الملك محمد السادس... حارس قلعة الإمام مالك بإفريقيا


زنقة 20

يتعين قراءة الزيارة الملكية إلى إفريقيا (مالي + الكوت ديفوار + غينيا كوناكري + الغابون) باستحضار أربعة سياقات:

الأول يتجلى في السياق الإقليمي المهزوز أمنيا، بدءا بموريتانيا، ووصولا إلى نيجيريا جنوبا، مرورا بمالي والنيجر وتشاد، ومن الجزائر إلى مصر شرقا، مرورا بتونس وليبيا.

السياق الثاني يستمد مشروعيته من البيان المشترك المغربي الأمريكي الذي صدر عقب الزيارة الأخيرة لمحمد السادس لواشنطن في نونبر 2013 والذي أكد على دور المغرب المحوري في قضايا دول الساحل والشرق الأوسط فضلا عن اعتبار المغرب «قاعدة للانطلاق» بالنسبة لشمال إفريقيا ودول الساحل والتزام قائدي البلدين «بمواصلة التعاون الوثيق في إطار المنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل».

السياق الثالث يتمثل في سطوة التيارات الجهادية وزحف التنظيمات الأصولية المتطرفة على كامل تراب المنطقة بشكل غذى المخاوف من قيام إمارة ساحلستان على غرار ما حدث في وزيرستان وأفغانستان والشيشان وبلاد الشام.

السياق الرابع يكمن في أن العالم الغربي احتضن التيارات الوهابية والشيعية والأصولية في البدايات الأولى لاستعمالها كأوراق في صراعاته الجيوستراتيجية، إلا أن هذا الاحتضان أوصل العالم إلى المأزق وإلى الباب المسدود (تطرف + إرهاب+ فهم أورتوذكسي ومغلوط للدين...) مما جعل العديد من الدول تتحلل من هذه التيارات وتبحث عن ملاذ روحي يحميها من الفيروس الأصولي، فانتبهت إلى تجربة اسمها «المغرب المالكي» بالنظر إلى أن التجربة المغربية أبانت عن مشروعيتها التي تتجلى في الأمن العام الذي يتحقق بالمغرب، وهو أمن عام يعود في جزء هام منه إلى العقلية العامة للمغاربة التي توارثتها الأجيال بفعل جينات ترسخت في النخاع الشوكي للمغاربة وجعلت العقلية العامة تنفر من الفتنة وتنحو للاستقرار، وذلك بفضل المرجعية الدينية التي مازالت جاذبيتها ووظيفتها بالمغرب بشكل أغرى دولا أخرى للاقتباس من المغرب.

شهية هذه الدول انفتحت أكثر بعد موجة «الربيع العربي» أو«الربيع الأصولي»، إذ خرج المغرب بمكاسب إصلاحية هامة بفضل الشرعية الدينية والتاريخية لمؤسسة إمارة المؤمنين وهو ما جعل العديد من صقور العواصم العالمية يراجعون حساباتهم اتجاه المعادلة الجيوسياسية بالمنطقة واقتناعهم بالدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب لإفشال ونسف المخططات الراديكالية والجهادية.

فهل حققت زيارة الملك محمد السادس لإفريقيا نصرا للمغرب؟

العديد ممن استأنست «الوطن الآن» بآرائهم لم يترددوا في اعتبار هذه الزيارة حققت ثلاثة انتصارات، انتصار لتاريخ المغرب، وانتصار لمرجعيته الدينية والمذهبية، وانتصار للبعد الإنساني لشخصية أمير المؤمنين.
هذا الانتصار لم يأت عبثا، بل كان مسنودا بثلاثة معطيات محورية:

أولها أن السلالات التي تعاقبت على المغرب انتبهت إلى وجوب تمكين المغرب من منارات دينية متفتحة أبرزها جامع القرويين بفاس، ومسجد بن يوسف بمراكش، وهي المنارات التي ستتعزز أكثر مع تطوير نسيج شبكي هائل من مدارس التعليم الديني (خاصة في سوس والجنوب والأطلس والشمال)، وهي المدارس التي كانت روافد تمد القرويين ومسجد بن يوسف بالعديد من الطلبة الذين تخرجوا وانتشروا في أصقاع العالم (خاصة بالأندلس وإفريقيا).

