هل يصبح "الربيع الديمقراطي" نقمة على الإسلاميين ؟
استبشر الكثير من الفاعلين الإسلاميين خيرا بالانتفاضات الشعبية التي عرفتها دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، واعتبروا ـ سواء منهم الذين ساندوا جهارا هذه الانتفاضات وشاركوا فيها منذ البداية أو الذين فضلوا خوض مفاوضات التوافقات الهشة حتى اللحظات الأخيرة، أو أولائك الذين سارعوا إلى تكفير المتظاهرين ـ اعتبروا أنها فرصتهم لتولي إدارة الشأن العام ومحاولة تطبيق برنامجهم بعد عقود من الحصار.
غير أن طريق السلطة ليس مفروشا بالورود بالنسبة لأي كان، فالصعوبات التي تواجهها التيارات الإسلامية بكل فصائلها كثيرة نذكر منها:
1) أن الانتفاضات رفعت سقف المطالب الشعبية وحملت معها آمالا عريضة وشعارات سيصعب على الإسلاميين تحقيقها، لأن الكثير منها ـ بل الجوهرية منها وخاصة ما يتعلق بإسقاط الاستبداد وإنهاء السلطوية ـ تتعارض مع أهداف الإسلاميين المعلنة، والتي تقترح نمطا من الاستبداد الديني، بديلا للاستبداد القائم عسكريا كان أو أوليغارشيا أو فرديا. فمشروع الإسلام السياسي لا يتعارض فقط مع الديمقراطية بمبادئها وقيمها الأساسية، بل يهدّد الكثير من المكتسبات التي انتزعتها التيارات الديمقراطية والحداثية على مدى عقود من النضال المرير ضد سلطات الاستبداد.
2) أن مجيء الإسلاميين إلى السلطة تزامن مع أزمة اقتصادية ومالية خانقة ضربت العديد من بلدان العالم، وكانت لها انعكاساتها الخطيرة على بلدان الجنوب التي لا تتمتع بثروات نفطية أو باحتياطي من العملة يجنبها نتائج الأزمة.
3) ضعف الكفاءات والخبرات المتوفرة لدى التيار الإسلامي، وعدم استعداد الأطر التي يتوفرون عليها لتولي مناصب التسيير والتدبير العقلاني والعصري للمؤسسات، حيث تبين أنهم يحملون الكثير من الأفكار التي لم يضعوها قط في محكّ التجربة والفعل الإجرائي، وتبينت محدوديتها وعدم واقعيتها عند التطبيق.
4) سعي الإسلاميين المحموم إلى الاستيلاء على الدولة والمؤسسات بعد أن تبيّن لهم استحالة تنفيذ مخططهم بالتشارك مع غيرهم في الحكم، رغم أن نسبة الأصوات التي يحصلون عليها لا تؤهلهم لذلك، وهو ما يؤدي إلى خلق الكثير من التصادمات وإضعاف الحس التشاركي لدى الأطراف الحليفة لهم في التجربة الحكومية، مما يعرقل الحكامة ويؤدي إلى إضعاف الثقة في المؤسسات وفي التجربة بأكملها.
5) تطرف التيار السلفي واستعجاله للعب دور رئيسي في مسرح الأحداث رغم كونه أقلية صغيرة، مما يضطرّ هذا التيار إلى اللجوء إلى العنف وإيديولوجيا التكفير وإلحاق الأذى بمعارضيه، ويتسبّب بالتالي في الإضرار بتجربة الإسلاميين "الإخوانيين" الذين يجدون أنفسهم مضطرين ـ كما حدث في تونس ـ إلى التبرؤ من هذا التيار وإعلان الحرب عليه، وهو ما يساهم في إنهاكهم وإضعاف مردوديتهم.
6) من شأن تهديد الحريات والمكتسبات الديمقراطية أن يخلق تكتلات عديدة في المجتمع المدني والسياسي ضد الإسلاميين، مما قد يضعهم من جديد في مواجهة قوى الشارع والحركات الاحتجاجية التي لا يتحكمون فيها، وبحذو بهم بالتالي إلى استعمال العنف والسقوط في نفس الوضعية السابقة على الانتفاضات.
7) ارتباط الإسلاميين بالمخطط الدولي الذي يتمّ تحت مظلة أمريكية وبأموال سعودية وقطرية، قد يؤدي بهم إلى فقدان الشرعية في عيون أتباعهم بسبب اضطرارهم الذي لا مفرّ منه إلى الالتزام بنفس المواقف السابقة للأنظمة في القضية الفلسطينية، والتي ظلّ الإسلاميون يستغلونها للدعاية لأنفسهم باعتبارهم قوى "الممانعة" التي ستحرّر فلسطين.