بين مجلس حقوق الإنسان ومجلس العلماء، دولة بوجهين
في المحاولات اليائسة لحزب العدالة والتنمية للتراجع عن بعض مقتضيات مدونة الأسرة، التي كان الحزب قد خسر معركتها بعد هجومه الوحشي على خطة إدماج المرأة في التنمية، (ونقول "وحشي" لأنه تم بكل الطرق غير الشريفة)، يعود الحزب وهو في الحكومة إلى مداعبة الموضوع عبر محاولة شرعنة اغتصاب القاصرات بحُجج ومبررات لا علاقة لها بالسياق الحالي الذي يجتازه المغرب، ونظرا لأن الحكومة أبعد ما تكون عن الانسجام المطلوب فقد اختلف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب المصباح في هذا الموضوع، لكن المثير في الأمر هو لجوؤهما إلى طرفين مختلفين بل متناقضين لفضّ النزاع فيما بينهما، فدعا الحزب الاشتراكي إلى اللجوء إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتبار الأمر ذا علاقة بحقوق الإنسان، بينما دعا الحزب الإخواني إلى إحالة الأمر على المجلس العلمي الأعلى.
وإذا كان الحزب الاشتراكي مطمئنا إلى أن موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيأتي في صالح طفلات المغرب اللواتي ينبغي أن يكون مكانهن في المدرسة وليس بين أحضان المرضى النفسيين، فإن حزب المصباح أيضا مطمئن كل الاطمئنان إلى أن "العلماء" سيجدونها فرصة للانتقام من الطفلات اللواتي قال عنهن أحد السلفيين في التلفزيون بأنهن يمارسن الدعارة أمام المدارس والثانويات، مما يبرّر "تزويجهن" (للإشارة فللمعني بالأمر 11 بنتا لا نعلم إن كنّ متمدرسات أم لا) .
أحدث المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل ضمان احترام هذه الحقوق "كما هي متعارف عليها عالميا"، وأحدث مجلس العلماء من أجل "عدم تحليل الحرام وعدم تحريم الحلال"، ونظرا لأن الكثير من مبادئ حقوق الإنسان محرمة شرعا في أعين العلماء فإننا نصبح أمام دولة بوجهين، والعُهدة على العلماء الذين أفتوا بضرورة "قتل المرتدّ عن دينه المفارق للجماعة"، في الوقت الذي حكمت فيه محكمة فاس على الشاب المتهم باعتناق المسيحية بالبراءة، بعد ضجة مفتعلة بسبب القبض عليه ومحاكمته بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم".
نحن أمام دولة بوجهين لأن الحكم بالبراءة تم باسم "جلالة الملك"، الذي يرأس هو نفسه المجلس العلمي الأعلى الذي أفتى بضرورة القتل الذي لم يُنفذ.
لا شك أن هذه المعميات تصيب الشخص الأجنبي بالذهول والدوار، لأنه لن يفهم شيئا، أما نحن المغاربة فقد تربينا على الفصام والسكيزوفرينيا منذ نعومة أظافرنا، مما يجعلنا نتأقلم مع الوضع ونبحث عن مبررات التطبيع مع ممارسات ليست طبيعية من جميع الوجوه.
في النازلة التي أمامنا لدينا طفلات دون سنّ الرشد، أي دون سن الثامنة عشرة، يُراد تزويجهن بسبب الأمية والجهل والتخلف، يقول حزب المصباح إن الطفلات هنّ من يردن الزواج، ويقول القانون إن الطفلات لا يمكن أن يُعتبر موقفهن لأنهن "قاصرات"، فإذا أراد الطفل أن يشاهد التلفزيون إلى وقت متأخر من الليل، فإن أبويه وكل من يتولى تربيته ويتمتع بعقل سليم، سيقول له إن ذلك غير ممكن ويرسله إلى الفراش. والدليل على ما نقول العدد الخطير من الطفلات اللواتي تم تزويجهن دون السن القانونية واللواتي أصبحن مشردات ولبعضهن أطفال بسبب اعتبار أزواجهن الجُهال أنهن لا تقمن بواجب الزوجية، والحال أن الطفلة لا يمكن أن تقوم بواجبات لا تفهمها بعد، إذ عليها أن تنضج من أجل ذلك.
ويقول أهل العدالة والتنمية إن الطفلة في سنّ السادسة عشرة "فايضة تباركلاه" ولها لحم وشحم مما يبرّر افتراسها من قبل شخص بالغ ذي تجربة ويعاني من هلوسات جنسية، لا يشبعها إلا مع طفلة تصغره بعشرات السنين، ويقول القانون إن الطفلة ليست مجرد لحم وشحم بل هي بناء نفسي وعقلي لا بدّ أن يكتمل بشكل سليم، ولست أدري إن كان لأهل العادلة والتنمية بنات وإن كانوا قد أشرفوا على تربيتهن، إذن لأدركوا ما معنى أن تكون الطفلة في سنّ السادسة عشرة من عمرها. إن معيار الحق في مثل هذه الأمور أن يضع الإنسان نفسه مكان غيره.
يعتبر أهل المصباح أن الطفلة التي تقع في "الفاحشة" مع شخص بالغ غرّر بها "راغبة" في ذلك مما يؤهلها للزواج، ويقول القانون إن الطفلة القاصر لا يمكن أن تميّز بشكل دقيق في أفعالها وسلوكاتها كما يميّز الإنسان البالغ الراشد، ولهذا لا يمكن الحديث عن رضاها وقبولها بأمر لا تدرك أبعاده الخطيرة، وهذا معنى "القاصر"، ولهذا ينصّ القانون على معاقبة من غرّر بقاصر واستغل سذاجته.
نحن إذن أمام دولة بوجهين، لم تحسم بعد في اختياراتها بسبب ارتباكها، وبسبب رغبتها في حماية مصالح أطراف تقتات من التخلف.