سُلطات الرئيس المصري سلاح ذو حدّين
في الوقت الذي اعتبرت فيه مكونات الشارع المصري ما أقدم عليه الرئيس مرسي من تنحية لديناصورات الجيش خطوة حاسمة في طريق إنهاء الاستبداد العسكري الذي دام ستين سنة، سجل ملاحظون آخرون بأن السهولة التي تمّت بها هذه العملية، وعدم وجود أيّ رد فعل مضادّ من الجيش، تنبئ عن وجود تحضير سابق متوافق عليه بين الأطراف الفاعلة في السياسة المصرية والأطراف الدولية التي ترتبط مصالحها بالوضع المصري، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أن الرئيس المصري لم يتحرك في هذا الاتجاء إلا بعد أن تيقن من نجاح مساعيه، والتي ترمي أساسا إلى تثبيت شرعيته السياسية واستعادة سلطاته بصفته رئيسا منتخبا، لكن في نفس الوقت ضمان حماية المصالح الغربية في المنطقة، وعلى رأسها استقرار وأمن إسرائيل، يدلّ على هذا مؤشران اثنان: دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" الجيش المصري إلى انسحابه من السياسة وتركه الأمور في يد حكام مدنيين منتخبين، وذلك قبل أسبوع واحد فقط من إقدام الرئيس مرسي على إصدار قراره، وكذا البرقية التطمينية التي بعث بها الرئيس المصري إلى شيمون بريز ردا على التهنئة التي تلاقاها من هذا الأخير بمناسبة دخول شهر رمضان.
كما أن الطريقة البطولية الاستعراضية التي تصرّف بها مرسي، وتصريحاته وخطبه التي تحمل نبرة الحسم، تدلّ على أن الهدف الرئيسي هو إعطاء المصريين شعورا بنشأة "زعيم" كاريزمي، انتظروه منذ وفاة عبد الناصر، زعيم لكل المصريين وليس لـ"الإخوان المسلمين"، وأن يضعوا بالتالي ثقتهم في المرحلة.
لكن المخاوف التي عبّر عنها بعض زعماء الأحزاب السياسية المصرية، وعدد من المنابرالصحفية، تنبئ عن وجود قراءة غير مطمئنة لما يجري، فالخطوة التي أقدم عليها مرسي مراقبة وذات حدود متفق عليها، ولكن لا شك أنها تتمّ بمقابل، إذ لا يمكن للرئيس المصري أن يخوض هذه التجربة بحسّ براكماتي دون أن يجني منها الثمار المرجوة، فتنازلات مرسي لإسرائيل وللقوى العظمى لن يكون لها إلا هدف واحد رئيسي هو حياد هذه القوى تجاه الوضع السياسي الداخلي المصري، مما سيمكن الإخوان من الاستيلاء على الدولة دون صراع مع الخارج، فتصبح مصر مثل السعودية غير مجبرة على الخيار الديمقراطي داخليا، وذلك بمقايضته برعاية المصالح الغربية، وهو ما سيعرض حقوق الإنسان لمخاطر كبيرة مستقبلا، إذ لا ينبغي أن ننسى بأن مرسي مهما حاول أن يظهر بمظهر رئيس الدولة، إلا أنه يظل رغم ذلك ممثلا للإخوان وحاملا لمشروعهم، وهم التيار الديني الذي عاش ثمانين سنة من أجل بناء الدولة الدينية في مصر.
تبدو إذن بالتدريج ملامح المخطط الأمريكي في المنطقة، والذي يتمّ تنفيذه بوساطة وأموال قطرية ـ سعودية، ويهدف إلى ضمان حماية المصالح الغربية مع صعود الإسلاميين، وإنهاء الصورة التي تظهر هؤلاء كما لو أنهم يشكلون خطرا على مصالح الغرب وعلى إسرائيل. وسيكون جزاء الإسلاميين على هذا التعاون هو إلغاء الفيتو الغربي في مجال حقوق الإنسان والقيم، وغض الطرف عن كل الانتهاكات التي ستطال هذا المجال باسم الخصوصية االدينية والتقاليد.
يعني هذا أن "الثورة" قد لا توصل مصر إلى باب النفق، وأن القوى الرجعية العربية (دول الخليج تحديدا)، والتي لن تسمح بقيام ديمقراطيات حقيقة بجوارها، تراهن على نقل السلطة من طرف استبدادي إلى آخر دون حدوث تغيير حقيقي في جوهر النسق السياسي، والضحية الأكبر لهذه العملية ستكون بالتأكيد هي شعوب المنطقة، إذ لن يتغير الكثير في أوضاع الناس المادية، كما أنهم سيدفعون ثمن هذه التحولات من حرياتهم.
قد لا تسير الوقائع بالضرورة في اتجاه هذه القراءة المتشائمة، خاصة إذا استحضرنا العامل الذي يتمّ تغييبه في الحسابات السياسية للأطراف المحركة لخيوط هذه اللعبة غير النظيفة، وهو القوى الشعبية التي أطلقت دينامية الحلم الديمقراطي في الشارع، والتي سيكون عليها استعادة حلمها المسروق متى توفرت لديها الإرادة لذلك.