حكاية رحالة مغربي يجعل من "المشى على الأقدام" فلسفة حياة


زنقة 20 . الأناضول

يرى الرحالة المغربي "أنس يقين" ابن مدينة الدار البيضاء، ذو السادسة والعشرون ربيعا أن في الدنيا اختيارات أخرى للعيش، خارج الروتين اليومي، ونمط حياة المدينة التي يتبعها جل الناس.

اختار أنس أن يقطع التراب المغربي مشيا على الأقدام، في رحلة تستغرق سنتين، يقطعها رابطا شمال المغرب بجنوبه وشرقه بغربه، يجوب خلالها معالم بلاده: مدنها، وريفها وجبالها وصحرائها.

مر على انطلاق الرحلة سنة ونصف، لا يعتبرها "أنس يقين" نوعا من الرياضة، فهي بالنسبة له اكتشاف للذات وطريقة أخرى للعيش، هذا المفهوم الذي يراه مغلوطا لدى الناس، فالعيش بالنسبة له أكثر من مجرد الوجود على قيد الحياة، هو اكتشاف الأرض والتواصل مع الناس والخروج عن المألوف وتكسير الروتين، هو جزء من العيش الذي يبحث عنه في سفر الخمسة آلاف كيلومتر.

بابتسامة، ولغة عربية مختلطة بفرنسية راقية، يحدثك أنس عن رحلته، وفي حكيه لا يعبئ كثيرا بممشاه، فهو يفضل أن يحدثك عن أفكاره ودوافعه واختياراته.

مراسل الأناضول تتبع الرحالة المغربي ليتعرف منه على أهدافه ودوافعه، فوجد أن لهذا السفر جذور فى الطفولة، يتمسك بها "أنس يقين" مقتفيا أثر الطفل في ذاته.

يقول أنس للأناضول " استلهمت بداية الرحلة وأنا ابن ثلاثة عشرة سنة، من الفيلسوف الفرنسي "تيودور مونو"، عبر شريط فيديو له، يحكي قصة خروجه بحثا عن أسرار الصحراء مشيا على الأقدام، وهو يبلغ من العمر حينها 96 سنة."

يضيف "أنا في ذلك العمر وبعقلي الطفولي، تساءلت عماذا يبحث هذا الرجل في الصحراء؟؟؟. فالصحراء كما عرفناها في المدرسة، أرض قاحلة، خلاء وقفار ليس فيها شيء، وهذا الرجل يمشي شهورا وشهورا بحثا عن أسرار الصحراء".

استيقظ الفضول في نفس أنس وبدأ التفكير في أن هناك شيئا ما يجب استكشافه.

فضول الطفل دفع "أنس يقين" إلى أن يقارن بين هذا المسافر الذي يبلغ السادسة والتسعون من العمر، وما يراه في المجتمع من حوله، حيث تنتهي حياة بعض الأفراد في سن الأربعين. كان عليه أن يختار أي حياة يريد أن يعيش، فكانت تلك بداية ولعه بالمشي والاستكشاف.

في المرحلة الأولى من سفره، كانت لديه فرصة للسير في الصحراء، والبحث عن أجوبة لأسئلته الطفولية.

اختيار هذا النمط من الحياة لم يكن سهلا، هذا ما خبره "أنس يقين" حين قرر أن يخوض تجربة السير من لكويرة جنوب المغرب إلى طنجة شمالا.

حين أعلن عن الرحلة استدعته الجهات الأمنية المعنية لتستفسر منه عن أهداف رحلته، كان اختياره الانطلاق من مدينة "لكويرة" بريئا من أي توجه سياسي، فإصراره أن تكون البداية من هناك لأنها أقصى نقطة في جنوب بلده المغرب.

جهل أنس بوضع المدينة التي لا تزال تحت نفوذ الجارة موريتانيا سبب له المتاعب، فكانت تلك أول العقبات التي واجهت رحلته، ولاستحالة انطلاقه من "لكويرة" عدل من خطته واختار مدينة الداخلة كمنطلق لممشاه صوب طنجة شمالا.

بعض وسائل الإعلام أساءت فهم رحلته، حين صنفتها ضمن الرياضة أو حملتها رسائل سياسية، معتبرة أنه يقوم بالرحلة "دفاعا عن مغربية الصحراء"، هذا الأمر يرسم على وجه أنس حزنا كبيرا وهو يتحدث عنه.

ويقول "عانيت في البداية مع وسائل الإعلام، رحلتي لم تفهم، لقد سيسوا الرحلة وحولوها إلى دفاع عن قضية الصحراء، ورحلتي بعيدة عن أي توجه سياسي".

كذلك لا يفضل أنس يقين أن يوصف سفره بالرياضة، فهو بالنسبة له اكتشاف للذات وطريقة أخرى للعيش، هذا المفهوم الذي يراه مغلوطا لدى الكثير من الناس. حيث يقول "ما أقوم به ليس رياضة، ولا أنتظر أن يعلقوا لي ميدالية في يوم من الأيام".

ويضيف "فلاسفة كبار اختاروا المشي وسيلة للتأمل،  أمثال روسو، نيتشه، كانط، أرسطو، غاندي، وحتى محمد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وعدد من الأنبياء،  ولكن لا أحد وصف هؤلاء بالرياضيين أو علق لهم ميداليات، فالمشي يجعلك تتأمل ويساعدك على التفرغ للتفكير".

ملامحه منذ انطلاق الرحلة تغيرت تماما، كما تغيرت نظرته لأمور كثيرة، هو يعتبر أن الحياة مدرسة، ومن يقابلهم في رحلته هم معلمو الحياة، يأخذ من كل واحد درسا جديدا، يتذوق من خلاله معنى الحياة، دروس يريد أن يشاطرها مع الآخرين عبر كتاب يكتب فصوله خلال سفره، وِفيلم يوثق مختلف مراحل الرحلة.

الكتابة جزء من يوميات أنس يقين، إضافة إلى المطالعة، وَلَعُهُ بالفلسفة جعله يتطلع إلى ترجمة معنى الحياة كما يفهمها إلى واقع، مستشهدا بوقائع الرحلة وبالمقابلات التي أجراها خلال هذه الفترة، إضافة إلى التصوير الذي يأخذ حيزا مهما من يومياته.

ويقول إن التصوير سيجعل الناس يعيشون معه الرحلة عن قرب، يتحركون مع حركة الكاميرا ويخطون معه كل خطوة، كاميرا خفيفة، تعطي الانطباع للمشاهد أنه يسير على خطى أنس يقين، هذا هو الانطباع الذي يريد أن يرسمه لدى من يشاهد الشريط.

قبل أن يشرع في سفره، درس الإخراج وتخصص في الأفلام الوثائقية، يرد بهذا على الكثير من الناس الذين لا يفهمون اختياره، ويرون في سفره مضيعة للوقت، وسوء تدبير للفراغ.

في الكتاب يركز أنس يقين على رسائل يوجهها للشباب للسعي وراء أحلامهم واختياراتهم، معتبرا أن الشكوى من عدم توفر الظروف أو انعدام الدعم لا يجب أن يكون عائقا، يقول "إذا كان القدر والمحيط بمعنى الأسرة والمدرسة والشارع من عناصر الحياة، فهناك عنصر آخر هو حرية الاختيار، بمعنى أنه يمكنني التحكم في حياتي بنسبة كبيرة".

كما يحاول أنس في كتابه أيضا توجيه رسائل للمسؤولين وصناع القرار لمساعدة الشباب، وانطلاقا من تجربته يتحدث بشيء من الحنق، لكنه مختلط بأمل في أن تتغير الأمور إلى أفضل.

يضيف: "أضعف الإيمان ترك الشباب يحقق طموحاته، وإن لم تستطيعوا مساعدة الشباب، فاتركوه في حال سبيله، بل، هو أكبر دعم أن تترك في حال سبيلك".

الرحلة قد تبدو محفوفة بالمخاطر، في مسيرة لا يعرف أين يبيت ولا ماذا سيواجه في العراء، مسألة لا تبدو سهلة وفيها كثير من المغامرة، لكن لأنس في هذا رأي آخر، "لو فكرت في المخاطر لما غادرت بيت أهلي، هذا آخر ما أفكر فيه، لأن الإنسان الذي يخشى الخطر لا يتقدم، أقوم بالمخاطرة، وأترك أمري لله".

"أريد أن أعيش"، عبارة بسيطة يشرح بها أنس يقين هدف رحلته، وفي بساطة العبارة عمق تقرأه في عيونه، وقد يشرح لك ماذا يعني بهذه الرغبة البسيطة، "عموم المجتمع المغربي يعيش رهين المكتوب والظروف، في انتظار شيء ما، كثير من الناس يعيش دون أن يعرف ماذا يريد، يجب أن يكون لنا اختيار في الحياة، وستكون هناك دائما مصاعب وعراقيل، ولكن إذا أردت النجاح فستنجح".

نصف سنة تفصل بين أنس وبين وصوله إلى شمال المغرب مشيا على الأقدام، رحلة تعلم منها الكثير، ولم تضع التحديات حدا لأحلامه وطموحاته، يتابعه عدد كبير من الناس عبر صفحته على الفيسبوك، وربما توقظ رحلته أحلام شباب آخرين، يريدون صنع فوارق في رتابة الحياة.









0 تعليق ل حكاية رحالة مغربي يجعل من "المشى على الأقدام" فلسفة حياة

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور