23 مارس 1965 .. حين أشرف أوفقير على مذابح وحمامات دم و دفن الموتى والأحياء ليلاً بالدارالبيضاء
زنقة 20 . متابعة
كثيرة هي الأحداث التي مر بها مغرب ما بعد الاستقلال والمطبوعة بالقتل وسفك دماء الأبرياء من الشعب المغربي، لا لشيء إلا بسبب احتجاجهم وانتفاضاتهم.
وهي حقوق مشروعة تقرها جميع المواثيق الدولية.ومن هذه الأحداث المأساوية ما وقع في الدار البيضاء في 23 مارس 65 .
ففي هذا اليوم خرج آلاف التلاميذ في تظاهرات احتجاجية سرعان ما تحولت إلى انتفاضة شعبية تخترق أحياء المدينة القديمة ( درب السلطان وساحة السراغنة ) ، لم تجد أمامها قوى المخزن المدججة بالمصفحات والرشاشات وطائرات الهيلكوبتر ، سوى أن تتحول إلى وحوش تفتك بأبناء الشعب المسالمين ، والنتيجة في هذا اليوم وما تلاه مقتل 200 شخص و15 ألف جريح حسب إحصائيات البعض ، فيما صرح ضابط المخابرات أحمد البخاري أن 1500 ضحية دفنت في الطريق إلى مطار محمد الخامس ، والملك الراحل نفسه صرح في خطاب له إلى سكان الدار البيضاء سنة 1966 ، بعدما قاطع زيارة هذه المدينة لمدة سنة ، أن 500 طالب حاصلين على الباكالوريا في مدينتكم قد ذهبوا ضحية حوادث مارس الدامية . أكيد أن التلاميذ كانوا يحتجون بصفة خاصة ضد قرار وزاري يحدد عمر التلاميذ المؤهلين للدخول إلى الثانوي ، كما أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كانت تغلي : ميزانية 1965 ابتلعت نصف الدخل الوطني لصالح نفقات تسيير أجهزة الدولة ، الأسعار ارتفعت بين 1959 إلى حدود 1965 بنسبة 50من المئة ، مديونية الدولة قفزت بين 1960 و1964 من 70 إلى 165 مليار فرنك .
لكن هل هذا يبرر لجوء الدولة إلى قتل “رعاياها ” وهم لم يعلنوا قط حربا ضدها ؟ ودفن الموتى هكذا ليلا دون تسليم الجثث إلى ذويها ؟ والزج بالعديد في المعتقلات بعد محاكمات صورية أو دونها حتى ؟ وإعدام آخرين ؟ إنه استبداد مطلق وسادية مارستها الدولة وأطلقت العنان لأحد رموزها الطغاة أوفقير الذي امتطى شخصيا طائرة الهيلكوبتر ، وبيده سلاح رشاش يصوبه نحو فرائسه من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب.
ليس أوفقير وحده مسؤولا عما جرى ، بل هو نظام بأكمله حينها، كان المغرب يعيش حالة استثناء فريدة من نوعها من الناحية السياسية، حيث كان هناك وبشكل يومالاستقلال.ب.فالدولة كانت دولة بوليسية بامتياز أسست أجهزتها القمعية لمواجهة المطالب الشعبية لما بعد الاستقلال.
وهذه الحالة الاستثنائية ارتبطت بعدة وقائع منها ما عرف بمؤامرة اغتيال ولي العهد الأمير الحسن ، والتي اتهم فيها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1960 ، ثم بعد ذلك العملية المعروفة بعملية شيخ العرب سنة 1964 ، مع ما رافق ذلك من أجواء قمعية ترهيبية كانت لها انعكاسات سلبية ، خاصة وأن المغرب يحبو نحو دولة الاستقلال والآمال التي كانت معقودة عليه.
غير أن العنصر المباشر والمفجر لانتفاضة 23 مارس كان هو منشور وزير التربية والتعليم بلعباس الطعارجي وهو المنشور الذي حدد سن 17 للالتحاق بالتعليم الثانوي ولقي معارضة شديدة داخل الثانويان وفي أوساط أسر التلاميذ والتي تحولت إلى ردود فعل غاضبة .
ثم إلى انتفاضة عفوية وتلقائية لم يكن وراءها أي حزب أو تنظيم على الإطلاق ، حيث أنه كانت هناك مجموعات تلاميذية شبابية وجمعوية في عدد من الثانويات ، ولما انتشر خبر منشور وزير التعليم ، أصدرت هذه المجموعات بيانا تلقائيا مكتوبا بخط اليد كرد فعل مباشر ، يندد بمضمون المنشور ويطالب التلاميذ بمواجهته ، وقد تم توزيع هذا البيان عبر دار الطالب بعين البرجة ن حيث كان يقطن بها العديد من تلاميذ السلك الثانوي الوافدين على البيضاء ، وتم تكليف كل القاطنين بالدار بالعمل على توزيعه داخل ثانوياتهم .
فبدأ خروج العديد من تلاميذ الثانويات سواء بالقريعة أو ساحة السراغنة أو كراج علال أو 2 مارس أو طريق مديونة ، غير أن الأمر تطور ولم يقتصر على التلاميذ ، بل انخرط فيه الشباب والطلبة والعاطلين والمهمشين ، وتم وضع متاريس في الطرق وأشعلت النيران في العجلات المطاطية ، وهكذا وفي لحظات معدودة أصبحت الدار البيضاء تنتفض تحت الدخان .
تطور الأمر إلى مظاهرات شاملة مخترقة ، حيث تسلل بعض المتظاهرين إلى المخازن ، مثل المخازن الموجودة قرب كراج علال للمواد الغذائية ، وبدؤوا يوزعون السلع من طحين وزيت وسكر على الناس ، كما قصد البعض الآخر سجن أغبيلة (السجن المدني ) في محاولة للإفراج عن السجناء .كما كان هناك إحراق لبعض البنايات والمؤسسات وعدد من الحافلات والسيارات . ورغم أن قوات البوليس والقوات المساعدة تدخلت بعنف ، فلم تتمكن من إيقاف المتظاهرين وتفريقهم .
ولأن شوارع البيضاء لم وقتها مرصفة بالشكل الذي عليه الآن ، بل كانت مرصفة بأحجار صغيرة ومربعة ، بقيت من عهد الاستعمار الفرنسي ، وكان هذا النوع من الترصيف أحد أسلحة المتظاهرين ، حيث كانوا يقلعون الحجارة ويستعملونها في مواجهة البوليس .
لم تقتصر انتفاضة 23 مارس على مدينة الدار البيضاء فقط ، بل تعدتها إلى مدن أخرى ، وانتشرت كالهشيم في مدن كفاس ومراكش . وخشية من أن تتحول إلى انتفاضة وطنية عامة ، وأمام عجز الأمن والبوليس المحلي على إيقاف زحفها ، لجأت الدولة إلى تدخل الجيش وبإنزال قوي وكثيف لمواجهة المتظاهرين وغير المتظاهرين أيضا.
وبدأـ لغة الرصاص الحي تلعلع وبشكل عشوائي، مخترقة أجساد المتظاهرين والمواطنين المارين، الذين كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، وكانت الاعتقالات بالآلاف والقتلى أيضا.
الحصيلة الضخمة للقتلى والجرحى ، كانت نتيجة طبيعية للجوء الجيش إلى تلك الدبابات الصغيرة التي كانت مزودة بالرشاشات ولديها عجلات مطاطية تمكنها من التحرك بسرعة ، وبفضل صغرها كانت تدخل الأزقة بسهولة ، كما تم استعمال المروحيات الحاملة للرشاشات في القمع والقتل ، وقد كان أفقير وزير الداخلية آنذاك هو من قاد وأشرف بشكل مباشر على عمليات القصف بالرصاص.
وهكذا كان الشعب المغربي أمام مذابح وحمامات أغرقت الدار البيضاء في الدم طيلة أسبوع ، وكان المتظاهرون لا يترددون في المواجهة بالحجارة ، والنساء من نوافذ منازلهم كن يصببن الماء الساخن على الجنود والقوات المساعدة.
رواية لأحد مؤسسي الحركة اللينينية بالمغرب.