من المتسولين القاصرين والبالغين كذلك من الذين يفرض عليهم احتراف جمع الدراهم من على الرصيف لإرضاء أولياء أمنهم وإيوائهم.
"مغرب اليوم"، ومن خلال شهادات مؤثرة، وآراء ذوي الاختصاص من العاملين مع مختلف الفئات السالفة الذكر، وكذا تجربة العديد منهم، ترسم خارطة لمن تدخلهم ممارسات الأفراد والجماعات عنوة في خانة العبيد، وإذا كان العالم قد احتفى مؤخرا بالتحفة السينمائية "12 عاما من العبودية" الذي حاز جائزة "أوسكار" أحسن فيلم لسنة 2013، وهو الفيلم الذي ينقل مشاهد تدمي القلوب قبل العيون، فإن ما سننقله هنا يصلح لمئات القصص والروايات والأفلام، التي قد تحوله إلى بوابة تعري بعضا من ممارسات مجتمعنا الشاذة والمحتقرة للكرامة البشرية.
داخل الغرف المغلقة
داخل بيوتنا عبيد، هل يصح الوصف؟ ما يمارسه المشغلون على الأطفال والطفلات، وحسب سعيدة صغير، المسؤولة التربوية في جمعية "بيتي"، أبشع من الاستعباد وأكثر خطورة، لأنه يقود في حالات عديدة إلى موت هؤلاء تحت جحيم التعذيب، أو يدفعهم لوضع حد لحياتهم بطرق مختلفة، كما وقع مع الطفلة التي رمت بنفسها من الطابق الرابع بمدينة الدار البيضاء.
فخلال سنة 2013، عالجت جمعية "بيتي" 40 حالة لطفلات خادمات في البيوت، و15 حالة لأطفال صغار يشتغلون داخل ورشات الحرف اليدوية، وكلها حالات يقل عمر ضحاياها عن 15 سنة، تعرضوا خلال فترات اشتغالهم للعنف الجسدي والمعنوي، في ما تعرض 5 في المائة منهم لاعتداءات جنسية شاذة.
(خ.م) هي اليوم شابة، وتتابع دراستها في إحدى جامعات المملكة، في شعبة علمية قلائل هم من يستطيعون التفوق فيها، كانت حياة نابغة اليوم أن تكون غير ما هي عليه، فلولا تدخل فرع إحدى الجمعيات العاملة في مجال إنقاذ الأطفال لانتشالها من بطش مشغليها بمدينة نواحي مكناس، لكانت الشابة في خبر كان، ومهما وصفت حالتها لن نستطيع هنا نقل بعض من المعاناة التي عاشتها وهي في السادسة من عمرها فقط.
كانت مشغلة (خ.م) التي استلمتها بحجة تربيتها عاملة بإحدى حانات مدينتها، تدخل في أوقات متأخرة من الليل، تأتيها رغبة في ترويع منام الطفلة، تأمرها وحسب شهادات حصلت عليها "مغرب اليوم" من مصدر تحفظ على ذكر اسمه، (تأمرها) بالقيام بأعمال البيت من كنس وإعداد لطعام زائرة الليل، وإن رفضت الطفلة أو "تهاونت" في مهامها، تكون العقوبة رسم خرائط بشفرة حادة على مختلف أنحاء جسمها، "كانت تستهدف حتى أجهزتها التناسلية" يقول مصدرنا، وذلك ما تطلب إجراء ثلاث عمليات تجميل للطفلة، كي تستعيد ملامح وجهها، وتخفى الندوب الموشومة بوحشية على باقي أعضائها الصغيرة.
حكاية (خ.م) لم تنته مأساوية كما بدأت، فكما أشرنا هي فتاة ناجحة في دراستها، وبفعل المواكبة التربوية والنفسية لمن تسلموا حالتها، استطاعت بعد مرور بضع سنوات، تحقيق التصالح مع جسدها وماضيه الذي كتب بدمائها رغما عنها.
لم تكن حالة (خ.م) وحدها الأخطر، وإن كان واجب التحفظ يلجم لسان من تحدثنا إليهم عن الموضوع، فغيرها من الفتيات وحتى الفتيان كثر، ومن بينهم طفلة في سن الـ 13، ظلت لسنوات تتعرض عند مشغليها بمدينة الجديدة للاستغلال الجنسي البشع، من طرف ابنهم الأكبر، وذلك ما دفعها للمغامرة بالهرب من البيت والتوجه نحو قسم الشرطة بالمدينة.
نعيد طرح السؤال: هل ما تتعرض له الطفلات داخل البيوت شكل من أشكال العبودية؟ وهذه المرة على عمر سعدوني، عضو جمعية "إنصاف"، وعضو "الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت"، حيث كان جوابه: "نحن لا نتعامل بالجرأة اللازمة مع هذا الملف، لذا نقتصر على وصف "الطفلات الخادمات"، لكن ما يتعرضن له من ممارسات تحط من كرامتهن، الأكيد أنه شكل من أشكال الاستعباد كما طرحتم"، وينقل بهذا الصدد شهادة مجموعة من الطفلات اشتغلت معهن جمعية "إنصاف" و"الائتلاف"، تحدثن عن احتجازهن منذ وصولهن إلى بيت المشغلين وحتى رجوعهن إلى بيت الأسرة، أي أن معظمهن تبقى سجينة بين أربعة جدران دون رؤية نور الشمس لسنوات عدة، مع العمل لأزيد من 18 ساعة في اليوم، والمقابل حسب المسؤولة التربوية سعيدة صغير، يبتدئ من 300 درهم ولا يتجاوز في أحسن الأحول 600 درهم للشهر الواحد، بل من الأسر من لم تعد تتوصل بمستحقات خدمة طفلاتها داخل البيوت، ومنهن من تركتهن للمشغلين في محاولة من تلك الأسر لتخفيف عبء مصاريف المعيشة عليها.
يقول عمر سعدوني، إن التشريعات الوطنية الخاصة بحماية الطفلات والأطفال عموما، متناقضة مع المواثيق الدولية، وحتى التي صادق عليها المغرب، تبقى حبرا على ورق رغم تمريرها، لأنها بلا جدوى إن لم تفعل على أرض الواقع، مما يترتب عنه حدوث مآس لا تصدق، بل في بعض الحالات تحدث ممارسات وحشية في حق الأطفال تكون مفضية إلى الموت، قوانين يطلب "الائتلاف" مراجعتها، خاصة القانون 19/12 الذي ينظم العلاقة بين المشغل والمستخدم، والذي أدمج فئة الأطفال ما بين 15 و18 سنة، وهي الفئة التي يطالب اليوم بحذفها من هذا القانون لمنع ظاهرة تشغيل الأطفال بذريعة وجود تشريعات تنظم ذلك.
خلال زيارتنا لمقر جمعية "بيتي" في حي "سيدي البرنوصي"، عرضت علينا سعيدة صغير، ثلاث حالات صادمة لطفلات فارقن الحياة داخل "الغرف المغلقة"، واحدة منهن طفلة في الحادية عشرة من عمرها، صاحبت ابنة مشغلتها إلى مدينة الجديدة لقضاء العطلة، وذات يوم "أخطأت" الفتاة حين حرقت قميص زوجها، فكانت ردة فعل الزوجة أن انهالت عليها بالضرب إلى أن فارقت الحياة، ثم حالة أخرى لفتاة من مدينة وجدة، وهنا كان المشغل رجل قضاء، تعرضت للعنف المفرط، وحين وصلت القضية للمحاكم حملت زوجة القاضي وزر الفعلة كلها، وهو مصير مشابه عاشته الطفلة "فاظما" في مدينة أكادير، والتي أنصفتها المحكمة مؤخرا حين أدانت قاتلتها بـ20 سنة سجنا نافدا.
مهما نقلنا وتحدثنا عن جحيم القاصرات داخل البيوت لا يمكن نقل الصورة كاملة، هذا رأي جل المتدخلين، وللقضاء النهائي على الظاهرة، تشدد سعيدة صغير، على ضرورة تغيير عقلية بعض الأسر الميسورة التي أصبحت تتباهى في ما بينها بعدد الطفلات اللاتي يشغلن داخل بيوتهم، حتى أن جلهم يصرون على اصطحاب الطفلات الخادمات إلى الأسواق والحمامات بملابس توحي أنهن من صنف آخر غير بني البشر.
أمن خاص أم عبيد؟
رغم أنهم من حاملي الشهادات العليا، ورغم أن سنهم يفرض عليهم التمييز بين ظروف الاشتغال، واختيار اللائقة منها، لكن واقع حالهم ينطق عكس ما يمكن أن يتخيله البعض.
يبدون أمام أبواب الوكالات البنكية ببذل أنيقة، يقدمون أجسادهم هبة لحماية الداخلين إليها، ومنهم من يرابطون أمام أبواب تجمعات سكنية في طور التشييد، يحرسون الجامد ويرصدون المتحرك، وإن عاكس الحظ أحدهم، ترمي به الأقدار داخل بؤر لا رحمة فيها ولا شفقة، وأخطرها حسب شهادة مجموعة منهم الخدمة في "ميناء".