ثانيا، أن علماء المغرب، ومن باب حس المسؤولية، كانوا رجال ميدان، إذ انتشروا في دول جنوب الصحراء واستقروا هناك ونثروا رداء التدين المغربي. كما كان المغرب قبلة للوفود الهائلة التي ترد على المغرب إما طلبا للعلم بالقرويين ومسجد بن يوسف وبالمدارس العتيقة أو تأتي إلى المغرب عن طريق التصوف خاصة التصوف المنتسب للزاوية التيجانية والشاذلية والقادرية. وهذا التلاقح أدى بالأفارقة إلى التعلق بالتدين المغربي خاصة بعد أن اختبروا علماء المشرق الذين كانوا يتعاملون معهم بنوع من التعالي والعنصرية (يعتبرون الإنسان ذا البشرة السوداء بمثابة عبد) عكس الحال بالنسبة للمغرب الذي لم يتعامل معهم بشكل عادي وإنساني فحسب، بل واحتضن علماءهم الذي أظهروا أيضا كعبا عاليا في أمور الفقه والدين (مثلا أحمد بابا التمبوكتي الذي حل من مالي وأسس مدارس فكرية عديدة ونفس الأمر يصدق على الكونتي وغيرهما).
هذا المعطى جعل الأفارقة مرتبطين بالمغرب إما عبر المنارات الدينية التعليمية أو عبر الزوايا: مشيشية شاذلية أو تيجانية أو قادرية.

ثالثا، أن سحر التدين المغربي في دول جنوب الصحراء مرتبط لدى ساكنة هذه الدول بمحبة آل البيت، وبالنسبة للعقل الجمعي الإفريقي. فالمغرب هو بلد الشرفاء وهو البلد الذي تحكمه سلالة تنحدر من ذرية الرسول الكريم محمد (ص).

هذه المعطيات جعلت رئيس الفيتنام السابق يقول حينما زار المغرب: «إذا كانت دول كبرى تعتبر نفسها قوة عظمى اقتصاديا أو عسكريا فأنا أعتبر المغرب قوى عظمى معنوية Le Maroc est une superpuissance morale.» 

قولة المسؤول الفيتنامي تزداد بريقا إذا تحللنا من مصطلحات القانون الدولي العام والقانون الدستوري المتكلسة التي تحصر مجال الدول في «حدودها الحقة». فاستنادا إلى مبادئ القانون الدستوري والقانون الدولي نجد أن حدود المغرب «الحقة» تمتد من طنجة إلى لكويرة، لكن ما يتغافله الناس أن المغرب على المستوى الحضاري بنى مؤسسة إمارة المؤمنين على امتداد قرون، وتأسيسا على ذلك فحدود المغرب الروحية تمتد إلى حيث ينثر أمير المؤمنين رداء الإمام مالك ورداء الأشعري ورداء التصوف الجنيدي.

ألم يخاطب رئيس دولة مالي نظيره محمد السادس بـ «أمير المؤمنين»!

العدد556 من أسبوعية "الوطن الآن"
أعد الغلاف: عبد الرحيم أريري









1 تعليق ل الملك محمد السادس... حارس قلعة الإمام مالك بإفريقيا

  1. avatar
    Mostafa

    نحن أساتذة التعليم العتيق نرجو من المسؤولين التدخل لصالحنا من أجل تسوية وضعيتنا لدى وزارة الأوقاف لأننا مسؤولون عن أسر ولنا أبناءولا دخل لنا سوى المكافأة في ثلاثة أشهر ، لا تغطية صحية ولا تقاعد ولا أجر محترم....

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور