الرأسمال الخليجي بين الاستثمار الاقتصادي وتهديد القيم الديمقراطية
البحث عن موارد لانعاش الاقتصاد وتمويل مشاريع التنمية والخروج من الأزمة الخانقة، أمر معمول به شرقا وغربا، لكنه يكون أجدى وأكثر أمنا وأمانا إن كان البلد المعني بذلك قد أرسى أسس الديمقراطية الصلبة، واختار الحسم في الاتجاه نحو ترسيخ أسس دولة القانون بشكل لا رجعة فيه، وقام بتفكيك مافيات الاقتصاد والإدارة بتطهير دواليب الدولة من الفساد والمفسدين، كما يكون أكثر مردودية إذا كان البلد المستثمِر بلدا ديمقراطيا، وإلا فإن الجهود التي تبذل من أجل البحث عن إنعاش الاستثمار قد تؤدي إلى جلب رساميل تزيد الوضع تعقيدا، حيث لا يكون لها أثر إيجابي على واقع الناس.
لقد كانت الآمال المعقودة على الحكومة الحالية أمالا عريضة لدى الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع، معتقدين أن التغيير يلوح في الأفق مع السياق الجديد، وكان الأمل يتمثل في أن الشعار المرفوع هو "إسقاط الفساد والاستبداد" في الدولة، ليكتشفوا بعد إعلان رئيس الحكومة استسلامه، بأن "الشياطين والعفاريت" أكثر عددا وعدّة من أن تستطيع الحكومة دحرهم بالسهولة التي كان يعتقد، وهكذا اتجهنا إلى بلدان الخليج النفطية دون تحقيق أي نجاح في محاربة الفساد، وهو ما يعني البحث عن المزيد من الماء لطاحونة الفساد المغربية، ما دامت دول الخليج، لا تشترط "الوضع المتقدّم" في الديمقراطية وحقوق الإنسان لكي تستثمر، حيث هي نفسها أبعد ما تكون عن القيم الديمقراطية.
في تجربتنا مع الاتحاد الأوروبي استطاع المغاربة أن يجنوا إضافة إلى مشاريع الاستثمار، العديد من المكاسب على مستوى الحقوق والحريات، وخاصّة في قضايا المساواة بين الرجل والمرأة ومحاربة كل أشكال الميز ضد النساء، وتدبير التنوع اللغوي والثقافي وحمايته، وكذا إطلاق المعتقلين السياسيين (رغم أن طي صفحة ماضي الانتهاكات لم يؤد كليا إلى إنهاء الاعتقال بسبب الرأي في المغرب).
ما الذي يمكن أن نجنيه مع بلدان كالسعودية وقطر ؟ ما هي القيم التي ترافق الرأسمال السعودي والقطري اليوم وفي السياق الراهن ؟ نقول هذا لأننا لا نؤمن باستثمار اقتصادي لرأسمال محايد ومفصول عن منظومة القيم والمشاريع السوسيوثقافية التي تمرّ من تحت الطاولة، فالاتحاد الأوروبي يتعامل بشفافية ووضوح: على المغرب أن يحقق وعوده في مجال حقوق الإنسان ومحاربة البيروقراطية والفساد الإداري، لكي ينال قبول المستثمرين الأوروبيين، وقد استطاع الحصول على "وضع متقدم" لأنه حرص على الوفاء ببعض تعهداته في هذا المجال، فما هي شروط السعوديين والقطريين يا ترى ؟ إنها شروط غير معلنة، لكنها ستتمّ من خلال دعم مشروع قيمي مغاير لما تعلنه الدولة في تعهداتها، وهو دعم سيمرّ من وراء الستار لمجتمع مدني "مكلف بمهمة" ليست بالضرورة متطابقة مع اختيارات المغرب في الانتقال السلمي نحو الديمقراطية، مما قد يخلق للدولة المغربية متاعب كثيرة مع شركائها الديمقراطيين، كما مع القوى الديمقراطية في الداخل، وهي معارك سنعيش بلا شك تفاصيلها عما قريب. وإذا كنا على يقين من أن الديمقراطية في النهاية هي التي ستنتصر وفق منطق التاريخ الذي لا يرحم، لأننا لا يمكن أن نعود إلى الوراء، إلا أن هذا سيجعل انتقالنا نحو المستقبل أكثر صعوبة مما كان متصورا.