معارضة الحكومة أم معارضة رئيس الحكومة ؟
السجال المحتدم بالبرلمان، والتلاسن القوي الذي يفضي أحيانا إلى انفلاتات غير محسوبة العواقب، وزلات اللسان التي أصبحت بالعشرات، والتلويح بالأيدي، وتوتر ملامح الوجوه، إضافة إلى تصريحات بعض القياديين الحزبيين في الصحافة، كلّ هذه الأمور لم تعُد تشعر المواطنين بالطمأنينة، كما أنها لا توحي لهم بحيوية الحياة السياسية أو بدينامية المؤسّسات، بقدر ما أصبحت تتجه نحو مواجهات تضيق دائرتها يوما عن يوم، لا لشيء إلا لأنها حولت العمل البرلماني ووظيفة المعارضة السياسية إلى مهاجمة الحزب الذي يقود الحكومة، وتصفية الحساب مع رئيس الحزب المذكور ورئيس الحكومة، في الوقت الذي ينبغي التعامل فيه مع السياسة الحكومية على أنها برنامج جميع الأحزاب المشاركة في التجربة الحالية لإدارة الشأن العام.
يعتقد الكثير من السياسيين الذين يمارسون عملهم داخل الهيآت المنتخبة بأن التركيز على حزب رئيس الحكومة والتصدّي له لوحده وتعميق الصراع معه دون سواه، سيؤدي إلى إضعاف هذا الحزب وتقليص كتلته الناخبة وجعله يتراجع في رصيده السياسي، والحال أن ما يقومون به يشكل أكبر دعم لهذا الحزب وتجديدا مستمرا لـ"شرعيته" المتآكلة منذ خطواته الأولى في العمل الحكومي، فكل ما فقد "البيجيدي" نقطة إلا وسارع معارضوه إلى تعويضها له بهجومهم عليه، وهو ما يكون له عند العامة وقع آخر غير ما يعتقده المعارضون، حيث لا يرى بعض المواطنين في الصراع مع الحزب الإسلامي داخل المؤسسات والأوساط السياسية إلا مناورات "أعداء التغيير" و"جيوب المقاومة" و"الفلول" وهلم جرا من النعوت المعروفة، والنتيجة أن الحزب الأغلبي رغم فشله في تدبير العديد من الملفات التي بين يديه حتى الآن، يستمرّ البعض في مناصرته من باب أنه "محاصَر" و"مستهدَف" بمؤامرة مخزنية، بينما هو والمخزن شيء واحد.
إنها لعبة يتقنها الإسلاميون إلى حدّ الساعة، لكن دوام الحال من المحال، فعندما حاول محمد مرسي الرئيس الإخواني تنصيب نفسه فرعونا لمصر، في زمن غير زمن الفراعنة، هاج الشارع وماج، وأصبحت شرعيته الآتية من صناديق الاقتراع على المحكّ، فسارع إلى إعلان أنّ معارضيه إنما يمثلون "الفلول" و"أعداء الثورة"، بينما كان معارضوه هم أنفسهم من قاموا بالثورة، والذين ركب الرئيس وجماعته على ثورتهم لتوجيه مصر في اتجاه الطائفية عوض دولة المواطنة، لكن زعم الرئيس لم ينطل على الناس، وحتى إذا ما تمكن من إحراز أغلبية في الاستفتاء على دستور الإخوان والسلفيين، فسيكون من الصعب تهدئة الأوضاع، لأن الذين قاموا بالثورة لا يمكن لهم انتظار أربعين سنة أخرى للوصول إلى الديمقراطية الحق.
لقد أظهرت التجارب السابقة بأن شنّ الحملات من طرف السياسيين على الحزب الإسلامي
أو محاولة تحجيمه كما حدث في منع لقاء شبيبته بطنجة، يؤدي إلى نتائج عكسية، وأن السبيل الوحيد لكي يتحقق الناس من فشل الإسلاميين في تدبير المرحلة، هو تركهم يرتكبون أكبر عدد من الأخطاء، تركهم في مواجهة الشارع والقوى المعارضة والمجتمع المدني والمثقفين والفنانين، وممارسة "معارضة للحكومة" داخل المؤسسات بطريقة عقلانية لا تجعل الحزب الذي يشكل خطرا على الديمقراطية، يتواجد باستمرار في موقع الضحية.