الإجهاض السرّي وراء وفيات 13 في المئة من الأمهات المغربيات
زنقة 20 . وكالات
انقسم المغاربة حول الموقف من «الاجهاض» وتقنينه نظرا لتداخل العامل الديني مع حقوق الإنسان وحق الحياة والموقف الصحي حفاظا على حياة الأم، وارتباط كل ذلك بمسألة الحريات الشخصية، ليعيد للبلاد مشهدا عرفته 2001 حين انقسم المغاربة حول مقترح للحكومة بادماج المرأة.
وكما تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس 2001 وشكل لجنة برئاسة محمد بوستة لاعداد مدونة قانون الأسرة، تجمع الآراء وتوفق فيما بينها، كلف 3 شخصيات رسمية لاعداد مقترح حول تقنين الاجهاض.
واستقبل الملك، الاثنين في القصر الملكي في الدار البيضاء، كلا من المصطفى الرميد وزير العدل والحريات، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وإدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكلفهم بالانكباب على اعداد أفكار حول هذه المسألة.
وذكر بلاغ للديوان الملكي أن هذه الاستقبالات تندرج في إطار التفاعل والتجاوب الملكي الدائم مع انشغالات المواطنين ومختلف الفعاليات الوطنية، بخصوص القضايا المجتمعية الراهنة، ولاسيما منها إشكالية الإجهاض السري، وذلك في إطار احترام تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتحلي بفضائل الاجتهاد، وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته.
وأضاف البلاغ ان الملك وجه الوزيرين ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان الانكباب على تدارس هذا الموضوع، الذي صار قضية طبية بامتياز، وإجراء لقاءات واستشارات موسعة مع جميع الفاعلين المعنيين وتلقي آرائهم على اختلافها بالتنسيق والتعاون مع المجلس العلمي الأعلى بشأن التداول حول مختلف الآراء والتوجهات، ورفع اقتراحاتهم له خلال شهر.
وقال وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، إن الملك محمد السادس أعطى تعليماته لصياغة نص قانوني حول قضية الإجهاض السري يأخذ بعين الاعتبار التطورات الجارية وتعاليم الشريعة الإسلامية بتشاور وتنسيق تام مع مختلف الأطراف المعنية وأن الملك شدد على «أنه لا يجوز تحليل الحرام ولا تحريم الحلال».
وأضاف «حينما نقول الاجتهاد في إطار الشرع الإسلامي، فهذا لا يعني أن نفتح الباب على مصراعيه، أو نغلق الباب أمام كل الحالات الضرورية للإجهاض».
وقال البروفيسور الحسين الوردي، وزير الصحة المغربي، أن ظاهرة «الإجهاض السري إشكالية مجتمعية، نظرا لكلفتها الاجتماعية العالية، وكذلك الطبية والمالية، كما أن التطرق إلى موضوع الإجهاض يحدث خلافا كبيرا داخل مختلف مكونات المجتمع، بين مؤيد ومعارض، باعتباره موضوعا حساسا، يمس الضوابط الشرعية، والحق في الحياة، وحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا».
وأوضح خلال الحوار حول اقتراح تعديل القانون الخاص بالإجهاض، الذي نظمته الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، إن «فتح نقاش هادئ ورصين حول إشكالية الإجهاض ضروري، ويجب أن يتم في جو منفتح، يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب، سواء منها الديني، أو القانوني، أو الطبي، أو الاجتماعي، أو الأخلاقي، أو الثقافي» وأن «النقاش مهما طال سوف يكون بناء، لإيجاد حل تقبله كل مكونات المجتمع، وسيساعد على التقدم، سواء على المستوى القانوني والحقوقي والاجتماعي».
وأكد الوردي أنه «لنجاح هذا الحوار يجب أن تبتعد كل الأطراف عن التشدد في المواقف، وعن عقلية الإلغاء، ومناقشة الأفكار بعيدا عن أي تشنج، للوصول إلى الفهم المشترك لمجموعة من النقاط سيسمح بالمضي قدما نحو تبني حلول لهذه المعضلة».
ودعا رئيس جمعية «قانون وعدالة» إلى ضرورة تعديل فصول القانون الجنائي «الفضفاضة» وقال رضا أولامين أنّ فصول القانون الجنائي عندما تكون فضفاضة «فهذا خطير» حيث أن 13 في المئة من النسبة الإجمالية لوفيات الأمهات في المغرب تنجُم عن الإجهاض السرّي، وأوضح «لمْ نصل في المغرب إلى المطالبة بالإباحة المطلقة، لكنْ هناك حالات يجبُ أن يُرخّص لها بالإجهاض».
وقال شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السرّي إنّ عدمَ تقنين الإجهاض يجعل صحّة النساء اللواتي يلجأن إليه «في خطر» حيث أنّ نسبة وفيات الأمهات في البلديْن الإفريقيين اللذين يُبيحان الإجهاض (تونس وجنوب أفريقيا)، تقلّ عن نظيرتها في البلدان التي تحرّمه.
وشبّهتَ فاطمة المغناوي، عن ائتلاف الحق في الصحة في المغرب، النقاش الدائر حوْل الإجهاض بالنقاش الذي فتحتْه الجمعية المغربية لمحاربة «الأيدز» حوْل العازل الطبّي قبل سنوات، والذي وُوجهَ بمعارضة من قبل بعض رجال الدّين المتشدّدين، والذين قالوا إنّ ذلك النقاش يحرّض على الإباحية والفساد وانتقدت «المتشدّدين الذين يعارضون الإجهاض بمبرّر صوْن حياة الجنين، وهم أكثر المُدافعين عن عقوبة الإعدام السالبة لحياة الإنسان.
وقالت إنّ النقاش حوْل الإجهاض يجب أن يخرجَ من الإطار الإيديولوجي، وأنْ ينطلقَ ممّا تنصّ عليه مواثيق منظمة الصحّة العالمية، التي تحثّ على الحقّ في الصحة، والاتفاقيات الدوليّة المتعلقة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة في مجال الرعاية الصحّية، وأنّ مُعارضةَ الإجهاض لا تقتصر فقطْ على الدّول الإسلامية، بلْ هناك دولٌ مسيحية تجرّمه، مثل شيلي وإيرلندا، وهناكَ، في المقابل، دول إسلامية تبيحه، كتونس وتركيا، اذا «ليسَ هناك نصّ ديني يحرّم الإجهاض».
ورفضت الوزيرة السابقة نزهة الصقلّي، الاكتفاء بالسماح بالإجهاض في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، كما يدعو إلى ذلك بعض «الإسلاميين المعتدلين» بداعي أنّ عدد حالات الإجهاض الناجمة عن الاغتصاب وزنا المحارم لا تمثّل سوى نسبة مئوية قليلة من مجموع الحالات، بيْنما تصلُ نسبة حالات الإجهاض التي يكون سببها الوعْد بالزواج أو التغرير إلى أكثر من 60 في المئة وقالت «مشكلة الإجهاض تعاني منها بالأساس النساء الفقيرات، اللواتي يعملن في وسط مُحرّض على الحمْل».
وانتقدتْ استئثارَ الرجال بمناقشة موضوع الإجهاض «الذي يهمّ النساء» لان «الإجهاض لا يجبُ أن يناقشه الرجال وحدهم، حيتْ ان النساء هن من يدفعن الثمن وليس معقولا أن تكون السلطة السياسية وحتى السلطة الطبية بيد الذكور»، وعلى الرغم من أنّ الفصل 453 من القانون الجنائي ينصّ على أنّ للمرأة الحقّ في الإجهاض إذا كانَ حمْلها يشكّل خطرا على حياتها، بشرْط الحصول على موافقة زوجها، وفي هذا الفصْلَ تمييز بيْن المرأة المتزوجّة والمرأة غير المتزوجة.
وأكد الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، أن في الشرع متسع أكبر مما يوفره القانون الجنائي الحالي بخصوص قضية الإجهاض، موضحا أن القانون الجنائي متشدد جدا وفيه أمور مسكوت عنها.
وقال نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول النقاش الدائر بشأن إصلاح أحكام الإجهاض في القانون الجنائي «أنا مع مراجعة هذا القانون وتوسيعه وتقنينه في حدود أحكام الشريعة وأن المطلوب والمقصود ألا يكون الغلو الذي يتجلى في فتح أبواب الزنا فقط» مشيرا إلى أن هناك «إجهاضيين» هدفهم أن يفسحوا حرية الجنس وحرية الجسد، ورفع التعقيدات التي تضيق على هذه الحرية ولو بقتل الأجنة.
وشدد الريسوني على أن ما فيه مصلحة في حالات الإجهاض يدرس، داعيا لأن يكون تعديل القانون الجنائي بما يحفظ المصلحة ويدرسه العقلاء والخبراء. وأكد أنه مع مراجعة القانون وتنميته وتوسيعه حفاظا على مقاصد الشريعة.
وقال «أرى أن الإجهاض يكون واجبا في حالات، ويكون جريمة في حالات، وله حالات أخرى تحتمل وتحتمل، أترك النظر فيها للاجتهاد الفقهي والقانوني، أيا كان ترجيحه واختياره فيها، بناء على القاعدة الأصولية (لا إنكار في مسائل الاجتهاد). وكل شيء أسند إلى أهله من العلماء والخبراء والمختصين، فسيكون حتما متوازنا وفي حدود معقولة ومقبولة». وأضاف أنه مع المراجعة القانونية -العلمية العقلانية- لأحكام الإجهاض في القانون الجنائي المغربي.
وقال مُدير دار الحديث الحسنيّة أحمد الخمليشي ان النقاشَ حوْل الإجهاض يجبُ أن يُبْنى على حُقوق الطفل وهوّيته لإنّ موضوع الإجهاض «ليس مشكلا قانونيا فحسب، بل هو مشكل اجتماعي يتطوّر بتطوّر ملابسات الحياة الاجتماعية».
وهو يرى إنّه لا بدّ أن يكون هناك اختلاف في تفسير القرآن، حوْل ما هي النفس، وأَضاف «غيْر أنّ الحياة في العصور السابقة كانتْ مختلفة، فالفقهاء آنذاك كانوا يتحدّثون عن الإجهاض في إطار العلاقات الزوجيّة، ولم تكنْ هناك حالات الأمهات العازبات على نحو ما هو موجود اليوم، وإن كان هناك زنا، ولكنّ طبيعة الحياة المجتمعية وقتذاك كانتْ تغطّي على هذا الجانب».
وانتقَد الخمليشي حرمان الأطفال المولودين خارج إطار المؤسسة الزوجية من حقّ النسب وقال «نحن نُعنى بالجنين وهو في طوْر التكوين، ولكن عندما يُولد نُهمله، كيْف نُهْمله؟ لأننا نقول إنّه لا يُنسب لأبيه، وهذا ظلم كبير».
وأضاف أنّ أغلبَ الفقهاء يقولون بذلك، «لكنْ هناك في المقابل رأي يقول العكس، ومن ذلك ما نُسب إلى الخليفتيْن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب».
ودعا الخمليشي إلى معالجة موضوع الإجهاض من زاوية شموليّة، وركّز أكثر على الجانب القانوني والاجتماعي وقالَ إنّ أيّ موقفٍ يجبُ أن يُبْنى على دراسة متفحّصة للواقع، مشدّدا على أنّ البداية يجبُ أن تنطلق من التركيز على الوقاية، «لماذا تحمل هؤلاء النساء خارج مؤسسة الزواج، لأنهنّ، في مجملهنّ، غيرُ واعيات وغيرُ متعلّمات، وعدم التعلّم يستتبع وضعا آخر، وهو الوضع الاقتصادي، لذلك فالوضع الاقتصادي والتعليم من الأهميّة بمكان أن نُعني به».