الحكومة في مستنقع الفساد والاستبداد
الفضيحة التي كان بطلها وزير العدل، الذي استعمل سلطته وموقعه في الحكومة من أجل حرمان رئيس نقابة من التعبير عن رأيه النقدي في قناة عمومية، إذا أضفنا إليها فضيحة الحكم على رئيسة جماعة قروية بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، انتصارا لمافيا الرمال التي ظلت تنهب المقالع تحت حماية السلطات المحلية، دون اعتبار للجماعة ولا للقوانين ولا لحقوق السكان،( وهو ما يفسر أن محاكمة الرئيسة كان هدفها الواضح إبعادها عن الانتخابات المقبلة، لأنها لم تنضبط للتعاقد اللاأخلاقي بين مافيات الفساد وموظفي السلطة المحلية)، ووضعنا الفضيحتين معا بجانب فضيحة متابعة موظفين بتهمة تسريب وثائق إدارية، في الوقت الذي يحميهم الدستور في القيام بواجبهم في فضح فساد المفسدين من الموظفين السامين، وأضفنا إلى ذلك فضيحة تسريب مرسوم لمصادرة أراضي السكان يعتمد قوانين استعمارية تمّ نسخها منذ الستينات من القرن الماضي، وأضفنا إلى ذلك كله فضيحة استنزاف ثروات المناجم على حساب مصالح السكان البؤساء الذين ظلوا على مدى شهور طويلة في العراء، دون أن تتجرأ الحكومة على أن تبث في قضيتهم، وبالأحرى أن تجد لهم حلا، وتوّجنا كل ذلك بفضائح الاعتقال والاستنطاق والتعذيب والتنكيل بشباب عبروا في الشارع العام أو في مواقع إلكترونية عن رأي معارض للسلطة، وآخر بطولات السلطة في ذلك ما أقدمت عليه ضدّ متظاهري "تاوادا" بكلّ من أكادير والحسيمة، فسنصل إلى قناعة راسخة طالما أكدنا عليها، مفادها أنّ الفساد والاستبداد مرتبطان في بلادنا بجوهر السلطة، وأنهما من ميكانيزماتها الرئيسية، وأنّ من يتولى إدارة الشأن العام ملزم بأن يتحوّل ذهنيا وسلوكيا لينسجم مع مقتضيات مقامه داخل دواليب الحكم، وهذا ما جرى للسيد الرميد الذي بدأ يتحول إلى فرعون صغير.
قد لا نعيب على رئيس الحكومة ما يجري، وهو الذي اصطفّ منذ البداية، عن سبق إصرار وترصد، وعلانية ودون وجل أو حرج، بجانب السلطة ضد المتظاهرين في حركة 20 فبراير، معتبرا إياهم مجرد "طبالة" و"غياطة"، فمن كان هذا شأنه لا يُنتظر منه أن يواجه بؤر الفساد وينقض أسس الاستبداد، ولكننا نعيب على وزير العدل مواقفه وسلوكاته اليوم، لأنه في يوم ما تمرّد على رئيس حزبه ونزل إلى الشارع مع الجماهير يرفع مطالبهم، ليصبح اليوم واحدا من بطانة الفساد وأحد ركائز الاستبداد في الدولة.
إننا لا نقيس رصيد الحكومة بمعيار الثورة التي لم تقع، ولا نطالب الوزراء بإتيان المعجزت، لكننا نطالبهم فقط بأن يظلوا أوفياء لوعودهم ولصورتهم السابقة ومبادئهم المعلنة فيما مضى، ففي المغرب عرفنا حراكا شعبيا بتأثير من الثورات، كما أن الحكومة الحالية جاءت في سياق ارتفع فيه سقف المطالب الشعبية، وقد يقبل الناس على مضض أن تتطور الأمور ببطء شديد، ولكن ما لا يمكن قبوله هو أن تعود الأمور إلى سابق عهدها كأن شيئا لم يقع.