احمد عصيد

avatar

معضلة ملكية الأرض بالمغرب

أحمد عصيد

كان أحد الأصدقاء من السوسيولوجيين قد عكف على إعداد بحث لنيل دكتوراه الدولة في موضوع ملكية الأرض بالمغرب، وبعد سنوات طويلة من البحث المضني والتنقيب في أرشيف الوثائق التي يعود بعضها إلى قرن من الزمن ويزيد، انتهى إلى خلاصة صرّح لي بها شفويا بقوله:"ملكية الأرض قنبلة موقوتة مسكوت عنها، يجثم فوقها المغرب بطابوهاته السياسية ومشاكله المتفاقمة".

عندما أتأمل الشكايات والتظلمات المكتوبة المنبثقة من مختلف جهات المغرب، والتي يبعث بها إلى الجهات الرسمية بين الفينة والأخرى سكان بسطاء فلاحون في معظمهم، أشعر بفداحة الظلم الذي لحق بأعداد  كبيرة من السكان جراء الطريقة التي تمّ بها تدبير ملف الأراضي ببلادنا. و آخر هذه التظلمات ما صدر عن ساكنة منطقة "تادوارت" بجماعة الدراركة عمالة أكادير إداوتنان، فهؤلاء السكان يقطنون فوق أراضيهم منذ مئات السنين، وتوارثوها أبا عن جدّ، إلى أن حلّ بين ظهرانيهم الإحتلال الفرنسي الذي أصدر بمجرد توقيع عقد الحماية ظهيرا لمصادرة أراضي القبائل وتفويتها للشركات الإستعمارية، ورغم الدعاوى القضائية التي رفعها السكان آنذاك، إلا أنّ إدارة الحماية كانت تصدر أحكاما ضدّ الساكنة ولصالح الشركات المذكورة. بعد جلاء الإحتلال وفسخ عقد الحماية، انتقلت ملكية الأراضي المستغلة من طرف المعمرين إلى "الأملاك المخزنية"، لكن السكان عمدوا منذ فجر الإستقلال إلى الإتصال بالملك محمد الخامس من أجل التذكير بحقهم في أراضيهم، وهو ما تمّ إقرارهم عليه بالسماح لهم باستغلال أراضيهم، فاستمروا يزاولون أنشطتهم الفلاحية ويؤدون ضرائبهم للدولة، كما تمّ إمداد مشاريعهم ومنشآتهم بالماء والكهرباء، وبالبنيات التحتية الضرورية من طرف الدولة ووفق المساطر الجاري بها العمل، إلا أن ذلك لم يتمّ تسويته بوثائق مكتوبة، وهو ما يعني استمرار وضعية الغموض في ملكية هذه الأراضي، مع العلم أن ثمة وثائق إدارية تثبت بأن هؤلاء السكان كانوا يتصرفون في هذه الأراضي تصرّف المالك وذلك بالبيع والشراء، إلى أن فوجئوا خلال شهر مارس المنصرم بمراسلة من مندوب أملاك الدولة بأكادير، موضوعها "إنذار بالإفراغ وإرجاع الحالة إلى ما هي عليه"، حيث ذكرهم المندوب المذكور بأنهم يحتلون قطعة أرضية تابعة لملك الدولة، مضيفا:"حيث قمتم بتشييد بناية سكنية دون أن تربطكم بالدولة أية علاقة قانونية" (كذا!)، مضيفا أيضا :" ومن أجل وضع حد لهذه الوضعية أنذركم بوجوب إفراغ القطعة الأرضية المشار إليها مع إزالة البناية المقامة فوقها وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه داخل أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ توصلكم بهذا الإنذار، تحت طائلة متابعتكم أمام القضاء من أجل ذلك، مع التأكيد على أن الدولة (الملك الخاص) تحتفظ بحقها في مطالبتكم بالتعويضات اللازمة عن الإحتلال غير القانوني" (كذا!).

هكذا انقلب الوضع بشكل مفارق وعجيب فأصبح أصحاب الأرض مجرد "محتلين" لأرض ليست لهم، ومطالبين بالإفراغ في الوقت الذي كانوا فيه في الأصل ضحايا احتلال أجنبي أعقبه احتلال مخزني دون أية تسوية إدارية واضحة وعقلانية تسمح بأن ينال كل ذي حق حقه.

في جوّ من الهلع والإستنكار لجأ سكان "تادوارت" إلى كل الجهات كما لجأ الذين من قبلهم، دون ّأن يجدوا حتى الآن آذانا صاغية، وهو ما يطرح السؤال عن أفق هذه المعضلة ومستقبلها، خاصة وأن التكتلات الجارية تظهر إصرار السكان على التشبث بحقوقهم، والمطالبة بتسوية عادلة ترضي جميع الأطراف خارج عقلية الإحتلال السلطوي.

قد يؤدي المزيد من النبش في هذا الملف إلى الكشف عن الخيوط الواهية التي تربط سكان مناطق المغرب بالحكم المركزي، وهي خيوط إما أن تتم تقويتها بإيجاد الحلول العادلة لمشاكل ليس السكان مسؤولين عنها، وإما ان يتم قطعها إذا ما أصرت الدولة على الإستمرار في لعب دور المخزن التقليدي، الذي يحلّ كل المشاكل بتجاهلها التام، وتركها تتعاظم فوق كواهل الناس.

يعكس ملف ملكية الأرض بالمغرب التباس العلاقة بين الدولة (ككيان مركزي)، والسكان كمواطنين يغادرون بالكاد وضعية الرعايا ويتوقون إلى أن يشعروا بمكانتهم في الدولة العصرية، وبتجديد مفهوم الوطنية المغربية والإنتماء إلى الوطن، الذي هو بيت للجميع.









0 تعليق ل معضلة ملكية الأرض بالمغرب

أضف تعليق

البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور