جدل حول اعتماد الدارجة و حُماة العربية يرفضون لقب لغة المصائب


زنقة 20 . المصدر

عاش المغرب شهرًا متوترًا على وقع مقترح هز أركان الساحة الثقافية والفكرية والسياسية في البلاد، بسبب دعوة أطلقها مشاركون في ملتقى نظم أخيرًا حول سبل مواجهة مشاكل التعليم في البلاد، طالبوا فيها باعتماد العامية المغربية في التعليم الأولي للتلاميذ المغاربة، عوض اللغة العربية الفصحى.

وأثار المطلب الجدال لما فيه من تجاوز للمنطق، كما أثار غضب الأساتذة والمعلمين لأنه يقلل من شأنهم.

العربية أصل المصائب

جاء مقترح الاستغناء عن اللغة العربية في التعليم بالمغرب من رجل الأعمال نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة زاكورة للتربية، الذي طرح اقتراحه محتجًا بأن اللغة العربية هي أصل المصائب في التعليم وسبب فشل المخطط الاستعجالي التعليمي بالمملكة، وتراجع المردودية التعليمية. وقال: "مبادرة التدريس بالعامية لم تأت من فراغ، بل بنيت على معطيات ودراسات دقيقة، كما اعتمدت تجارب بينت نجاح وتفوق التلاميذ الذين تلقوا تعليمهم باللهجة التي يتحدثون بها في البيت"، وأكد أنه سيبين مدى نجاحها من خلال تجربة تشرف عليها مؤسسة زاكورة، التي تدير 450 مدرسة، تستخدم فيها العامية للتدريس، سواء للأطفال الذين لم يسبق لهم الدخول إلى المدرسة أو الذين تركوا مقاعد الدراسة لعدة أسباب، من ضمنها عدم فهم الدروس. واعتبر عيوش مبادرته حلًا جذريًا للهدر المدرسي، "والهجوم على مقترحي غير نابع من الواقع، خصوصًا أن أغلب الذين يدافعون عن التدريس باللغة العربية يوجهون أبناءهم إلى مدارس البعثات الأجنبية".

وبعد الحرب الذي شنها الإعلام ونخبة من المثقفين ورجال التعليم على عيوش، قرر هذا الأخير مقاطعة الصحافيين وعدم إبداء تعليقاته على الموضوع، مبررًا في تصريح أخير: "قدمت مذكرة إلى الحكومة أطالب فيها بتحويل لغة التعليم الاولي في المغرب إلى العامية، والأمر بيد الحكومة الآن، ولا تعليقات صحفية على الموضوع من اليوم".

سياسية وترابية

أتى الرد الحكومي غير مباشر على مطالبات عيوش، إذ التقى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وفدًا عن الائتلاف الوطني لحماية اللغة العربية، وعلق في مداخلته: "اللغة العربية هي الدين، ولغة هوية تدل على الانتماء الديني". كما علق عبد العظيم الجروج، الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، على مقترح التدريس بالعامية، إذ رأى أن ما قاله عيوش يخصه وحده، "واللغة العربية تحظى بمكانة خاصة تتماشى مع مرتكزات المملكة".

وأصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بحكومة الشباب الموازية بيانًا استنكاريًا للموضوع، مؤكدةً رفضها دعوة عيوش، "فما تتضمنه الوثيقة الدستورية التي صوت عليها الشعب المغربي بالإجماع تتحدث عن كون اللغتين الرسميتين للبلاد هما العربية والأمازيغية فقط". وحذرت الوزارة من مغبة تبني مثل هذه الدعوات والمطالب، لأنها قد تخلق تفرقة لغوية وتقسم المملكة لمناطق مختلفة، نظرا لاختلاف اللهجات المغربية مما سيؤدي بدوره لتفرقة سياسية قد تصل إلى تفرقة ترابية.

أبناؤنا فئران تجارب

وفي تصريح خاص بـ"إيلاف"، يعلق الشاعر والإطار التربوي بوزارة التربية الوطنية بالمغرب عبدالسلام دخان على الموضوع، ويرى أن السجال حول استعمال العامية في المنظومة التربوية ليس أكثر من صيحة في واد، "وصاحب هذه الحملة الإشهارية لا علاقة له بالمنظومة التربوية، ولا يعرف شيئًا عن راهنها، ومطلب استعمال العامية في المنظومة التعليمية يحمل بوادر رغبة في إدخال البلاد في دائرة من التيه والتجريب، والنتيجة ضياع أجيال، وضياع فرصة التنمية المستدامة، وضياع فرصة تقدم البلاد، فالحديث عن التعليم وسبل إصلاحه ينبغي أن يرتبط ببرامج دقيقة، وليس بخواطر عنت لتجار الإشهار، وبغض النظر عن الاستراتيجية التي ينبغي توافرها كأساس لأي مشروع".

