احمد عصيد

avatar

بيان ضدّ اليأس والإحباط

 

لا أتفق مع بعض الذين انبروا هذه الأيام لهجاء الثورات وتهويل ما آلت إليه، وتصويرها كما لو أنها الطامة العظمى والداهية الشؤمى، التي أدّت إلى إطلاق التطرف السلفي الأهوج من عقاله، وجاءت بالإسلاميين إلى الحكم رغم أن أهدافهم ليست هي أهداف الثورة، وأصبحت تهدّد أبسط المكاسب الديمقراطية في المساواة والحرية والعدل.

لا أتفق مع هؤلاء لسبب واضح لا لبس فيه، وهو أن هذه الإنتفاضات المجيدة رغم كل ما قيل عنها قد أحدثت خضّة في بركة الإستبداد الآسنة، وبعثت الأمل في النفوس بعد أن كاد يعصف بها اليأس و القنوط، وخلقت حركية غيّرت أشكال الصراع واتجاهه، وفكت ألسنة الناس بعد أن كاد الخوف أن يشلها، كما غيّرت وجوها بوجوه، وأبعدت أشخاصا ملّهم الناس وضجروا منهم إلى درجة القرف واليأس، وأسقطت عروشا ما كان أحد يتخيّل إمكان سقوطها بهذه السهولة.

جعلتنا الإنتفاضات الشعبية نشعر بمتعة أن نحيا، في مناخ يمتزج فيه الشك باليقين، والأمل باليأس، والحماسة بالإحباط، وشجاعة القول بالتحفظ، مناخ جعلنا نشترك في حلم استعادة الوطن، وإن كنا نرى هذا الوطن المأمول في صور متباينة.

لا معنى لليأس ونحن في مبتدإ طريق جديد، قد يظهر لنا فيه ما يسوءنا مرحليا، ولكنه ليس نهاية التاريخ، وهذا هو خطأ الإسلاميين لأنهم لا يؤمنون بإبداع التاريخ، وهذا هو مصدر قوتنا لأننا نسير في اتجاه التاريخ.

قد لا نحسن التجييش والعسكرة لأننا أحرار، وقد لا نجيد التعبير عن مشاعر الكراهية لأننا أقوياء بحجّة الفكر، لكننا ذوو قضية عادلة هي قضية كل إنسان يعشق الحرية ويؤمن باستقلال العقل، وهي القضية التي خرج أصحابها مظفّرين من كل المعارك التي خاضوها على مدى التاريخ باسم الحق والخير والجمال.

قد تكون فورة التعصب الديني الأعمى فاتحة عهد جديد يهتدي فيه الناس إلى أساليب جديدة في تدبير فنّ العيش المشترك، لكن لن تكون أبدا عودة إلى مظالم التاريخ السابقة، لأن إنسان الحضارة لا يُلدغ من الجُحر مرّتين.

ولأن الكراسي لا تدوم، علينا التفكير منذ الآن فيما بعد الإسلاميين، فالمُضي نحو المستقبل رهين بالتحرّر من كل الأوهام.









0 تعليق ل بيان ضدّ اليأس والإحباط

أضف تعليق

البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور