تقرير سويدي : هذا ما تنفقه الجزائر والمغرب سنوياً على الأسلحة
زنقة 20 . وكالات
يثير تقرير دولي نشر مؤخرا حول تزايد الإنفاق العسكري لدى الجزائر والمغرب مخاوف حول احتمال حدوث صدام بين الجارين المتنافسين، في حين يؤكد بعض المحللين السياسيين أن الأمر لا يتجاوز تعزيز قدرة المؤسسة العسكرية في البلدين لمواجهة التطرف والفوضى الناجمين عن سقوط بعض الأنظمة في المنطقة عقب ثورات 'الربيع العربي'.
وكشف تقرير جديد صدر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الجزائر تصدرت القارة الإفريقية في واردات الأسلحة التي ارتفعت بنسبة 36 بالمئة في السنوات الخمس الأخيرة، يليها المغرب (22 بالمئة) فالسودان (9 بالمئة).
ويشير التقرير إلى وجود تنافس محموم بين الجارين على اقتناء الأسلحة (سواء من الولايات المتحدة أو فرنسا بالنسبة للمغرب، أو روسيا وغيرها بالنسبة للجزائر)، ويؤكد أن المغرب أنفق العام الماضي أكثر من ملياري دولار لشراء الأسلحة، فيما أنفقت الجزائر حوالى مليار ونصف المليار في ذات العام.
ويرى الباحث المغربي د. عبدالعزيز قراقي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي) أن إقبال الدولتين على شراء الأسلحة اليوم يدخل في إطار التحديات التي باتت تفرضها المتغيرات الجيوسياسية. ويضيف : 'نعلم أن انهيار نظام القدافي ليس من بين المتغيرات السهلة مع ما تركه ذلك من فراغات على مستويات متعددة ساهمت بشكل أو بآخر في انتشار الأسلحة في بلدان جنوب الصحراء بشكل لم يسبق له مثيل، كما أن بعض المجموعات الإرهابية التي استقرت في هذه المناطق وتجارة المخدرات والتهريب كلها تفرض تطوير الترسانة من وقت لآخر'.
فيما تؤكد الباحثة الجزائرية د. نبيلة بن يوسف (أستاذة العلوم السياسية جامعة تيزي وزو) أن الجزائر في ظل اعادة هيكلة الجيش الوطني وتكوين جيش احترافي، اضحى لزاما عليها اعادة شراء اسلحة جديدة تواكب التكنولوجيا الحديثة، مشيرة إلى أنها لم تقتنِ اسلحة جديدة وكافية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، و'الدليل هو مطالبها المتكررة للولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية بدعمها لشراء الاسلحة في عشرية حرجة عاشت الجزائر خلالها ظروف امنية قاهرة استنفدت فيها جهود جيشها واسلحتها خلال حربها ضد الارهاب'.
وتضيف : 'بعد استتباب الامن فكرت الجزائر في اعادة هيكلة الجيش وتنظيمه وتحديثه بشريا وماديا، وما ساعدها في ذلك هو الجانب المالي، فارتفاع اسعار البترول جعل الميزانية العامة لا تشكو العجز، فكانت فرصة وزارة الدفاع الوطني ان تطلب ميزانية معتبرة حتى تجدد هياكلها وتعطيها نفسا جديدا'.
ويبدو أن 'سباق التسلح' في منطقة المغرب العربي وخاصة لدى المغرب والجزائر أثار مخاوف لدى بعض المراقبين من حدوث صدام مسلح بين الجارين في ظل تصاعد التوتر بينها، وخاصة بعد حادث 'آيت جرمان' في شباط/فبراير الماضي، حيث اتهمت السلطات المغربية الجيش الجزائري بإطلاق النار على مركز حدودي مغربي، وهو ما نفته الجزائر بشدة.
ويحذر الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس (مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية) من استمرار السباق نحو التسلح بين دول منطقة المغرب العربي 'التي تعرف حاليا سباقا نحو التسلح لم تشهد المنطقة مثيلا له من قبل، خاصة أن هذه المنطقة معروفة بهدوئها النسبي'.
ويضيف في مقال سابق له 'ما لفت انتباه الأمم المتحدة والصحافة العالمية هو تخصيص ميزانية أكبر من ميزانية السنوات الماضية لوزارة الدفاع لا سيما في ليبيا والجزائر والمغرب الأقصى'.
لكن بن يوسف ترى أن شراء السلاح واعادة هيكلة الجيش الجزائري لا يتعلقان بسباق نحو التسلح مع المملكة المغربية، 'في ظل وجود دبلوماسية جزائرية نشطة وقادرة على إدارة التفاوض وادارة النزاع حتى لا يصل الى التصادم والحرب'.
وتؤكد أن الحرب مضارها وخيمة على الدولتين، مشيرة إلى أن 'ان عدد العائلات الجزائرية المغربية المختلطة لا يستهان به فلا يمكن التضحية بأمن وسلامة الشعبين، فقد تتحول الحرب بين الجيشين الى ثورات شعبية على الانظمة والحكام، والاغلب ان تنتصر قوة الشعوب'.
وتضيف 'الجزائر مثل المغرب تعاني من مشاكل امنية خارجية (ساحل الصحراء)، ازمات دول افريقية مجاورة منها مالي وليبيا وتونس تؤثر سلبا على امن الجزائر في مسالة تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين فالتحديات الامنية كثيرة ومختلفة لا يمكن مواجهتها دون توفر معداة عسكرية قوية'.
فيما يرد بعض المحللين 'سباق التسلح' إلى وجود 'تنافس على الزعامة' في افريقيا والساحل بشكل خاص بين الدولتين، في ظل سعي المغرب لتعزيز نفوذه في القارة السمراء مستغلا 'الفراع′ الذي خلفه تراجع الدور الجزائري.
لكن قراقي ينفي وجود تنافس بين الدولتين، مشيرا إلى أن المغرب 'اختار وراهن على الديمقراطية والتنمية، وللجزائر اختياراتها المختلفة طبعا، ولا بد من التأكيد على أن الشعبين المغربي والجزائري تجمعهما روابط قلما نجدها بين شعبين في مكان آخر، وأظن أن الجغرافيا ومختلف المتغيرات في نهاية المطاف قد تفرض منطقها وتدفع باتجاه تطوير العلاقات أكثر مما هو موجود الآن'.
وفيما يتعلق بالزعامة على افريقيا والساحل يقول قراقي 'هذا الأمر انتهى الآن، وما عاد من الممكن أن تفرض دولة زعامتها على أطراف أخرى'، مشيرا إلى أن المغرب 'لا يتنافس مع أي كان في هذا المجال لأنه أولا ينتمي إلى إفريقيا، وليس دولة بنوايا استعمارية، و يمكن لأي ملاحظ موضوعي أن يؤكد هذا الأمر حتى ولو مر عابرا من المغرب، يكفي أن تنظر إلى الإنسان المغربي لكي تدرك حضور ما هو إفريقي في شكله وفي ملبسه وموسيقاه وعموما في ثقافته'.
وتشير بن يوسف إلى أن دولا غربية عدة تحاول تعزيز وجودها في المغرب العربي وافريقيا عموما بهدف 'توفير الحماية لمصالحها بعد ان تزايدت التهديدات الارهابية في القرن والساحل الافريقيين بتزايد نشاط القاعدة في بلاد المغرب وتزايد الازمات الداخلية في بلاد النيجر ومالي وليبيا وتونس′.
وتضيف 'الجزائر تحاول اخذ الدور الاقليمي المحوري لمواجهة الارهاب وتحديات امنية اخرى نتيجة لخبرتها العسكرية والاستخباراتية، حيث عارضت بشدة تواجد قواعد عسكرية أجنبية في منطقة المغرب العربي والساحل'.
وكانت مصادر إعلامية أكدت مرارا وجود مساع أميركية لإنشاء قاعدة عسكرية في الجنوب التونسي بهدف مواجهة القاعدة، الأمر الذي نفته السلطات التونسية بشكل كلي، مشيرة إلى التعاون بين البلدين يقتصر على 'المجال الصحي' فقط.
وإلى جانب التأويلات السابقة، يذهب بعض المراقبين بعيدا عبر الإشارة إلى أن 'تكديس السلاح' قد يشكل ورقة ضغط أو مساومة على قضية محورية تشكل صراعا مزمنا بين الجارين يمتد لأربعة عقود وتتعلق بموضوع 'الصحراء الغربية'.
لكن قراقي يستبعد تأثير هذا الأمر على قضية الصحراء، مشيرا إلى أن 'كافة الأطراف قررت أن يكون الحل لهذه المشكلة المصطنعة حلا سلميا، ترعاه الأمم المتحدة واليوم هناك حل منطقي تقدم به المغرب، يعتبره الكثير من المختصين بأنه أفضل مخرج يمكن أن ينهي هذا الوهم الذي طال أمده'.
ويشير إلى أن هذا الحل 'يضمن للجزائر مخرجا مشرفا من هذا الركن الذي حشر السياسيون في الجزائر أنفسهم فيه منذ سبعينيات القرن الماضي، وأتمنى أن يفهم السياسيون في الجزائر حركة التاريخ ويستوعبون دروسه التي أكدت باستمرار أن محاولة تجسيد اللاشعور على أرض الواقع قد تنتج فظاعات لا حد لها'.
يذكر أن الخلاف بين الجزائر والمغرب حول منطقة الصحراء الغربية بدأ منذ انسحاب القوات الإسبانية منها في منتصف سبيعينيات القرن الماضي، وبعد صراع طويل بين القوات المغربية وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، تقدمت الرباط (التي تسيطر على 80 بالمئة من الصحراء) مقترحا يقضي بمنح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، لكن المقترح المغربي ما زال يلقى رفضا لدى الجزائر التي تنادي بحق تقرير المصير للصحراويين والبوليساريو التي تسعى للاستقلال عن المغرب.