دستور بمضمون غير ديمقراطي لا يُحسم بالاستفتاء
يحاول الإخوان المسلمون سواء في مصر أو في تونس إقناع الفرقاء الآخرين، أي يقية المكونات التي ليست من دائرة الإسلام السياسي، بضرورة "وضع اليد في اليد من أجل توطيد الاستقرار"، وتجاوز الوضعية الحالية و السماح بإرساء عمل المؤسسات وإنهاء الأزمة الخانقة والانطلاق نحو بناء التنمية المطلوبة.
المغالطة في هذا الرأي هي أن ما بني على خطإ لا يمكن أن يكون إلا خطأ، لأن المؤسسات التي يتمّ إرساؤها على أساس دستور غير ديمقراطي تحايلي بلاغي، يحاول إنكار بقية مكونات الأمة الموجودة على الأرض، والتي تشكلت عبر تاريخ طويل، ولا يحترم قيم التعدّدية والمساواة على أساس المواطنة، لا يمكن أن يكون ضامنا لاستقرار البلاد، ولا أساسا للتوافق الوطني.
يحاول الإخوان والسلفيون في مصر تفادي النقاش الحقيقي بالدعوة إلى الاستفتاء على الدستور والحسم وإنهاء الخلاف، أي بالهروب إلى الأمام، وهم يعتقدون أنه بحصول الدستور على أغلبية نسبية عددية بالأرقام، يمكنهم المضي في تطبيقه بكل طمأنينة وبدون مشاكل، والحال أنّ الديمقراطية الكمية (ديمقراطية الأرقام والعدد) لا تسمح بتجاوز الأزمة إلا عندما يتمّ الحسم في المنطقات والمبادئ الكبرى، أما عندما يكون الأساس الصلب للتوافق الوطني منعدما، فديمقراطية التصويت (كما أكدنا على ذلك في سلسلة مقالات نُشرت قبل عام من هذا التاريخ) في مثل هذه الحالة التي تفتقد الطابع التشاركي لا تمنح الشرعية، ومنطق الأغلبية والأقلية لا يحسم في الخلاف عندما يتعلق الأمر بحريات الناس ومعتقداتهم واختياراتهم الأساسية لأنماط الحياة وأساليب الوجود الاجتماعي، فأغلبية المسلمين لا يمكن أن تفرض نمطا دينيا لحياة عامة تلزم به الأقليات المسيحية أو اليهودية أو أقلية المواطنين من غير المؤمنين بأية عقيدة.
إن الدساتير الديمقراطية لا توضع بمنطق الأغلبية ولا بمنطق القوة، بل تضعها كل مكونات الوطن جميعها، التي ينبغي أن تجد لها مكانا في القانون الأسمى للبلاد، لكي تعترف بشرعيته، وتنصرف للإسهام في البناء الوطني، أما عندما يتمّ الإسراع بتمرير دستور الإخوان والسلفيين، الذي صاغته لجنة قاطعها اليساريون والليبراليون وقوى الثورة والكنائس القبطية، فلن يكون إلا دستور الإخوان والسلفيين، لدولة الإخوان والسلفيين، لا لغيرهم. وهو بذلك دستور لا شرعية له عند أغلبية المكونات السياسية والمدنية النشيطة في البلاد، والتي ساهمت بشكل ريادي في الثورة المصرية. وهو ما سيجعل هذه المكونات جميعها تتكتل من أجل التصدّي لكل السياسات التي سيتم محاولة تمريرها بناء على دستور اختزالي فاقد المصداقية.
يعني هذا أن الاستفتاء لن يحسم في مصر في اتجاه الاستقرار، بل سيكون بداية مرحلة نضال وكفاح مرير من أجل استعادة الثورة المجهضة، التي أرادها الذين أشعلوا فتيلها أن تكون فاتحة عهد جديد، يضمن الحرية والمساواة والعدل للجميع، وجعلها الإخوان فرصة للهيمنة على الدولة بمنطق ديني توتاليتاري، من أجل التطبيق الشامل لشريعة دينية ، وهو أمر لم يكن قط معلنا ضمن مطالب الثورة، في أي بلد من بلدان الحراك