هم رجال الأمن الخاص، وحسب سعيد (م)، أحد هؤلاء، ساعات العمل لا حدود لها، وفي ما هو متعارف عليه وضد على قانون الشغل، تكون محددة في البدء حين يتفقون مع مشغليهم على 12 ساعة في اليوم، لكن يضيف سعيد، قد تتمدد الساعات الطوال لتصل في بعض الأحيان إلى 24 ساعة دون نوم ولا راحة.
يعمل رجال الأمن الخاص في ظروف أقل ما يقال عنها، إنها استعبادية لا تراعي أبسط الشروط، فهم ملزمون بجعل أجسادهم عرضة للاعتداءات لصون حرمة ما يستأمنون عليه، يقول سعيد في حديثه لـ"مغرب اليوم"، إن العمل في مجال الأمن الخاص مغامرة وتضحية بالنفس دون مقابل محترم، حيث يفرض عليهم العمل في أوقات الليل دون تعويض، ولا يستفيدون من عطل الأعياد الدينية أو الوطنية، وإن لم يقضم المشغلون من رواتبهم لا يزيدون فيها مهما كانت الظروف.
هل يستطيع أحدكم الذهاب ببذلة واحدة طيلة الأسبوع دون تغييرها؟ كان هذا سؤال شاب في الثلاثين من عمره، متزوج وأب لطفل في الثانية من عمره، صورة حاول من خلالها يوسف (ب)، نقل بعض من ملامح معاناتهم اليومية، حين يفرض عليهم القدوم إلى العمل بالزي الرسمي الذي تمنحهم إياه الشركة، "نتوفر على بذلة واحدة، وإن اتسخت عليك انتظار يوم العطلة الوحيد في الأسبوع كي تنظفها وتنتظر تجفيفها"، حسب يوسف، يكرهون فصل الشتاء، لأن فيه تقل فرصة تجفيف البذلة بسرعة وتكون فرضية اتساخها أكبر، صورة قالها بسخرية وتهكم ممزوجين بحسرة على واقعهم المرير.
لا تأمين على المخاطر، ولا تعويضات عن حوادث الشغل، بل في بعض الأحيان، يوضح سعيد، الذي أبدى معرفة جيدة بالمجال الذي يشتغل فيه، يجد العاملون في الأمن الخاص، صعوبة كبيرة في التعرف على مقرات الشركات التي "تستغل" خدماتهم، وإن أراد أحدهم طلب أوراق عمله يصطدم بواقع يفيد أن المقر مجهول إلى إشعار آخر.
وعن قصة إصرار الشركات العاملة في مجال الأمن الخاص على إخفاء مقراتها، مخافة احتجاج العاملين لديها إن تأخرت رواتبهم، يسرد سعيد على "مغرب اليوم" حكاية طريفة، مضمونها، أن إحدى الشركات وجراء تذوقها لمرارة الاحتجاج أمام مقرها بعد أن هضمت حقوق مستخدميها، قامت مؤخرا بنقل المقر إلى مدينة أسفي عوض الدار البيضاء، وحين أرادت –يضيف سعيد- تشغيل فوج جديد، دعتهم إلى مقهى "مسك الليل" بحي "مولاي عبد الله"، وقامت بتحرير عقودهم هناك وترتيب كافة أشواط التحاقهم دون إخبارهم بعنوان مقرها الجديد.
يقول سعيد إنهم أكثر من "العبيد"، بل هم وحسب تعبيره أكباش تساق كل يوم إلى المسلخ كي تذبح، وإذا لم تتكفل الشركات بعملية الذبح، يقوم بها المتربصون بالمحلات التي يوفرون الأمن أمامها وداخلها، كما وقع لمجموعة من رفاقه في "ميناء" الدار البيضاء، حين تعرض مجموعة منهم لاعتداء عنيف من طرف السارقين، فما كان من "الباطرونة" الذين يشغلونهم إلا رد جميل حماية مصالح زبنائهم بالجفاء والتنكر لهم.
يرفع جل العاملين في ميدان الأمن الخاص أكف الدعاء إلى السماء، كي لا يكون إنزالهم العشوائي بين أحضان التجمعات السكنية في طور التشييد، لأن هذا العالم مليء ليلا بقطاع الطرق ومحترفي سرقة الحديد ومواد البناء، ولأن الحمولة المسروقة تكون ثقيلة، يعمدون إلى تحرك عبر جماعات، لذا يصعب مطاردتهم، وإن فعل رجل الأمن الخاص ذلك، يكون مصيره ندبة على الوجه ترافقه مدى الحياة إن هو بقى على قيدها.
هذه بعض من معالم حياة رجال الأمن الخاص، الذين يتقاضون في أحسن الأحوال 2400 درهم وفي أسوئها 1600 درهم، وأغلبهم تجاوز مستوى التعليم الثانوي، بل فيهم من حاز شواهد عليا كالإجازة والماستر، معالم حياة لخصها سعيد في جملة، مفادها: "نحن يضعوننا في مرتبة كلاب الحراسة، هؤلاء يعوضن بـ300 درهم، لكن السؤال هل نأكلها نحن الذين في حاجة ماسة إليها، أم نطعمها لهم؟ في كل الأحوال هم ونحن سواسية داخل هذه المهنة".
شيوخ في خدمة النظافة
لا يُرحمن في سنهن، ولا يُغفر لهن إن قصرن في أداء المهام المنوطة بهن، هن نساء بلغن من السن عتيا، لكن مرارة العيش تفرض عليهن الاستمرار في كنس الأركان، والانحناء على درج العمارات السكنية، لقاء دراهم معدودات تكاد تكون حسنة عوض الأجر.
في هذا الشق من شريحة تصنف كعبيد قرننا، ترسم "مغرب اليوم" بروفايلا لسيدة تعمل داخل الإقامات السكنية لحي "الهدى" بمنطقة "سيدي مومن" بالدار البيضاء، تقارب اليوم الخامسة والخمسين من عمرها، وتكاد تميز موطئ قدمها، ترافقها في رحلتها "السيزيفية" نحو طوابق العمارات الشاهقة، ابنة لها فاقدة لحاسة البصر، ولا يساعدها جسمها البدين على الحركة.
تبدأ السيدة عملها في الصباح الباكر وكل أسبوع ليومي الثلاثاء والجمعة، حيث تطوف على مختلف العمارات الكائنة بالحي، تصارع سنها، وتنظر لابنتها العليلة نظرة الشفقة، دون أن تستطيع وقف معاناة تقودها إليها بيدها.
تقطع ضيفة فضائنا هذا مسافة طويلة من حي "التشارك" حيث تقطن رفقة أبنائها الذكور والإناث مشيا على الأقدام، تتحسس الطريق بأطراف أصابعها قبل أن تتقدم خطوة إلى الأمام، وحين تصل إحدى العمارات، تبدأ بطرق الأبواب لاستلام دلاء المياه الكبيرة، كي تسكبها على الدرج، وتنحني قرابة ثلاث ساعات دون أن تستوي، في محاولة منها لمحو الآثار المتسخة لساكنة المكان.
أجر السيدة العجوز رفقة ابنتها، لا يتعدى في العمارة الواحدة قرابة 160 درهما في الشهر، لقاء عملية تنظيف العمارة مرتين في الأسبوع دون انقطاع، أي ما معدله 20 درهم عن كل يوم تنظيف شاق، أليس هذا مظهر من مظاهر العبودية؟ حتى في أزمنتها الغابرة، كان للعبيد مسكن وملبس ويوم راحة مقدس عند مشغليهم، لكن السيدة لا يوم مقدس لديها، إن هي اختارات إكمال باقي أيام الأسبوع داخل البيوت تساعد أربابها.
قالت سعيدة صغير إن طفلات جمعية "بيتي" ساهمن في عرض مسرحيات تعالجن واقع تشغيل القاصرات، عرضت خلال حملة تحسيسية قادتهم إلى جهة "فاس"، وكان للإبداعات الصغيرة وقع خاص على نفوس الأسر، حيث مكنتهم من التعرف على واقعهن المرير، إبداعات يبدو أن حراس الأمن الخاص هم كذلك في حاجة لعرضها أمام مشغليهم، كي يتحرك فيهم شيء تجاه ما يفرضونه من شروط لقبولهم "عبيدا" داخل مؤسساتهم، وإذا كان لتاريخ أمريكا في العبودية اليوم فيلم اسمه "12 سنة من العبودية" وهو مقتبس من سيرة ذاتية لشخص يدعى "سولمان نورثوب"، فإن للمغرب الآلاف من عبيد اليوم، إن هم تحدثوا أو كتبوا ما عاشوه ويعيشوه كل يوم على أيدي مستعبديهم، سيكون بالتأكيد حسب الشهادات والروايات والمشاهد التي عاينتها "مغرب اليوم"، أكثر قساوة مما عاشه "سولمان" داخل حقول القطن في أمريكا التي استعبدت يوما ذوي البشرة السوداء، وسيكون المشهد أكثر سوادا حين يعكس ما يعيشه اليوم أبناء المغرب على حد سواء دون تمييز في لون البشرة لأن لاستعبادهم عنوانا واحدا .
عن مجلة "مغرب اليوم".