القضية الأمازيغية وضرورة التنظيم في المملكة المغربية
زنقة 20
بـقـلـم: عبد الحق مربوط
الحرب ظاهرة اجتماعية و تاريخية مارسها الجنس البشري مند الأزل ، لكنها كثيرا ما ارتبطت بالصراع المسلح سواء بين دولتين أو دول حليفة بين بعضها البعض، أو بين الأمم فيما بينها و ذلك بسبب مصالحها المتعارضة ؛ و تبقى الحرب دوما طبيعة بشرية متغيرة في الزمان و بين الأمم.
و يرتبط مفهوم الحرب بمفاهيم سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و غيرها، و تزداد ارتبطاتها بتطور الإنسان و تقدم العلوم و التقنيات. فللحرب عدة تعاريف تختلف من مدرسة فلسفية إلى أخرى؛ فإذا كان 'كارل فون لاوز فيتز' يعتبر الحرب أداة لحماية المصالح من خلال قوله :أن '' الحرب عمل عنيف يُقصد منه إكراه الخصم على الخضوع لإرادة معينة''، و المدرسة الكلاسيكية تختزل الحرب في ظاهرة اجتماعية معقدة تطلب موارد مادة و معنوية عكس الماركسية التي تبني كل نظرياتها على الصراع الطبقي فتعتبر الحرب صراع طبقي بكل بساطة؛ فإن تعريف الحرب يقتضي دراسته في سياق علاقاته مع مفاهيم آخرى؛ فمن المنظور البيولوجي تعتبر الحرب تعبير عن السلوك الحيواني الطبيعي و الفطري الخاضع للغريزة، و تكون الحرب هنا من أجل البقاء. أما من المنظور النفسي ـ الإجتماعي فالحرب ظاهرة نفسية مكبوتة تتحول إلى ظاهرة اجتماعية يساهم غياب الأمل في تحقيق الأهداف إلى التشجيع على العدوان الذي يعتبر سلوكا مكتسب يمكن توجيهه باتجاه الحرب أو السلم. و في المنظورالأنتربولوجي فالحرب هي نتاج ثقافة الإنسان و وسيلته في النمو و التطور. و في المنظورالأنتربولوجي فالحرب هي نتاج ثقافة الإنسان و وسيلته في النمو و التطور . كذلك يمكن النظر للحرب من منظور بيئي أو جغرافي وأخلاقي..
ولا يمكن الحديث عن الحرب دون الخوض في أنواعها التي صنفتها أغلبية المدارس إلى أنواع يرتبط تصنيفها حسب الأطراف و الظروف و الأهداف؛ فنجد الحرب العالمية أو الإقليمية أو الأهلية، و حرب استعمارية و تحريرية، و الأهم من ذلك نجد الحرب الثقافية أو كما يسميها غرامشي بالهيمنة الثقافية و هي الأهم في ارتباطها بحالة شمال افريقيا و محاولة عنصر ثقافي غريب الهيمنة على المنطقة ثقافيا و على مدى عقود.
اعتمادا على تعريف غرامشي للهيمنة الثقافية، فإن الهيمنة على المجتمع لا تعتمد على القوة و المال فحسب، بل على على ''الرضا''، رضى أغلبية المجتمع المسحوقة، عندما تتحول قيم الطبقة الحاكمة و مفاهيمها إلى قيم ''بديهية'' ـ حتمة و طبيعية ـ عند الناس الذين يرون الخروج عنها غير سليم و خروجا عن المنطق.
انطلاقا من رؤية غرامشي للهيمنة فالتحرر من الهيمنة يستلزم نجاح الثورة أو او التغيير الإجتماعي الذي لن يتأتى إلا بثقافة بديلة عند الطبقة المسحوقة ـ الشعب الأمازيغي في نقاشنا ـ مناهضة و فاضحة لثقافة المُهيمن؛ فالإشكالية عند الطبقة المسحوقة ـ الشعب الأمازيغي في نقاشنا ـ أن الفرد يلمس الظلم الثقافي و الإجتماعي و كل أنواع الظلم، دون أن يصل إلى فهم السبب الحقيقي، بل يُؤمن بعِلل المُهيمن، ومن هنا نكون في ـ كشعب الأمازيغي ـ حاجة إلى حامل للثقافة البديلة و هو المثقف العضوي ـ الأمازيغي ـ .
الحرب تستوجب طرفين على الأقل مع ارتباطاتهما ، و الحرب بصفة عامة و الثقافية كموضوع يهمنا في هذا النقاش غير ثابثة بل متغيرة الشروط و الأهداف و الأطراف.. و من هنا فالحرب الثقافية هي حرب مواقع بالأساس تعمل فيها جماعة ـ المثقف العضوي ـ بشكل منظم و منهجي لنقل الثقافة السائدة جذريا للأمام أوإلى الخلف لدحرها. انطلاقا من ذلك فالشعب الأمازيغي عاش و يعيش حالة حرب ثقافية بين قيم طبقة مهيمنة و مفاهيمها ''البديهية'' و تتمثل في السلطة القومية و أذيالها المختلفة المتوحدة في شرقنة و تعريب ثقافي لشعوب شمال افريقيا ، و بين جزء من الشعب مغلوب على أمره مستفيق تدريجيا من الإستيلاب و من تخديرقيم و أساليب المهيمن (و مثقفيه العضويين) .
هذه حرب غير متوازنة على الأقل ماديا، و يرجع ذلك لاختلاف أساليب تدبير الطرف الأل لسياساته الإقصائية، و استراتيجيات دفاع الطرف الثاني على وجوده.
اتبع الطرف المُستلب في المغرب قبل 1956 و بعدها إلى حدود اليوم، في استراتيجيته الهادفة إلى استيلاب الشعب الأمازيغي في ذاته و كينونته الطبيعية و الفكرية على مفهوم '' القوة الناعمة'' كاسلوب لفرض الهيمنة باستمالة العقول و القلوب عبر الأدوات الثقافية ( قراءة اللطيف، الدين الإسلامي في أقصى درجاة استغلاله، العلام....) ، و حين تفشل القوة الناعمة في أداء المهمة لجأت و تلتجئ الفئة المُستلبة إلى فرض هيمنتها عبر مفهوم القوة الخشنة المتجلية في المقاربة الأمنية و العسكرية ( كاعتقال مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية، و التدخلات الأمنية في بومالن دادس و سيدي إفني...). بالموازات مع ما سبق و لو كانت حرب هذا الطرف غير عادلة من كل المنظورت الدينية أو التاريخية أو الإنسانية أو حتى العرفية.. فإن قوة المُهيمِن ليست فكرية أو عددية البتة بل أن قوتهم في تنظيمهم الداخلي الهرمي أو الدائري، و ارتباطاتهم على مستوى خارجي منظم بهدف محدد و مخطط له استراتيجيا.
بالمقابل و رغم عدالة القضية الأمازيغية و قوة أسسها التفكيرية و مبادئها الإنسانية فإنه لم يُستثمر ذلك بالقدر الكافي لتحرير الشعب الأمازيغي من هيمنة شرقانية عروبية ، و ذلك بسب استراتيجية العمل المبنية في أغلب الأحيان أساسا على الدفاع الغريزي و المقاومة الثقافية و العفوية في النضال. فحركية الحرب الثقافية تجعل حرب الحفاظ على الذات الأمايغية حرب مواقع مع الطرف المُهيمن، فعدم استيعاب المناضل الأمازيغي لهذه الحركية و اكتفائه بالنضال الثابت وفق استرتيجيات ردّ الفعل المُسيطرة على الفععل النضالي الأمازيغي بالموازاة مع تطور أساليب القوتين الناعمة و الخشنة الممنهجة من طرف أعداء الأمازيغية سيزيد لا مفر من هيمنة الثقافة المُستعمرة؛ و لتجاوز هذا الأمر أصبح لزاما اليوم على الحركة الأمازيغية إعادة نظرها في حركية حربها و المواقع المفترض اتخادها حصنا مستعصيا عن التدمير، و خاصة النظر إلى التنظيم بجدية و ذك بالعودة للماضي لا لتسكنه و يسكنها بل لإعادة إنتاجه بعيدا عن التناقضات الواقعية لخطّ خطط استراتيجية تؤدي في النهاية إلى تحرّر الشعب الأمازيغي.
إن تحرّر الشعب الأمازيغي مرتبط بخطط استراتيجية. و التخطيط الإستراتيجي كما هو معلوم يُفترض قيامه من طرف المستوى العلوي لأي منظمة، فكيف إذن أن نتحدث عن خطط استرايجية دون وجود تنظيم أو تنظيمات أمازيغية بمعنى مفهوم التنظيم!!!!!!
اختلف المنظرون في تحديد مفهوم التنظيم، لكن اغلبيتهم متفقين على التعريف الأكاديمي الذي يعرف التنظيم على أنه تنسيق للجهود و توزيع للواجبات بين الأفراد بهدف تحقيق أقصى درجة من الكفاية و الصول للهدف المخطط له كاستشراف للمستقبل. من هنا يجب التأكيد على دور التنظيم في تحقيق أي هدف و من أي جهة مُسيطِرة أو مُسيطَر عليها، و في نظري هو ضرورة آنية عند الحركة الأمازيغية في الوقت الراهن.
التنظيم المنشود للحركة الأمازيغية كي يكون فعالا و جيدا لا بد و أن يتميز بمراجعة شاملة متأنية لتاريخ الحركة الأمازيغية و محاولاتها التنظيمية السابقة باجابياتها و سلبياتها كخطوة لابدها منها ( الحزب الأمازيغي الديمقرطي، المظمات المختلفة)، ثم العمل على إحكام الإطار بشكل يتجاوب مع السياسات المقررة و يشجع على التطور و النمو و الحرية، مع الإستخدام الأمثل للقوى البشرية و الوسائل المتاحة، و التركيز على استقرار التنظيم و ديمومة الثقة بين أفرادها و انسجامهم و تجنب ما أمكن التضارب و الإزدواجية و ذلك لمصلحة التنظيم و مصلحة الهدف الأسمى و هو التحرّر بعيدا عن كل آنانية ومن أجل الإقتصاد في الجهد و المال. دون هذه الخصائص لن تفلح الحركة الأمازيغية في الوصول إلى تحرير الشعب من الهيمنة.
يقول الجنرال مارشال: ''الرجل الذي لا يستطيع أن يُعود نفسه على الثقة بحكم و إخلاص الآخرين لا يستطيعع أن يمارس القيادة لوقت طويل لأنه سوف ينهار بسرعة تت وطأة التوتر الذي يعرض نفسه له دون مبرّز''