هل يستطيع بنكيران المحافظة على هبة الدولة بعد "ثورة" النقابات؟
زنقة 20
أعادت الخطوة التصعيدية للمركزيات النقابية، بتنظيم مسيرة 6 أبريل القادم بالدار البيضاء، الجدل حول مدى قدرة حكومة عبد الإله بنكيران، على تنفيذ التزاماتها المتعلقة أساسا بتنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق 26 أبريل 2011، لتفادي ما من شأنه أن يعكر صفو السلم الاجتماعي.
بالعودة إلى الوراء قليلا، وبالضبط إلى أيام كان الاستقلالي عباس الفاسي وزيرا أول، وقعت حكومته في غمرة هبوب رياح الربيع العربي وميلاد حركة 20 فبراير ما بات يعرف باتفاق 26 أبريل مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا في مختلف القطاعات. في ذلك الإبان كان كل المتتبعين يترقبون تنفيذ أهم بنود ذلك الاتفاق من طرف حكومة الإسلاميين التي أوصلتها صناديق الاقتراع لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي، غير أن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن النقابات بعد نشوب خلافات بينها وبين الحكومة وصلت إلى حد اتخاذ ممثلي الطبقة العاملة قرار مقاطعة جلسات الحوار الاجتماعي التي دعت إليها حكومة بنكيران في أكثر من مناسبة، ما جعل الجبهة الاجتماعية دائمة التململ، وتهدد كل سنة بدخول اجتماعي ساخن قد يعصف بالسلم الاجتماعي.
ولئن كان مطلب وفاء الحكومة بالتزاماتها، وعلى رأسها تنفيذ اتفاق أبريل 2011، يبقى من أهم نقط الخلاف بين المركزيات النقابية وحكومة بنكيران في نسختها الأولى والثانية، فإن اللافت هو دفع هذه الأخيرة في وجه الانتقادات الموجهة إليها في هذا الصدد، وفي أكثر من مرة، بإخلاء مسؤوليتها، حيث أكد رئيسها خلال مروره بجلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين في 25 دجنبر الماضي على أنه « رغم أن البرامج الاجتماعية هي أول ما يتم تقليصه عادة في ظرفية الأزمة، فإن الحكومة لم تسلك هذا الخيار، بل حافظت على المكتسبات الاجتماعية وعملت على تعزيزها ووفت بالتزاماتها في ما يخص الحوار الاجتماعي، وهو ما كلفها 13.2 مليار درهم برسم قانون المالية لسنة 2012 و4 ملايير درهم إضافية برسم 2013».
وإن كانت كلفة المالية للحوار الاجتماعي قد بلغت خلال الخمس سنوات الماضية أكثر من 32 مليار درهم، عبر التزام الحكومة برفع الأجور ب 600 درهم، والحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى 1000 درهم على مدى سنتين، بيد أن الأزمة الاقتصادية والمالية أوقفت أي أمل في تحقيق زيادات أخرى في أجور الطبقة العاملة، بل كانت لها تبعات من أبرزها انسحاب النقابات من الحوار الاجتماعي احتجاجا على عدم تنفيذ اتفاق 26 أبريل، الذي تعتبره أساسيا وحجر الزاوية لإنجاح ذلك الحوار. وبالنسبة للمركزيات النقابية، فإن استئناف جلسات الحوار الاجتماعي مع الحكومة الحالية لا يتعين أن يكتفي بمناقشة الأمور المرتبطة بالمنهجية، وإنما تطبيق ما تبقى من بنود الاتفاق، خاصة تعميم الزيادة في الأجور بقيمة 600 درهم لموظفي الجماعات المحلية، وتفعيل التعويض عن فقدان الشغل، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يعاقب على المشاركة في الإضراب بدعوى حماية الحق في حرية العمل، وكذا اعتماد قانون للنقابات ووضع قانون تنظيمي للحق في الإضراب.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة على لسان محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، على أن الجانب التشريعي في اتفاق 26 أبريل 2011، المتمثل في الاتفاقية 87 المتعلقة بالحريات النقابية، والاتفاقية الخاصة بالضمان الاجتماعي، إضافة إلى الاتفاقية 141 المتعلقة بالعمال الزراعيين، يتطلب تكليفا ماليا، تؤكد المركزيات النقابية على ضرورة التزام حكومة بنكيران بتنفيذ الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السابقة مع الفرقاء الاجتماعيين.
وبالنسبة لعبد المالك أفرياط، عضو الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين، فإن تنفيذ بنود اتفاق أبريل أمر أساسي لإنجاح الحوار الاجتماعي لاسيما أن العديد من تلك البنود لا يتطلب من الحكومة أي مجهودمالي، مشيرا إلى أنه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ترويج خطاب التعلل بالكلفة المالية. وقال:» الحكومة مسؤولة، وأخال أن هناك بعض المطالب في المتناول، لكننا فوجئنا بحكومة لم تعقد أي جلسة ثلاثية لأطراف الحوار الاجتماعي ممثلة في الحكومة والنقابات والباطرونا.. يتعين أن يكون هناك نوع من الوضوح، فالنقابات ليست ضد حكومة بنكيران، وإنما هناك احتقان اجتماعي وتذمر في الأوساط الشعبية، بسبب اتخاذ إجراءات لا شعبية مست في العمق الطبقة العاملة والأجراء، وهي الإجراءات التي لم تتخذ حتى في عهد الحكومات التي شاركت فيها أحزاب ليبرالية».
ويرى عضو الفريق الفيدرالي بالغرفة الثانية أن على حكومة بنكيران أن تنكب على حل الإشكالات الاجتماعية وتنفيذ ما لم يتم تنفيذه من اتفاق أبريل 2011، الذي هو التزام قطعته الحكومة على نفسها، وهي مطالبة كذلك بتنفيذ واستدراك التأخر الحاصل في أجندة الحوار، والتزاماتها التي جاءت في التصريح الحكومي من قبيل الرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف درهم.
وإذا كانت الأغلبية الحكومية قد ضغطت، خلال اجتماعها الخميس الماضي، على رئيس الحكومة من أجل استئناف الحوار الاجتماعي في أبريل القادم، فإن حكومة بنكيران متهمة من قبل المركزيات النقابية باللعب بالنار وزيادة الاحتقان الاجتماعي. وحسب أفرياط، فإن الوضع الاجتماعي مقبل على المزيد من الاحتقان خاصة في ظل «حكومة تدعي امتلاك الحقيقة وحدها، حكومة لا تمتلك منطق المبادرات التشاركية التي يمكن أن تسهم في نزع فتيل الاحتقان الاجتماعي»، مضيفا في حديثه مع الجريدة:» النقابات ليس لديها ما تخسر، وفي ظل الحكومة الحالية هناك أكثر من مبرر لأن تكون أكثر من مسيرة عمالية ولا قدر الله اللجوء إلى قرار الإضراب العام».
ويعتبر عضو الفريق الفيدرالي أن مسيرة 6 أبريل المقبل هي نقطة نظام موجهة لحكومة بنكيران لمراجعة أوراقها وفتح حوار اجتماعي يفضي إلى نتائج في حدود الممكن، مؤكدا أنه «لا يمكن الاستمرار في قبول الطريقة التي يتعامل بها رئيس الحكومة مع النقابات والحوار الاجتماعي، ما يزيد من الاحتقان داخل المجتمع».
الأكيد أن للحوار الاجتماعي تكلفة مالية وأخرى اجتماعية تجعل حكومة بنكيران في ما تبقى من عمرها في مواجهة تحدي الاستجابة لمطالب المركزيات النقابية وخاصة تلك المتضمنة في اتفاق أبريل، وعدم المغامرة بسلم اجتماعي هي في مسيس الحاجة إليه. فهل تتمكن الحكومة الحالية من ربح هذا التحدي في ظل ما تواجهه من صعوبات وظرفية اقتصادية صعبة؟
إعداد: عادل نجدي لـ"يومية المساء".