وسأل: "عن أي عامية نتحدث؟ الجبلية في شمال المغرب؟ أم الخلوط في الشمال الغربي؟ أم لهجة دكالة وعبدة؟ أم لهجة السواحل؟ أم اللهجة الهجينة في المدن الكبرى؟ أم اللهجة المختلطة باللغة الحسانية في الجنوب؟ فالوضع ملتبس يتطلب صرف المليارات لتحقيق دراسات من أجل البحث أولًا عن العامية المشتركة بين هذه النماذج المقدمة سلفًا، بيد أن العامية بما تمتلكه من قوة تواصلية لا ترتقي إلى لغة ذات بنيات مقولية صارمة".

وختم قائلًا: "استعمال العامية في المنظومة التعليمية يمثل رغبة في السير وراء السراب، ومن أراد ذلك فليفعل، ولكن ليترك البلاد بعيدة عن التجريب المفضي إلى العدم، ومصير البلاد ينبغي أن يكون بعيدا عن من يرغب في جعل أبناءنا فئرانا تجارب لمشاريعهم الإشهارية".

دعوة مُغرضة

وقال عبد العزيز الراشدي، رئيس رابطة أدباء الجنوب والفائز بجائزة ابن بطوطة بالإمارات العربية، لـ"إيلاف" إن الدعوة إلى استعمال العامية في التعليم المغربي مرفوضة، "وقد أجمع غالبية المثقفين المغاربة وأصحاب العقول السويّة على هذا الأمر، فالعربية المستعملة في المدرسة المغربية ليست صعبة أو محنّطة، بل لغة في متناول الطفل بحكم تداولها في قنوات الأطفال وفي الراديو".

اضاف الراشدي: "استعمال العامية يعزل الطفل والمتعلم عن محيطه الواسع، ويمنعه من التحكّم باللغة الأم ما دام امتلاك اللغة يتطلّب استعمالها وتداولها منذ الصغر، كما الاتجاه الذي ينبغي أن يمضي المغرب فيه هو تعميم لغة عربية متطوّرة مستفيدة من اللهجات المحلية للمزيد من التواصل والنمو وليس الانغلاق في اتجاه اللهجات المحلية، ولهذا أقول إن دعوة العامية مُغرضة، تنطوي على نوايا غير بريئة".

عريضة استنكار

قدم الشاعر والناقد وأستاذ التعليم الثانوي عبد اللطيف الوراري لـ"إيلاف" مسودة لعريضة استنكارية ضمّت صوت العشرات من الشعراء والكتّاب والأساتذة الباحثين ومدرّسي اللغات بمختلف أسلاك التعليم، ومفتشين تربويّين وقانونيّين وفاعلين جمعويّين ومترجمين وطُلّابا وموظفين عاديين، رفضوا جميعًا دعوة عيوش للتدريس باللهجة العامية، وحذروا من تنامي الفتنة اللسانية والهجمة اللغوية الشرسة التي تتمّ بدعوى التعدُّد اللغوي والانفتاح ولا تراعي بأي حال ثابت الوحدة الوطنية واستقرار مكوّناتها الأساسية، رافضين فصل المغاربة عن تاريخهم وتراثهم الفكري والأدبي، وقيمهم الدينية والثقافية ورموزهم الحضارية، كما دعوا خلال العريضة إلى الدفاع عن اللغة العربية، وتعزيز مكانتها في الفضاء العام، وداخل المدرسة المغربية، ورفضوا الآراء والمذكّرات التي تملى من أعلى، أو تأتي من الخارج، ولا يُستشار فيها أهل الاختصاص من أساتذة ومربّين ولسانيّين وآباء وأولياء التلاميذ، كما طالبوا الدولة المغربية، ملكاً وحكومة وهيئات مجتمع مدني، إلى تحمُّل مسؤولياتها الدستورية والتاريخية في هذا الموضوع.









0 تعليق ل جدل حول اعتماد الدارجة و حُماة العربية يرفضون لقب لغة المصائب

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور